كشفت صحيفة «يديعوت أحرونوت»، أمس، أنّ الرئيس السوري بشار الأسد، رفض عروضاً أميركية جديدة تؤدي إلى هدوء الاضطرابات في سوريا، وأنّ العديد من المبعوثين الغربيين قدّموا له أفكاراً لتسوية من هذا النوع مع أميركا وإسرائيل، إلا أنّ الأسد «بقي يرفض أيّ مبادرة قُدِّمت أمامه». ووصف المعلّق العسكري في الصحيفة أليكس فيشمان، الرئيس السوري بأنّه بات «أسداً آخر، وأكثر تعلقاً بالإيرانيين». وبحسب فيشمان، يبدو أن إسرائيل والولايات المتحدة بلغتا حدّ اليأس منه، إلى حدّ أنّهما «لم تعودا معنيتين بالاستماع إليه». وأكد فيشمان أن هذه العروض قُدِّمت في الأشهر الأولى من عام 2011، وهي تشكّل فصلاً إضافياً للاتصالات الأميركية التي جرت مع الرئيس الأسد، في ربيع – صيف عام 2010، التي كشف عنها المعلّق السياسي في صحيفة «يديعوت أحرونوت» شمعون شيفر الأسبوع الماضي، لافتاً إلى أنّ الأميركيين قدموا حبل نجاة للرئيس الأسد على شاكلة مبادرة سياسية جديدة، مشيراً إلى أنّهم «حاولوا قبل كل شيء إقناعه بأن مبادرة سياسية دراماتيكية جديدة ستصيب الشارع السوري والعربي بصدمة، وتوقف موجة الاضطرابات التي تزداد قوة في أنحاء سوريا». لكنّ الأسد رفض هذه المبادرة باحتقار، وهو ما شكّل خاتمة للفصل الثاني من رواية الاتصالات الأميركية معه. وأوضح فيشمان أن هذا الفصل بدأ بمحادثات استقصاء بين شخصيات «في الإدارة السورية أتت إلى واشنطن ودبلوماسيين سابقين علموا برعاية وزارة الخارجية الأميركية ومباركتها، وبعلم إسرائيل مرة أخرى». وبعد هذه الخطوة، أتى المبعوثون الأميركيون إلى سوريا وعرضوا على الأسد تجديد الاتصالات مع إسرائيل مع تقديم خطوات تعبّر عن حسن نية لبناء ثقة متبادلة كأن يساعد على الإفراج عن جلعاد شاليط، إو إعادة رفات الجاسوس الإسرائيلي إيلي كوهين. لكن بحسب الرواية التي أورد تفاصيلها فيشمان، لم تنجح هذه المحاولات مع الرئيس السوري. أما في ما يتعلق بالفصل الأول من الاتصالات الأميركية مع الأسد في عام 2010، فيرى فيشمان أنّه ليس من قبيل الصدفة إجراؤها، في الوقت الذي كان التوتر قد ارتفع مستواه بين سوريا وإسرائيل التي تابعت بقلق المحاولات التي بذلها حزب الله لنقل وسائل قتالية وصواريخ أرض – أرض من طراز «سكود – دي»، وصواريخ مضادة للطائرات متطوّرة من طراز «اس – اي 17»، وأيضاً إمكان نقل أسلحة كيميائية إلى لبنان. ويتابع فيشمان أنّ حزب الله حاول خداع الاستخبارات الإسرائيلية وتهريب منظومات السلاح، ما أثار الرعب في وزارة الخارجية الأميركية من حدوث اشتعال في المنطقة، وكان من مصلحة إسرائيل، حينها، التهدئة، ولهذا سمح رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع إيهود باراك لمسؤول ملف العملية الانتقالية في سوريا في الإدارة الأميركية فريديريك هوف، بالاستمرار في الاتصالات، حتى لو أفضى ذلك إلى بدء تفاوض على التنازل عن هضبة الجولان، وأن لا أحد من المسؤولين الإسرائيليين كان على اقتناع بإمكان نجاح هوف. في المقابل، أكد فيشمان أن الرئيس الأسد كان «صلفاً وواثقاً بنفسه بقدر كافٍ كي يردّ على الوسيط الأميركي بالرفض». لكن الذي حصل بعد ذلك أن التوتر العسكري تراجع بين الدولتين، بحسب ما يتابع فيشمان، كذلك أشارت المعلومات الاستخبارية الإسرائيلية إلى تراجع دوافع تهريب السلاح من سوريا إلى لبنان. وأكد فيشمان أنّ الرسالة الأخيرة التي وصلت إلى الأسد كانت قبل بضعة أشهر، وتتضمّن «تهديداً بشنّ هجوم عسكري مباشر على خلفية معلومات استخبارية أميركية بإمكان سقوط إحدى المنشآت غير التقليدية في أيدي المتمردين»، ولفت أيضاً إلى أنّ الإدارة الأميركية حذّرت سوريا أيضاً من أنه إن لم يعد الوضع إلى ما كان عليه فستتعرّض لـ«هجوم عسكري إسرائيلي أميركي ساحق»، مضيفاً أنّ الجيش السوري أعاد السيطرة على المنشأة، ونُقل بعض المواد القتالية إلى منشآت جديدة يستطيع الجيش السوري حمايتها. في السياق، أوضح فيشمان أن سوريا لم تعد تشكّل تهديداً عسكرياً مباشراً لإسرائيل، بل إن «ما بقي منها ينطوي على احتمال تشكيل تهديد في المستقبل». وفي ضوء ذلك باتت المتابعة الاستخبارية لما يحدث هناك تختلف عما كانت عليه في الماضي، وأصبحت متابعة الأسلحة الاستراتيجية في سوريا أهم من عدد الدبابات في هضبة الجولان»، إضافةً إلى متابعة نشاط التنظيمات الإسلامية المتطرفة والوضع على الحدود المتاخم لهضبة الجولان. في موازاة ذلك، أدرك القيّمون في الأجهزة الاستخبارية الإسرائيلية أنّ سوريا «التي عرفناها في الثلاثين سنة الماضية لم تعد موجودة»؛ إذ كانت الاستخبارات في عام 2007، قادرة على تحليل صورة اتخاذ القرارات في الجانب السوري، أما الآن فلم يعد واضحاً من الذين يتشاور معهم الأسد بعد القضاء على العديد من مستشاريه، وحلّ مكانهم آخرون. ويضيف فيشمان أنّ المستشارين الاستراتيجيين الحقيقيين هم مسؤولون إيرانيون رفيعو المستوى، يصوغون معه الإجراءات العسكرية والسياسية.