القاهرة | «التمكين»، أو الوصول إلى الحكم بحسب تعبير الإخوان المسلمين، أمل لطالما راود الجماعة الأكثر تنظيماً في مصر منذ تأسيسها، قبل ما يزيد على ثمانين عاماً، لكنه لم يكن أبداً بهذا القرب منذ انتخاب محمد مرسي، الرئيس المستقيل لحزب الحرية والعدالة، ذراع الجماعة السياسية، رئيساً للجمهورية. إلا أن التصدع البطيء في جسم الجماعة بعد الثورة قد يشير إلى أن النصر الكبير ينذر بتصدع جديد. شباب الجماعة الذين انخرطوا في التنسيق مع عدد من القوى السياسية، خلال أيام الثورة الأولى عبر ائتلاف شباب الثورة، انتهى بهم الأمر إلى الانشقاق عن الجماعة، كما حدث مع نشطاء من قبيل محمد القصاص ومعاذ عبد الكريم. وهما فصلا من الجماعة بعدما أصرّا على الانضمام إلى جهود تأسيس حزب التيار المصري في مواجهة الجماعة التي كانت وقتها قد أعلنت تأسيس حزب الحرية والعدالة.
لكن الأهم هو ما كشف عنه أحد شباب الجماعة لـ«الأخبار»، طالباً عدم ذكر اسمه، من أن الجماعة فقدت بالفعل خلال نحو شهر مضى فقط 600 من أعضائها الشباب، الذين قدموا استقالاتهم بخلاف العشرات من أبناء القيادات التاريخية للجماعة ممن وقّعوا على توكيلات لتأسيس حزب «مصر القوية»، الذي يتزعم الدعوة إليه المرشح الخاسر في الانتخابات الرئاسية، القيادي الإخواني السابق عبد المنعم أبو الفتوح.
ومما قد يسهم في زيادة الطين بلة، انتخابات رئاسة الحزب المزمعة غداً، والتي يخوضها عصام العريان، القائم بأعمال رئاسة الحزب منذ استقالة مرسي، أمام محمد سعد الكتاتني، رئيس مجلس الشعب المنحل. وفي حين يؤيّد الشباب عصام العريان الذي لا يزال يعدّ وجهاً بارزاً في معسكر «الإصلاحيين»، يبدو واضحاً أن مكتب إرشاد جماعة الإخوان لا يزال في المقابل صاحب نفوذ قوي سيمارسه على أعضاء المؤتمر العام لإمرار وصول الكتاتني إلى رئاسة الحزب.
في هذا الصدد، علمت «الأخبار» أن الشباب نظموا استبياناً لشعبية المتنافسين على عينة عشوائية من أعضاء الجماعة، شملت قواعد الحزب ومؤتمره العام، كشفت عن حصول العريان على حوالى تسعين في المئة من الأصوات المستطلعة آراؤهم. كذلك نظّموا حملة بين أعضاء المؤتمر العام للحزب للترويج لانتخاب العريان.
ويلفت الشاب، الذي أصبح قاب قوسين أو أدنى من الفصل من الجماعة جزاءً على رفع صوته بالاحتجاج على سوء الإدارة الداخلية، إلى أن «أعداداً من الشباب في الجماعة من المعارضين للتوجهات المحافظة في قيادتها الآن ماضون في إعداد مشروع لائحة داخلية جديدة للعرض على مكتب الإرشاد، وهو ما قد يمثل أزمة جديدة تلوح في الأفق بين الطرفين»، في ظل التوقعات برفض الاقتراح.
ووفقاً للشاب، فإن مشروع اللائحة وصل تقريباً إلى محطته النهائية، وينتظر فقط العرض على مجموعة من خبراء القانون لمراجعته قبل عرضه على مكتب الإرشاد. هذا الموضوع، عقّب عليه مصطفى الغنيمي، عضو مكتب إرشاد الجماعة، في حديث مع «الأخبار»، مشيراً إلى أن «لجنة اللوائح في الجماعة تلقّت بالفعل خلال نحو سنة ونصف _ عمر الثورة _ مقترحات عديدة بشأن لوائح جديدة لجماعته». وأوضح أن معظم المقترحات من شباب الجماعة كانت تنصب في اتجاه مطالب بتمثيل أوسع للشباب في المواقع الإدارية المختلفة، وتوسيع دائرة اتخاذ القرار لتتخطى مجلس شورى الجماعة، وتطوير المناهج التربوية لتلائم مقتضيات العصر، خاتماً حديثه بالقول «هي مقترحات نحترمها».
هؤلاء الشباب على كل حال كان معظمهم من المعارضين لخوض الجماعة السباق الرئاسي. وهو ما يعني أنهم أصبحوا في وضع صعب سياسياً في مواجهة قياداتهم التي أفلحت في إيصال مرسي إلى رئاسة الجمهورية، حسبما يرى الشاب العشريني الذي يتوقع «معارك جديدة تنتهي إلى فصل أعداد غفيرة من هؤلاء الشباب».
الترجيحات بالمعركة يعززها وجود «معارضة تنمو بين الشباب لما بدر عن مرسي في الأيام الأولى له في القصر الرئاسي من إدخال طاقم حملته الانتخابية للعمل في ديوان الرئاسة، بالرغم من وعود الفصل بين الرئيس والجماعة والحزب (الحرية والعدالة)».
الشاب الإخواني، الذي كان من بين الذين صوّتوا لعبد المنعم أبو الفتوح في الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية خلافاً لإرادة قيادة الإخوان المسلمين، أشار إلى أن الجماعة حاولت مواجهة تعلق أعداد من الشباب بأبو الفتوح، عبر التهديد بفصل أي عضو ينخرط في حملة دعمه، كما أغرت الأعضاء للانضمام إلى حملة مرسي الانتخابية مقابل الترقي داخل الجماعة، إذ يخضع أعضاء الجماعة لتدرج في العضوية يبدأ بـ«محب» ثم «مؤيد» ثم «منتسب»، على أن ينال لاحقاً صفة «منظم» وأخيراً «عامل».
أزمة خوض الجماعة انتخابات الرئاسة أصلاً أثارت في حينه غضباً واسعاً بين قطاعات الشباب المتمرد على قياداته، من قبيل ما حدث عندما أخذت تتوالى بيانات مجموعة أطلقت على نفسها اسم «صيحة إخوانية».
ويقول أسامة عبد الهادي، أحد أعضاء تلك المجموعة، لـ«الأخبار»، إن تجربة ترشح مرسي أثبتت صحة ما حذرت منه «صيحة إخوانية» لا العكس. «فقد توقعنا أن تؤدي المواجهة بين مرشح الإخوان المسلمين وأي مرشح آخر مقرّب من النظام السابق (في إشارة إلى أحمد شفيق آخر رؤساء الحكومة في عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك الذي وصل لاحقاً إلى الجولة الثانية من الانتخابات مواجهاً مرسي) إلى شرخ وطني كبير في ظل أزمة قطاع من الناخبين سيرفض التصويت لأيّ منهما». وأوضح عبد الهادي أن ما جرى «كان ينذر بكارثة لولا أن عدداً من القوى الوطنية تمسكت في اللحظة الأخيرة بالتوافق الوطني»، في مواجهة صعود شفيق.