تتعاظم المؤشرات التي تؤكد أن ملف الغاز يمثّل الجزء الأهم من خلفيات الصراع في سوريا وعليها. «الأخبار» حصلت من مصادر موثوقة في شركة نفط عملاقة غربية على تفاصيل مشروع قطري مدعوم من الولايات المتحدة لإنشاء أنبوب جديد لجر غاز قطر إلى حمص ومنه الى أوروبا.
وتحتل مدينة حمص وريفها موقع «العقدة» أو «القلب الجغرافي». فهذا المشروع يمنح أيضاً كلاً من تركيا وإسرائيل مزايا استراتيجية في معادلة تجارة الغاز العالمية أو احتياجاتهما إليه. ويرمي المشروع إلى «مدّ أنبوب لجر الغاز القطري يسلك الخط البري الآتي: ينطلق من قطر ويمر عبر الأراضي السعودية ومن ثم الأراضي الأردنية (متجنّباً المرور في الأراضي العراقية)، ويصل إلى الأراضي السورية، وتحديداً إلى حمص». ومن حمص «يتفرع عن الأنبوب ثلاثة أنابيب، أحدها باتجاه اللاذقية على الساحل السوري، والثاني باتجاه طرابلس في شمال لبنان، والثالث صعوداً باتجاه تركيا».
الهدف الأساسي لهذا المشروع هو إيصال الغاز القطري والإسرائيلي إلى البر الأوروبي لتوزيعه على كل الدول الأوروبية، تحقيقاً للآتي: «أولاً _ منافسة احتكار روسيا تزويد أوروبا بالغاز. ثانياً، تحرير تركيا من الاستمرار في اعتمادها على استيراد الغاز من إيران من حقل كيران. وثالثاً منح إسرائيل فرصة لتصدير غازها الى أوروبا براً وبكلفة رخيصة».
موقع حمص
مجمل الأهداف الآنفة لا يمكن إدراكها من دون وصول الأنبوب المزمع إنشاؤه إلى منطقة حمص. وأكثر من ذلك، من دون اعتماد المحافظة كنقطة جغرافية تؤدي دور «العقدة» بالنسبة إلى هذا المشروع. فالغاز القطري لا يملك بديلاً من حمص للوصول إلى أوروبا، إلا تسيير شاحنات نقل بحرية عبر طريق بحري طويل، وغير آمن في بعض نقاطه، وفائق الكلفة.
وتقول معلومات شركة النفط الغربية عينها، إن قطر تعتزم شراء ألف ناقلة شحن بحرية، بهدف تطوير أسطول نقل غازها، بما يتلاءم مع طموحات انخراطها في مشروع أميركي كبير لإعادة رسم معادلة تجارة الغاز في العالم، وذلك انطلاقاً من تطورين مهمين أساسيين: الأول يرتبط باكتشافات الغاز الإسرائيلي في المتوسط، فيما التطور الثاني يتعلق بالاستثمار في الأحداث السورية، عبر خلق وضع سياسي فيها يسمح باعتماد حمص كمركز العقدة في تصدير الغاز القطري والإسرائيلي إلى أوروبا.
وبحسب هذه المعلومات، فإن خارطة الدعم الأميركي والقطري والتركي لمسلحي المعارضة في شمال سوريا ومنطقة حمص وأيضاً ريف دمشق، تتم على أساس وضع المناطق السورية التي سيمر بها أنبوب الغاز القطري، باتجاه كل من تركيا وطرابلس، تحت سيطرة قوى من المعارضة موثوقة من الأطراف الثلاثة.
وبمقارنة مسارح الاشتباك الراهنة في سوريا بخارطة مرور أنبوب النفط القطري، تتضح الصلة بين النشاط العسكري للمعارضة وهدف سيطرتها على مناطق مرور الأنبوب. وبحسب ما هو مرسوم له، فإن الأنبوب سيمر داخل سوريا في خطين، الأول ريف دمشق بالقرب من طريق ريف دمشق _ تدمر، (تسمى الصحراء السورية)، ويصل إلى حوارين شرقي النبك والقصير (بحوالى 30 كلم)، ومن حمص عبر تلبيسة والرستن إلى طرابلس واللاذقية. وجميع هذه المناطق هي نقاط الاشتباك التي تسعى المعارضة للسيطرة عليها.
أما الخط الثاني فيتمركز في شمال سوريا، وتحديداً من حمص فمعرة النعمان ثم في إدلب وصولاً إلى تركيا.
من وجهة نظر المصادر عينها، فإن الثنائي روبرت فورد _ فريدرك هوف، (الأخير مكلف بملف الغاز في المشرق)، العضوين في خلية الأزمة السورية في الخارجية الأميركية، يتوزعان الأدوار، بحيث ينظم الأول إيقاعات دعم المعارضة السورية في الداخل على نحو يستجيب لمتطلبات جعل خارطة مرور الأنبوب القطري الذي هندسه هوف قابلة للتجسد على الأرض.
وتضيف هذه المصادر أن خطة فورد الحالية هي إنشاء حكومة مصغرة في الخارج، لديها امتداد داخل المجموعات والتنسيقيات المسلحة في شمال سوريا وريف دمشق ومنطقة حمص، بهدف الوصول إلى تقسيم واقعي في سوريا، تتكون خارطته من مناطق مرور أنبوب الغاز باتجاه تركيا وطرابلس، ومناطق أخرى للنظام.
مصالح تركيا
يمنح المشروع تركيا ميزات استراتيجية، لكونه يحوّلها أولاً الى ممر حيوي تعتمد عليه أوروبا لتنويع مصادر تزوّدها بالغاز من قطر وإسرائيل، ولا تعود تعتمد فقط على الغاز الروسي، الأمر الذي تشجعه أميركا. ثانياً، يدعم المشروع مطلب أنقرة الاستراتيجي بدخول النادي الأوروبي. ويخفف، ثالثاً، من اعتمادها شبه الكلي على الغاز الإيراني، ما يحسّن من موقعها إقليمها. رابعاً، يقلل المشروع فاتورة التدفئة الباهظة على تركيا، إذ إن تل أبيب والدوحة ستدفعان ثمن مرور غازهما في أراضي تركيا إلى أوروبا.
كذلك يلحظ مشروع أنبوب قطر _ حمص مصالح إسرائيل المرشحة لأن تصبح، بعد خمس سنوات، إمارة نفطية كبرى، نتيجة لبدء استثماراتها في حقلي ليفياتان وتمارا المشتركين مع لبنان. حقل ليفياتان، بحسب دراسات فرنسية، يحتوي على 122 تريليون متر مكعب وحقل تمارا 8,4 تريليونات متر مكعب، ما يزيد عن كميات الغاز الموجودة في حقل «نورث بول _ ساوث بارس» القطري الإيراني المشترك الذي يعتبر اليوم أكبر حقل غاز في العالم. وتحتاج طفرة إسرائيل من الغاز، كما قطر، إلى اعتماد طريق حمص إلى أوروبا، لأن الطرق البديلة مكلفة للغاية، ولا سيما في ظل عدم ملاءمة قناة السويس لشحن ناقلات النفط والغاز عبرها.
وخلال زيارة رئيس الوزراء اللبناني نجيب ميقاتي لقطر، كان لافتاً التحول الإيجابي في موقف الدوحة تجاهه وتبديل مقاطعتها الاقتصادية والسياسية للبنان، بانفتاح كامل تمثل في تعهدها بالتوقف عن التهديد بترحيل العمالة اللبنانية من أراضيها، وبإنشاء مشاريع تنموية لدعم الاستقرار الاقتصادي في لبنان وتعزيزه. وبدا لافتاً عزمها على تقديم مساعدات مالية لميناء طرابلس الذي تورده خطة الأنبوب القطري كمركز احتياطي بالإضافة إلى اللاذقية، لشحن غازها من حمص إليه.
الجدير ذكره أن مصفاة طرابلس لا تعمل منذ سنوات، بينما لا تزال توجد في الميناء خزانات صالحة لتخزين النفط وليس الغاز. ويمكن أن تؤدي عملية تأهيله بمنشآت لتسييل الغاز وتخزينه إلى دعم خطة جعله أحد خيارات الشحن لأنبوب الغاز القطري إلى أوروبا.
موسكو
في جانب آخر على صلة بملف الغاز في المشرق وارتباطه بالأزمة السورية، كشفت مصادر الشركة الغربية النفطية عينها عن معلومات تفيد بأن روسيا أبلغت لبنان أنها لن توافق على مشروع خطط استثمار الغاز في المتوسط إلا بعد حصولها على ضمانات غربية بعدم تغيير النظام في سوريا. وتقول هذه المعلومات إن نشاط الشركات الروسية في مجال التنقيب عن الغاز المتوسطي لا يتنافى مع مطلبها الآنف، إذ إن وجود شركاتها هو لجمع المعلومات، وعدم الغياب عن مسار ولادة طفرة الغاز المتوسطي.
وكشفت هذه المصادر عن أنه في مقابل مشروع خط أنبوب قطر _ حمص، يوجد مشروع إيراني _ سوري قوامه مدّ أنبوب يأتي من إيران ويمر عبر العراق إلى حمص، ويتفرع منها إلى كل من اللاذقية وطرابلس.
6 تعليق
التعليقات
-
لم أفهم أيها الكاتب الحصيفلم أفهم أيها الكاتب الحصيف كيف تستفيد أميركا من هذا المشروع، ولماذا ستدعمه! فهمنا كيف تستفيد كل الأطراف، وأيضاً صرنا من وجهة نظرك نعلم استماتة روسيا وإيران في الدفاع عن نظام بشار، لكن ماذا عن واشنطن؟ هل تتفضل بالإجابة!
-
السلفية البيئية والسلفية الجهادية 2ولكن مشكلة الغاز القطري حاليا(بالنسبة لاوروبا)هي في كلفته المرتفعة نتيجة تسييله ونقله بالبحر عبر مضيق هرمز والذي قد تتحكم به ايران يوما ما إن اصبحت قوة نووية ! لذا من وجهة نظر اوروبية من الافضل نقل الغاز بالكلفة الارخص اقتصاديا اي عبر انابيب ارضية وهي وسيلة نقل تعد ايضا صديقة للبيئة بسبب غياب "البصمة الكربونية " عنها!وباقي القصة في العقدة السورية يشرحه المقال اعلاه , ولكن مايدعو للسخرية حقا ان السلفية البيئية الاوروبية توظّف السلفية الدينية الوهابية لتحقيق اغراضها ! والانكى ان "سلفيي" اوروبا المسكونين بجن الغازات الدفيئة والاحتباس الحراري يرفعون في قرارة انفسهم شعارا يقول : هاتوا ما لديكم من غاز طبيعي وخذوا بدلا عنه مالدينا من ستوكات مفاعلات انتاج الكهرباء النووية وستوكات مشاريع وتكنولوجيا الطاقات المتجددة !....ففي الاخبار ان مصر وتونس والاردن وليبيا ودول الخليج مقبلة وبغزارة على تمويل اقامة ستوكات هذه المشاريع وتحت رعاية "خبرات" وعضلات السواعد الاوروبية !
-
السلفية البيئية والسلفية الجهاديةالقصة من بداياتها: في العام 2000 شرعت الدول الاوروبية بتقديم الدعم المالي المباشر لشركاتها ومواطنيها لتشجيعهم على انتاج الكهرباء -ولو بكلف باهظة وغير مجدية اقتصاديا- من مصادر الطاقات المتجددة الصديقة للبيئة .كان الغرض من تقديم الدعم المالي نشر صناعات الطاقات المتجددة الاوروبية الوليدة و تشجيع الكثيرين على الدخول فيها,وبالتالي انتشار مراكز الدراسات والابحاث الاوروبية في هذا المجال, ومما سيؤدي بدوره ومع مرور الزمن الى حصول اختراقات تكنولوجية في تلك الصناعات تعمل على خفض كلف انتاج الكهرباء من مصادر الطاقة المتجددة وتجعلها مجدية اقتصاديا. كان الحديث انذاك انه بغضون 10 سنوات (اي بحلول 2010)سيحصل الاختراق التكنولوجي المأمول نتيجة للدعم المالي لصناعات وابحاث الطاقة المتجددة الاوروبية , ولكن هذا لم يحصل , وبحلول العام 2010 صار واضحا للنخب "السلفية البيئية" الحاكمة في اوروبا إستحالة حصول تلك الاختراقات التكنولوجية الموعودة على الاقل في المديين القريب والمتوسط , ولذلك تغيرت سياسات الطاقة الاوروبية ,وبدأت دول الاتحاد الاوروبي تباعا بالإلغاء التدريجي لما كانت تقدمه من دعم مالي لمنتجي الكهرباء من الطاقة المتجددة (مايعرف بنظام FIT ), وفاقم الامرالتوجه الاوروبي للتخلي عن الطاقة النووية (المانيا مثلا) والتي تعد مصدرا منتجا للكهرباء ولكنه لايسبّب الاحتباس الحراري . لذا,كان لابد من اعتماد اوروبا على الغاز الطبيعي الصديق للبيئة للخمسين سنة قادمة على الاقل وعلى الغاز القطري تحديدا.
-
موضوع يلقي الضوء تماما على سبب الأزمة !!!عند بدء الأزمة تحدث الصحف عن صراع قطري روسي يدور حول أنبوب الغاز الذي يفترض أن يمر عبر حمص ...وطبعا فسورية ستمنح الأفضلية لحليفتها موسكو ...من هنا إنطلقت شرارة الخلاف بين قطر وسورية وتركية المساندة لقطر ...وتحول الخلاف إلى ( ثورة ) حرية دمرت سورية ودائما مايدفع الصغار ثمن خلاف الكبار ... لكن مشيخة قطر كانت كبيرة بآبار غازها وأرصدتها لاأكثر !!!
-
حكي فاضي و شوية غازات بالدماغحكي فاضي و شوية غازات بالدماغ