مع انطلاق الحملات الانتخابية في الدولة العبرية، يكثر تداول مصطلحات توصيف المعسكرات المختلفة في الساحة الاسرائيلية، بين اليمين والوسط واليسار. لكن التدقيق في المعاني الفعلية لهذه المصطلحات يُظهر فروقاً جوهرية بينها، وأنها أسماء لا تعبّر عن مسمياتها، وخصوصاً في ما يتعلق بقضايا الأمن القومي، الى جانب الموقف من مسار التسوية مع الفلسطينيين.
رئيسة حزب «العمل» الحالية، شيلي يحيموفيتش، التي انتزعت رئاسة الحزب من وزير الدفاع الاسرائيلي الحالي إيهود باراك، أعطت بعد توليها منصب رئاسة الحزب انطباعاً بأنها يسارية أكثر مما سبقها، إلا أن الواقع يشير الى غير ذلك، بل يشير الى أن مواقفها من المسيرة السياسية مشابهة لمواقف حزب «الليكود».
وكشفت وثائق وصلت الى صحيفة «هآرتس» أن يحيموفيتش، خلال زيارة قامت بها الى العاصمة الفرنسية باريس في تموز الماضي وتخللها لقاء مع الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند، أدلت بمواقف شبيهة بمواقف يطلقها عادة رئيس الحكومة الإسرائيلية الليكودي بنيامين نتنياهو، وتحديداً ما يرتبط بعملية التسوية مع الفلسطينيين. وأعلنت أنها لا تعارض استئناف المفاوضات مع السلطة الفلسطينية، لكنها تشدد على وجوب أن يعترف الفلسطينيون بإسرائيل دولة يهودية، وأن تكون المفاوضات من دون شروط مسبقة، ومن بينها مطالب السلطة بإيقاف الاستيطان في الضفة الغربية.
وذكرت الصحيفة أن اللقاء بين يحيموفيتش والرئيس الفرنسي جرى سراً، ولم يعلم به إلا عدد قليل جداً، مشيرة الى أن برقيات وصلت الى وزارة الخارجية الاسرائيلية من دبلوماسيين في السفارة الاسرائيلية في باريس رافقوا يحيموفيتش خلال زيارتها، أكدت أن رئيسة «العمل» لم تثر أياً من المسائل السياسية والأمنية، بل كانت مستمعة فقط، وأدلت بمواقفها المتشددة من الفلسطينيين، بعد أن سألها هولاند ووزير خارجيته لوران فابيوس عن رأيها في المسيرة السياسية مع الفلسطينيين، وإمكانياتها، فيما ركّزت، من ناحيتها، على المسائل الاجتماعية والاقتصادية، على اعتبار أنها تحتل رأس سلم أولوياتها.
وذكرت «هآرتس» أن يحيموفيتش ردّت على سؤال الرئيس الفرنسي بالقول إن «حزبها مع تجديد المفاوضات بدون شروط مسبقة بهدف التوصل إلى حل الدولتين من خلال تسوية جغرافية، مع الحفاظ على أمن إسرائيل، واعتراف فلسطيني بحق إسرائيل في الوجود كدولة يهودية ديموقراطية».
وفي برنامج حزب «العمل» السياسي للانتخابات الأخيرة، ورد أن «السلام هو مصلحة قومية عليا لدولة إسرائيل، وسيؤدي الى نمو اقتصادي وإصلاح اجتماعي، وأن السلام والأمن والرفاه يرتبط الواحد بالآخر ارتباطاً وثيقاً»، إلا أنه قبيل الانتخابات الحالية، قلبت يحيموفيتش الأمور، وبات برنامج الحزب ينص على أنه «في حال كانت إسرائيل ذات اقتصادي قوي، ولديها تضامن وعدالة اجتماعية، فبإمكانها أن تعمل على استئناف المسيرة السلمية بجدية أكثر، وصولاً الى تطبيق ما يتفق عليه».
ونقلت الصحيفة العبرية عن مقربين من رئيسة حزب «العمل» قولهم إن «نتنياهو هو الذي اقترب من مواقف حزب «العمل»، وليس العكس، بما في ذلك في موضوع الاعتراف بإسرائيل كدولة يهودية». وبحسب أحد كبار مستشاريها الأساسيين، الذي يتولى إدارة حملتها الانتخابية، فإن «موقف يحيموفيتش هو أنه لا يوجد مشاريع ناقصة على جدول الأعمال في ما يتعلق بالتسوية مع الفلسطينيين، وفي مقدمتها مشروع التسوية للرئيس الأميركي السابق بيل كلينتون، إلا أن ما ينقص التسوية بالفعل هو تنفيذ هذه المشاريع، والاستعداد لإدارة مفاوضات ناجعة مع الجانب الفلسطيني»، الأمر الذي يشير الى أنها غير معنية ببلورة مشروع تسوية، تخوض من خلاله الانتخابات العامة المقبلة، على نقيض من السياسات التي ميّزت حزب «العمل» طوال السنوات
الماضية.