عرفت ذلك الشاب منذ كنا في الصف العاشر وما زلنا أصدقاء حتى اليوم، لكنني اكتشفت منذ فترة ليست ببعيدة أنه نموذج استثنائي في العلاقة اللبنانية ــ الفلسطينية. هو من القرى السبع (أي من الطائفة الشيعية)، حملت عائلته بطاقة اللاجئين الفلسطينيين لسنوات عديدة حتى ولادة أخيه الصغير الذي لا يتجاوز عمره اليوم العشر سنوات، حينها تقدمت العائلة بطلب الجنسية اللبنانية، ليحصل هو وأخوه الأوسط وأمه على الجنسية التي استثنت أباه وأخاه الصغير، لتنقسم العائلة إلى «مواطنين لبنانيين» و«لاجئين فلسطينيين»!.
لا يخبر صديقي أحداً أنه فلسطيني عادةً، أو بالأحرى، هو لا يعرف أصلاً إن كان فلسطينياً فعلاً لأسبابٍ تتعلق بالجغرافيا! لكن، وبعد عشرة العمر، ومن مبدأ أن لا أسرار بيننا جاءني بالخبر الصاعقة.
دار الحوار التالي بيننا:
هو: «خيي الصغير كتير مريض وما في مستشفى عم تستقبله..»،
أنا: «عنده ضمان اجتماعي (للبنانيين)؟ مين المستشفى يللي رفضت تستقبله؟ حتى طوارئ ما استقبلوه عم تقول؟»،
هو: «خيي فلسطيني.. ما عنده ضمان أصلاً!».
وقتها عرفت أن صديقي مقسوم مثلي إلى شطرين، ولكن على نحوٍ سيئ! وأخذ يخبرني عن الفارق الرهيب في المعاملة التي يتلقاها أخوه الصغير لكونه فلسطينياً، عن المعاملة التي تلقاها هو ــ أي صديقي ــ لكونه لبنانيا. هو، درس في مدرسة رسمية لبنانية، أخوه يدرس حالياً في مدارس الأونروا. هو لديه ضمان إجتماعي لبناني ويستطيع دخول أي مستشفى، أخوه يحمل بطاقة الأونروا التي لا تغطي نصف كلفة دواء قد يحتاج إليه. هو، دخل الجامعة اللبنانية بواسطة أحد الأحزاب اللبنانية المعروفة بسيطرتها على الجامعة وإدارتها، وأخوه قد يحتاج إلى (دوبل تبويس أيادي) اذا فكّر بالالتحاق بالجامعة الرسمية أو قد يحتاج إلى مبالغ طائلة للالتحاق بجامعة خاصة. سؤالٌ لم أستطع حتى الآن إيجاد جواب عنه، هل تعترف سفارة فلسطين بلاجئي القرى السبع مِمَن يحملون بطاقة اللاجئين الفلسطينيين؟ ورغم أنني إختبرت أحد المواقف شخصياً مع السفارة الفلسطينية التي لم ترفض طلب تغطية العلاج لأحد أقرباء صديقي نفسه، بل أخذت على عاتقها تحمل جزء كبير من التكاليف بعد أن رفض ذلك الحزب اللبناني المذكور سابقاً التكفّل ولو بجزء بسيطاً، إنما يبقى السؤال: من يهتم بشؤون هؤلاء على وجه الخصوص؟
صديقي يوم دخلنا الجامعة لم يحتج حتى إلى الاطلاع على ورقة امتحان الدخول، قَبل بالاختصاص الذي اختاره له الحزب الذي لطالما انتسب إليه هو وعائلته «لشدّ ظهورهم» به عند الحاجة. اليوم أسأل صديقي عن حاله، يخبرني باستمرار «ليتني أعود فلسطينياً»، هكذا ومن دون سببٍ بعينه.