«كسر العظم» بين الأمن والقضاء يؤجّل «الحرب على الإرهاب»

  • 0
  • ض
  • ض

أخّر الصراع المحتدم بين المؤسستيين الأمنية والقضائية انطلاق «الحرب» على الإرهاب، التي أعلنها الباجي قايد السبسي الشهر الماضي. اتهامات متبادلة بين الطرفين على خلفية إطلاق القضاء عدداً من «الإرهابيين»، وهو ما يرى فيه الأمنيون ضرباً لجهودهم في مكافحة الإرهاب

«احنا نشدو وهوما يسيبو»، هكذا بدأت همهمات رجال الأمن في تونس حول إفراج القضاء عن المشتبه فيهم بقضايا الإرهاب. ومع تكرر حالات إطلاق سراح عدد من المتورطين في الأعمال الإرهابية، صدع الأمنيون بما يخالج صدورهم من غضب وهم يرون «قاتلي زملائهم أحراراً طلقاء»، كما عبّر عدد من النقابيين الأمنيين. تهم كثيرة وجهت إلى المؤسسة القضائية بالتقصير وحتى التواطؤ مع الإرهابيين، بل ذهب بعضهم إلى وصف القضاة بـ«الدواعش». وأعادت العملية الإرهابية، التي استهدفت حافلة الأمن الرئاسي الشهر الماضي، الصراع بين الأمنيين والقضاة إلى سطح الأحداث مرة أخرى؛ وتبادل الأمنيون والقضاة الاتهامات، خصوصاً بعدما تبيّن أن الإرهابي الذي نفذ العملية، حسام العبدلي، معروف لدى الأجهزة الأمنية وقد جرت مداهمة منزله في الصيف الماضي بعد معلومات عن امتلاكه كتباً ومنشورات جهادية، ولكن جرى إطلاق سراحه في ما بعد بدعوى أن الكتب المحجوزة ليست ممنوعة. ويبيّن تقرير أعدّته «المنظمة التونسية للأمن والمواطن» أن عدداً من العناصر الإرهابيين المصنفين بالخطيرين، ممن ألقت قوات الأمن القبض عليهم بعد كمائن محكمة، أفرج القضاء عنهم ليلتحقوا في ما بعد بتنظيمات إرهابية في تونس أو سوريا، أو جرت إعادتهم إلى السجون مرة أخرى. وقدم تقرير المنظمة عيّنة عن عشرات الإرهابيين الذين أطلقهم القضاء، رغم تهمهم الخطيرة. مثلاً سامي القاسمي، ألقي القبض عليه عام 2014 بعد إلقائه كلمة تحريضية دعا خلالها إلى قتل رجال الأمن باعتبارهم «طواغيت»، وأطلق القضاء سراحه، وهو الآن يقاتل ضمن الجماعات الارهابية المتحصّنة في جبل الشعانبي غربي تونس. كذلك أفرج القضاء عن راغب الحناشي الذي قتل بعد الإفراج عنه رجال أمن. ويتحدث التقرير عن القبض على مجموعة أقامت معسكراً تدريبياً في إحدى مناطق الوسط تحضيراً لعمليات إرهابية، وقد تم الإفراج عنهم بدعوى ممارستهم ألعاباً ترفيهية، ليتبيّن التحاق عنصرين من المجموعة بالتنظيمات الإرهابية في سوريا.

وصف وزير سابق العلاقة بين المؤسّستين الأمنية والقضائية بـ«الكارثية»
ويرى رئيس «المرصد التونسي لاستقلال القضاء»، أحمد الرحموني، أن ما قدمه تقرير «المنظمة التونسية للأمن والمواطن» هو معلومات أمنية «مشبوهة» تهدف إلى «ضرب الثقة بالمؤسسة القضائية لإعطاء انطباع لدى الرأي العام بأن الأمني هو الذي يحمي في حين أن القاضي متواطئ مع الإرهاب». وشدد الرحموني، في حديث إلى «الأخبار»، على أن ما يحدث سببه «العقلية البوليسية التي بقيت راسخة لدى الأمنيين، منذ نظام زين العابدين بن علي، وتروّج لفكرة أن الأمن يشدّ والقاضي يسيب يطلق سراحه». في المقابل، يرى النقابي الأمني، عصام الدردوري، أن «بعض الأحكام القضائية اتسمت بالارتجالية، ولم تكن بالمستوى المطلوب. كان القضاة دوماً يتحجّجون بأن الملفات فارغة ولا تحتوي قرائن مادية». واستدرك بالقول، إن «بعض القضاة لم يستوعبوا مفهوم الأمن الاستباقي للتوقّي من الجريمة الإرهابية قبل وقوعها»، مشيراً إلى أن «شبكات التواصل الاجتماعي صارت أكبر أداة للتواصل بين الجماعات الإرهابية، ولكن القاضي لا يعتبرها قرينة كافية مثلها مثل حجز الأسلحة أو اعترافات المتهمين»، مضيفاً: «هذا يحتّم ضرورة التفريق بين جرائم الحق العام والجرائم ذات الطابع الإرهابي». ويثير الدردوري مسألة غياب التنسيق بين القضاة والأمنيين، وهو «ما يخدم أهداف الجماعات الإرهابية التي تسعى إلى ضرب مؤسسات الدولة في ما بينها وإرباكها»، مستغرباً إلغاء التدريب الذي كان يجريه القضاة عقب تخرّجهم في الوحدات الأمنية المختصة لمدة 15 يوماً ويمكّن القاضي من فهم طريقة عمل الأمنيين لتسهيل التنسيق بين الطرفين. لكن القاضي أحمد الرحموني يصرّ على أنه ليس من حق الأمن أن يجري الإيقافات من دون إذن القضاء، ويشدد على أن «التنسيق بين الجهازين يقتضي الإشراف المباشر للقضاة على الشرطة العدلية التي تعطي أذون الإيقاف»، مشيراً إلى أن «بقاء الشرطة العدلية تحت إشراف وزارة الداخلية لن يحسم الصراع بين المؤسستين». ولفت الرحموني إلى أن «الأمن يرتكب عدداً من المخالفات، منها تجاوز مدد الإيقاف وممارسة التعذيب على الموقوفين. كذلك استفادت الشرطة من حالة الطوارئ لتقوم بإيقافات بالشبهة من دون محاسبة، وهو ما يفرض على القضاة التدخل وفرض احترام الحريات وحقوق الإنسان والمحاكمة العادلة، حتى لمن تورط في قضايا الإرهاب». في هذا السياق، وصف وزير العدل السابق، محمد صالح بن عيسى، العلاقة بين المؤسستين الأمنية والقضائية بـ«الكارثية»، لافتاً إلى أن حادثة ما بات يعرف بـ«خلية القيروان» هي التي أجّجت الوضع المحتقن بين الطرفين. وكان القضاء قد أفرج في آب الماضي عن سبعة متهمين متورطين، يقول الأمنيون ونقاباتهم إنهم كانوا يخططون للذهاب إلى ليبيا والعودة لاستهداف سياح في ساحة جامع «عقبة بن نافع»، في مدينة القيروان، ولكن قاضي التحقيق رأى أن من الأجدى إطلاق سراحهم لغياب قرائن حول عزمهم على تنفيذ مخطط إرهابي. ويؤكد تقرير منظمة «الأمن والمواطن» أن فرقة مكافحة الإرهاب تعرضت لـ«حملة منهجية من طرف قضاة ومحامين مناصرين للإرهابيين بالاستعانة بوسائل إعلام مقربة من حركة النهضة، عبر فبركة تقارير طبية ونشر صور مغلوطة عن آثار التعذيب على أجساد الموقوفين، وكل ذلك بغاية المساس بمعنويات الأمنيين وضرب التنسيق بين مختلف الوحدات الأمنية». في المقابل، ينفي الرحموني وجود حملة لتحجيم دور فرقة مكافحة الإرهاب، مضيفاً أن القاضي المباشر لملف «هجوم باردو» الذي استهدف مجلس النواب في آذار الماضي أصرّ على سحب القضية من فرقة مقاومة الإرهاب «وعرضها على فرقة بحث أخرى، بعد أن عاين وجود آثار تعذيب لم يشهدها طوال حياته، وهو ما دفع بعناصر هذه الفرقة وعدد من الأمنيين إلى شنّ حملة ضد القضاة». وتبيّن إحصاءات أمنية أن عدد الموقوفين في قضايا إرهابية يبلغ 3696، فيما ذكرت رئيسة جمعية «القضاة التونسيين»، روضة القرافي، أن عدد القضايا الإرهابية المحالة على القضاء بلغت 1600 قضية تحقيقية. وربطت القرافي، في حديث صحافي، إطلاق سراح بعض الموقوفين على ذمة القضايا الإرهابية بالكم الهائل من الإيقافات، داعية الجميع إلى الكفّ عن التمادي فى منطق «أحنا انشدوا وهوما يسيبوا... لأنها قضية مغلوطة».

  • يبلغ عدد الموقوفين في قضايا إرهابية 3696 شخصاً

    يبلغ عدد الموقوفين في قضايا إرهابية 3696 شخصاً

0 تعليق

التعليقات