بيت لحم | ما أن يقترب موسم قطف الزيتون في الأراضي الفلسطينية، حتى يبدأ المواطن الفلسطيني بالاستعداد لمواجهة تهديدات الاحتلال الإسرائيلي عامة، والمستوطنين المتطرفين بشكل خاص، الذين يفتحون النار على المزارعين، ويحرقون الأشجار، ويسرقون المحصول الذي انتظره صاحبه مدة عام كامل، ويعتمد عليه كدخل رئيسي له ولعائلته يقتاتون منه. ووسط حقول الزيتون في المنطقة الشمالية الواقعة ما بين مدينتي بيت لحم وبيت ساحور، وتحديداً أسفل مستوطنة «جبل أبو غنيم»، التقت «الأخبار» بعدد من المزارعين الذين أصروا على قطف ثمار الزيتون، رغم تهديد الاحتلال بعدم الاقتراب من منطقة السياج الأمني المحيط بالمستوطنة.
كانوا أكثر من عشرين شخصاً من نفس العائلة، سمور، وصلوا إلى حقلهم، الذي صادرت قوات الاحتلال أكثر من نصفه بالقوة، لصالح «السياج الأمني» للمستوطنة؛ ومع ساعات الفجر الأولى، أحاطوا بالأشجار من كل جانب، وبدأوا بقطف الزيتون، رغم أجواء القلق التي كانت تسيطر عليهم من أي احتكاك محتمل مع قوات الاحتلال أو مستوطنيه.
يصف الجد الأكبر في العائلة، أبو ابراهيم، أهمية الأرض بالنسبة له، ورمزية الزيتون بشكل خاص للقضية الفلسطينية. يقول وقد بدت عليه الحسرة على الجزء الآخر من الأرض الذي سرقته منه قوات الاحتلال، وحرمته من محصوله «ورثت هذا الحقل من أجدادي، وأريد المحافظة عليه ما حييت، وأولادي من بعدي، ومهما كانت الظروف والمعوقات، سنواظب على الاعتناء بالشجر والأرض، ولن نسمح بضياع الجزء الباقي مهما كلف الثمن، سنقطف الثمار، ونحصل على الزيت الذي نوزعه والزيتون على كافة أفراد العائلة ويكفينا طوال العام».
وتتركز اعتداءات المستوطنين على مناطق شمال الضفة الغربية بشكل رئيسي، وعلى أراضي القرى الفلسطينية المتاخمة للجدار العنصري، ولمستوطنات الاحتلال في مختلف أنحاء الضفة الغربية، بحسب ما يؤكد لـ«الأخبار» مسؤول ملف الاستيطان في شمال الضفة الغربية، غسان دغلس.
ويصف دغلس الوضع بالحرب الحقيقية التي تشنها قوات الاحتلال الإسرائيلي على الفلسطينيين في هذا الموسم، مستخدمة أداة المستوطنين المتطرفين، بحيث وصلت الخسائر الفلسطينية منذ التاسع من الشهر الحالي حتى الآن حوالي 1500 شجرة زيتون قطعت تماماً. ويضيف «المستوطنون يستخدمون أساليب عديدة ضد الفلسطينيين، فهم يتعمدون قطع الأشجار، وإحراق حقول بأكملها، وتخريب الأراضي، والأمر الأخطر الذي بدأ يتصاعد من قبل المستوطنين هو فتح النار على المزارعين الفلسطينيين»، وهو ما حدث أمس في قرى نابلس وأدى إلى إصابة مزارع بجراح متوسطة.
أما أجمل ما قد تجده وسط حقول الزيتون، فهم المتطوعون من الفلسطينيين والأجانب من مختلف الجنسيات؛ ففي هذا الموسم يتكاتف الجميع، وتجدهم يتوجهون إلى الحقول لمساعدة الناس من دون أي مقابل، جزء من ذلك مرتبط بثقافة العمل التطوعي، والجزء الآخر مرتبط بتوفير جو من الحماية لهم، للتأكيد لهم أنهم ليسوا وحدهم في مواجهة الاحتلال ومستوطنيه.
وفي حقل يتحدث المتطوع الإيطالي، ماريو، لـ«الأخبار» عن قدومه لمساعدة الفلسطينيين في قطف الزيتون، والأهم في مواجهة الاحتلال ومستوطنيه الذين يعربدون ويخربون أراضي الفلسطينيين ويعيثون فيها فساداً. ويؤكّد أنّها ليست المرة الأولى له هنا، وأنّه نجح في جلب المزيد من المتضامنين الإيطاليين كي يعرف الفلسطينيون أنهم ليسوا وحدهم، بل هناك كثر حول العالم ضد الاحتلال الإسرائيلي، ومعهم.
ويقول ماريو إن «أجمل شعور بعد المساعدة هو الجلوس بين أفراد العائلة على الأرض وسط أشجار الزيتون، لتناول القليل من الزيت والزعتر، وشرب الشاي الذي يحضر على النار في الحقل، ليس عندنا كل هذه الأشياء، الحياة هنا بسيطة، والناس يستحقون حياة أفضل».
وتحتل شجرة الزيتون أهمية مميزة في الحياة الاقتصادية والاجتماعية للشعب الفلسطيني حيث يشكل هذا الفرع أحد المصادر الرئيسية للدخل إذ تصل مساهمته في السنوات الجيدة إلى حوالي 13 في المئة من قيمة الانتاج الزراعي السنوي، بينما يغطي شجر الزيتون ما يقارب 45 في المئة من مساحة الأراضي الزراعية في فلسطين، كما يصل إنتاج فلسطين من زيت الزيتون في السنوات جيدة الإنتاج إلى حوالي 35 ألف طن.
اعتداءات المستوطنين مرشحة للتصعيد، خصوصاً أن بعض القرى لم تطلق موسم قطف الزيتون بعد، لكن الفلسطينيين اعتادوا المواجهة، وهم مصرّون على قطف محصولهم وتسويقه والاستفادة منه، كونهم ينتظرون ذلك مرّة في كل عام.