خلال لقائه بالرئيس السوري، بشار الأسد، أثناء زيارته الأخيرة لدمشق، شرح المبعوث العربي الدولي الأخضر الإبراهيمي نظرته لاقتراحه إنشاء هدنة عيد الأضحى، وموقعه في إطار مسعاه لحلّ الأزمة السورية. وقال إنّ هدفه من اعلان الهدنة هو قياس نوايا الأطراف الداخلية والخارجية، بمدى التزامها بما تتعهد به من ضمانات لمساعدة مهمته، وذلك تمهيداً لايجاد ثغرة في جدار انعدام الثقة القائم بين كل الأطراف المعنية بالأزمة السورية، يمكن لاحقاً النفاذ منها. وأضاف الإبراهيمي شارحاً فلسفته لطرح فكرة هدنة «الأضحى»، خاصة لجهة الجانب السوري، حيث ضرب مثلاً قابلاً للتشبّه به من وجهة نظره من قبل النظام، «عن طريقة تصرّف الحكومات التي تجري ضمن أراضيها صراعات داخلية، وهو مثل الحكومة الكولومبية التي ورغم صراع دام 30 عاماً، مع تنظيم «الفارك»، فإنها كانت حريصة خلال مواسم أعياد بداية العام على السماح، بإدخال المؤن والمستلزمات الحيوية للمدنيين القاطنين في مناطق خاضعة لسيطرة الفارك». واقترح الإبراهيمي «آلية مشابهة تقوم بها الحكومة السورية»، إلا أنّ مساعدين في فريقه المقيم في سوريا، يعتقدون أنّ الإبراهيمي صار بعد زيارته لسوريا أقلّ حماسة لتوقعّ نجاح فكرته، نظراً لأمرين اثنين، الأول لأنّ المعارضة ليست ذات عنوان واحد حتى يمكن ضمان التزامها بهدنة العيد. وثانياً لأنّ النظام يعتقد أنّها ستستغل فترة الهدنة من أجل تعزيز مواقعها في المناطق التي تسيطر عليها، إضافة إلى أنّه يعتبر أنّ المناطق التي تسيطر عليها يوجد فيها بيئة حاضنة للمجموعات المسلحة لا مواطنون، لأنّ معظم الأخيرين الباحثين عن الاستقرار، نزحوا منها».

صعوبات الحلّ

بحسب معلومات مستقاة من كبار مساعدي الإبراهيمي، فإنّ الأخير بعد زيارته للدول المعنية بالأزمة السورية لاستطلاع رأيها، وقراءته بتمعّن لتقارير فريقه المقيم في سوريا، وأيضاً محادثاته الأخيرة في دمشق، أصبح يملك خارطة عن الصعوبات التي تواجه مهمته. وأبرز هذه الصعوبات، تتمثل «بتشرذم أطراف الصراع وعدم التقائهم في ما بينهم على رؤية للحلّ السياسي، وينطبق هذا الأمر على المعارضة والنظام على حدّ سواء، فضلاً عن عدم وجود توافق اقليمي ودولي». فمن جهة النظام ــ بحسب أحد مساعدي الإبراهيمي ــ يصعب في أحيان كثيرة تحديد أصحاب القرار ومن يوجّه السياسة المتبعة، كما أنّه يمكن تلمّس وجود شخصيات في السلطة أكثر قابلية لاجراء تسوية من شخصيات أخرى، في حين أنّ على جهة المعارضة يبقى التشتت هو السمة الطاغية سواء بين القادة الميدانيين، أو بين المعارضة السياسية التي لا تأثير حقيقياً لها على الأرض والأوضاع الميدانية. إضافة إلى تعاظم جوّ التشنّج المذهبي. وكلّ هذه عوامل تتعاضد في ما بينها لتشي بصعوبة الحلّ. وما يجعل الأمور أكثر تعقيداً من وجهة نظر الإبراهيمي، أنّه بعد انخراطه وفريقه الفعلي، في رصد ما يحدث على الأرض، أصبح لديه قناعة راسخة بأن وجود عناصر فاعلة في المعارضة تحمل فكر تنظيم «القاعدة» بات أمراً مؤكداً. وما يلفت الإبراهيمي، بحسب مصادر مساعديه في دمشق، بروز ظواهر تطييف أداء المعارضة في التعبير عن نفسها. وأبرز مثل على ذلك، ظهور كتيبة تطلق على نفسها «كتيبة المسيح»، واعضاؤها فتية سوريون مسيحيون يعملون ضمن «الجيش الحر». ويلاحظ فريق الإبراهيمي أنّ هذا الخليط داخل «الجيش الحر»، هو أشبه بـ«تشكيلات نفسية» أكثر منها عسكرية، تلجأ إليها الطوائف في سوريا لضمان أمنها في المناطق الساخنة. وتعكس هذه الظواهر الحذر الموجود بين الطوائف، وتشي بتوقع حدوث انفجار عسكري مسلّح كبير بين فصائل المعارضات المسلحة في لحظة معينة. وفي المدى المنظور، لا يتوقّع الإبراهيمي أن تنوضي أطياف المعارضة المسلحة تحت مظلة حلّ سياسي واحد، مهما كان هذا الحلّ، لذلك فالمطلوب من وجهة نظره، إنشاء مسار للحلّ في سوريا يكون طويلاً وتراكمياً، ومن ناحية ثانية اعطاء اعتبار كبير للنظرية التي تقول إنّ الصراعات المسلحة لا تتوقف عادة ما لم يتعب أحد طرفيها.

معادلة الحلّ

يكشف المصدر عينه، أنّه رغم كل هذه الصعوبات فإن الإبراهيمي ماضٍ في التفتيش عن حلّ وفق آلية تقوم أساساً على البحث عن محاورين ميدانيين يمكن الانخراط معهم، والتوصل معهم إلى معالم حلّ، بدءاً بوقف اطلاق نار. ويحاول الإبراهيمي الوصول إليه من خلال تواصله شخصياً، وبمساعدة فريقه، مع المعارضة المسلحة الميدانية، ولا سيما «الجيش الحر»، التي سيتمّ التركيز عليها، لأنّها الأكثر قدرة نسبياً، على الالتزام بما يتمّ التوصل اليه من اتفاقات مقارنة بالمعارضة السياسية. ويكشف المصدر عينه أنّ الإبراهيمي، وفريقه المكوّن من نحو ثلاثين شخصاً، انخرطوا على مدار الأسابيع القليلة الماضية، بحوارات مع قيادات المجموعات الميدانية، واستمعوا لآرائهم، وكان بينها ما يعتبر جديراً بالاهتمام، ويمكن البناء عليه. وطلب الإبراهيمي وفريقه ممن التقوهم العمل على توحيد صفوفهم، بحيث يكونون إطاراً خاصاً بهم كالجيش السوري الحر، بدل بقائهم كتائب وألوية مشرذمة، يستحيل التحادث معها.
ويهدف الإبراهيمي من مسعاه مع القيادات الميدانية إلى تحقيق جملة أهداف، منها «عزل المجموعات الجهادية التكفيرية التي لا يمكن التوصل إلى حلّ معها، وأصبحت تمثل خطراً على المعارضة ذاتها. وأيضاً عزل المجموعات المتفلتة التي تقاتل دون أفق سياسي». ورؤية الإبراهيمي في هذا المجال تقول إنّه حين تتوفر «الهيئة الموحدة»، التي تجمع مختلف فصائل المعارضة المسلحة، يمكن، حينها فقط، إقامة قناة تواصل بينها وبين القوى العسكرية النظامية، أي بين عسكريين محترفين من الجهتين. ويسمي الإبراهيمي هذه الخطة التي يعمل على تحقيقها: «معادلة جيش نظامي وجيش حر». وثمة نظرية أساسية توجّه مجمل مسعى الإبراهيمي الحالي، وهي أنّه لن يطرح أيّ خطة سياسية قبل أن يضمن لها داخلياً في سوريا، وإقليمياً ودولياً، معطيات نجاحها. لذلك فإن جولته الأخيرة على الدول المعنية بالأزمة السورية وقيادات المعارضة والنظام، كان هدفها القول لكل هذه الأطراف «أرشدوني إلى معالم الخطة العتيدة التي يمكن واقعياً الالتزام بها من كلّ الأطراف. ويدرك الإبراهيمي مسبقاً، أنّ هذا المنهج في التفكير والتعاطي مع الوضع السوري، يستوجب التمتع بنفس طويل، لأنّه السبيل الوحيد للحلّ، وما عداه من مناهج مقترحات، ليس إلا نظريات فوقية، لن يكتب لها النجاح.

استنتاجات الإبراهيمي

لقد تقصّد الإبراهيمي، بحسب كبار مساعديه، القيام بجولة اقليمية تسبق زيارته الأخيرة لدمشق وإعلانه مبادرة «هدنة عيد الأضحى»، والهدف من ذلك جسّ نبض مدى التزام الدول التي زارها بتعهداتها، التي ستقدمها إليه. ويلاحظ في هذا المجال وجود مؤشر إيجابي، وهو أن السعودية استقبلته، وهو الأمر الذي لم تفعله مع سلفه كوفي أنان. وبرأيه فإن هذا أمر يمكن البناء عليه. لكن الإبراهيمي يشكو داخل كواليس فريق المراقبن التابعين له، من وجود اتجاه لدى الجيش الحرّ والدول التي تموّله، لزجّ مهمته بتداعيات الأحداث السورية على لبنان. ويذكر أحد مساعديه، في هذا الاطار، أنّه في الآونة الأخيرة، وردت لمكتبه الكثير من الاتصالات من «الجيش الحر» التي تلحّ عليه في ارسال لجنة تقصي حقائق إلى منطقة القصير السورية، القريبة من الحدود اللبنانية وذلك لتوثيق قيام عناصر من حزب الله بالقتال إلى جانب النظام السوري، لكن الابراهيمي أجابهم بأن توثيق هذا الأمر لا يدخل ضمن مهام بعثته.