تُفاجئنا وزارة السياحة والآثار المقالة، بإصدار دليل خاص بالمواقع الأثرية الموجودة في قطاع غزة. يحمل هذا الدليل عنوان «غزّة بوابة الشام» نظراً لكون غزّة أولى بلاد الشام من جهة مصر، حسب تصنيف كتاب «تخصيص البلدان» لعالم الجغرافيا المعروف ياقوت المحمودي، مما يجعلها مدخل غزاة لتلك البلاد اقصد بلاد الشام. من هنا أخذ دليل الآثار تلك التسمية التي أثبتت دلالاتها منذ أوّل الزمان. الدليل هو الأوّل «لمدينة سياحية من نوع آخر»، مدينة حتى هذا الدليل يبدو فيها من الحاجات المترفة، مع انه من ضرورات اي مدينة او بلد ان يكون لديه على الاقل تصنيف لآثاره ونبذة عنها. يشرح الدليل بالتفصيل المواقع الأثرية في القطاع، بين مساجد وكنائس وقصور ومقامات وبيوت عتيقة وتراثية يصل عددها إلى 39 موقعاً حسب د.محمد خلّة، المتحدث بإسم وزراة السياحة في حكومة «حماس» المقالة.
من هذه المواقع الأثرية مثلا، «الجامع العمري» و«قلعة برقوق» (الارجح انها مملوكية) وبقايا قلعة نابليون، و«قصر الباشا» إلى جانب عدد كبير من أرضيات مزينة بالفسيفساء من ايام البيزنطيين الذين اشتهروا بهذا النوع من الزخرفة، الذي تزدان به الكنائس الغزاوية القديمة، والتي مازالت يُكتشف بعضها في القطاع حتى الآن. ضرورة وجود هذا الدليل حسب خلّة، تأتي من باب تقوية إلمام المواطنين الغزيين بالأهمية التاريخية لتلك المواقع قبل الاهتمام بمعلومات للسائح. وهو يحتوي مجموعة كبيرة من الصور التفصيلية للمواقع الأثرية إلى جانب خريطة لقطاع غزة، حددت فوقها المواقع بدقة لتسهيل معرفة أماكنها والاطلاع عليها مباشرة. العمل على الدليل استغرق أكثر من عامين، وقد أعدّته مجموعة من المختصين بالآثار، اهتموا بجمع ومراجعة وتدقيق كافة المعلومات المتعلقة بتلك المواقع. من هنا يرى د.خلّة أهمية هذا الدليل كمرجع تاريخي قد يلجأ إليه الباحثون والطلاب والمهتمون بقطاع الآثار أولا. لكنّ إخراج الدليل، لجهة ضخامة حجم الصور المصفوفة داخله، إلى جانب الخطوط الكبيرة والنصوص المرفقة بها، يوحي للمتصفّح أنّ القطاع يحوي عدداً هائلاً من المواقع الاثرية، وأنّ المدينة هي بذاك الهدوء الذي يسمح بجولات سياحية موفقة، يُرافقها حتماً صوت تحليق مروحيات الجيش الإسرائيلي ممزوجاً بنُواح الجنائز. وبالطبع هذا ليس عيباً بحق تاريخ مدينة لامست أرضها مختلف أوجاع الحضارات العالمية، وتعوّدت منذ ستة أعوام على استقبال وفود تضامنية تؤكد دعمها للقطاع المحاصر والمنكوب، مما يجعل سياحة هذه المدينة تضامنية أكثر منها رغبة في زيارة آثارها القديمة. لكن، فلنقل ان دليل «بوابة الشام» يضيف أمنية جديدة إلى أمنيات الغزيين البعيدة، وهي أن تكون مدينتهم كباقي المدن الأخرى، يفد اليها زوارها لسياحة طبيعية، وليس لتفقد الجياع والمصابين والمرضى ورصد الانتهاكات بحقوق الإنسان كما تعوّد القطاع المحاصر.
دليل يحاول ان يعوّض عن الحصار الواقعي والمستمر بتخيل حياة مفترضة انها طبيعية. وهذا التخيل، كما الدليل، لا يكفي لتدفق السياح على القطاع العزيز. ربما هو محاولة جيّدة للتذكير بما لدى مدينة الغزاة من جماليات مدفونة، تحتاج إلى الكثير من الجهد البحثي والإعلامي للكشف عن خباياها وكنوزها، لعلّ يوما ما تُعرف غزّة بالمدينة الأجمل آثاراً أو منازل أو خضرة أو هدوءاً، فلنحلم قليلاً..