هل يلتحق الأردن ببلدان الربيع العربي؟ ربما هو أوشك على ذلك، بالسيناريو نفسه: احتجاجات شعبية عفوية ينشّطها شبان يساريون، بينما يستعد التنظيم المدرّب والمموّل جيداً، أي تنظيم الإخوان المسلمين لحصد النتائج. انتفاضة أردنية مرشحة لتصبح ثورة، لكن قد تكون نتيجتها تغيراً في السياسة الخارجية الأردنية، سواء لجهة التدخل في سوريا أو التعاطي مع مشروع الكونفدرالية مع الضفة الغربية. أما نهج الخصخصة وصندوق النقد الدولي وسياسات الإفقار فهي مرشحة للاستمرار حتى في ظل ثورة جديدة غدت ممكنة في بلد مرشح لها، إن لم يكن اليوم فغداً. وقد كان القيادي الإخواني، زكي بني أرشيد، صريحاً حين أعلن أن السلطة المنتخبة ديموقراطياً هي التي تستطيع تحرير الأسعار من دون احتجاجات شعبية، وقد ضرب مثالَي مصر والمغرب. التظاهرات الغاضبة استمرت، أمس، ويبدو أنها تنذر بانتفاضة واسعة. الغضب الشعبي المتراكم انفجر في إطلاق الهتاف الذي ظل غائباً عن الحراك الأردني طوال العشرين شهراً الماضية: «الشعب يريد إسقاط النظام» بالتنويعات المحلية العديدة التي تستهدف الملك عبد الله الثاني وتحمّله المسؤولية عن تردّي وضع البلاد.
في الثامنة والنصف مساءً بتوقيت عمان، كان الموقف أول من أمس سجالاً على دوّار جمال عبد الناصر (دوّار الداخلية) بين محتجين يحاولون اختراق الطوق الأمني للبدء باعتصام مفتوح وبين قوات الدرك التي تنفّذ قراراً بمنع الاعتصام في المكان ومنع الإعلاميين من الوصول إليه. في المقابل، بدا أن القوى الأمنية قررت الانسحاب أو هي تخسر معاركها مع المتظاهرين في المعاقل العشائرية في ريف عمان والمحافظات، حيث اتسمت الاحتجاجات المستمرة منذ ليل الثلاثاء الماضي بالعنف الجماهيري، بما في ذلك حرق إطارات وسيارات ومؤسسات وبيوت محافظين واستخدام الأسلحة النارية وقنابل المولوتوف وقطع الطرقات وإقامة الحواجز المسلحة.
ومن الواضح أن القوى الأمنية لم تكن مستعدة لمواجهة مشهد الفلتان الأمني الواسع النطاق من الاحتجاجات الغاضبة والعنف الجماهيري، والممتد من مدينة معان في أقصى الجنوب إلى الشوبك والطفيلة والكرك وذيبان ومأدبا، وضواحي عمان وعمان والسلط في الوسط، إلى مدينة إربد وريفها في الشمال. ففي غضون دقائق من إعلان رئيس الوزراء عبد الله النسور في التلفزيون الرسمي قرار زيادة أسعار المشتقات النفطية، نزل الآلاف من المواطنين الغاضبين إلى مختلف شوارع المملكة. وفي فجر الأربعاء، بدأت سياسة «الأمن الناعم»، المتبعة منذ بدء التحركات الشعبية، مطلع عام 2011، تتشقق، وشرع رجال الدرك في استخدام وسائل عنيفة، ابتدأت بفضّ اعتصام دوار جمال عبد الناصر بالقوة، وتواصلت، طوال اليوم، بما في ذلك استخدام قنابل الغازات والأسلحة النارية. ولم تحدث حالات وفاة، بينما أعلن الأمن العام إصابة عشرة دركيين بجراح متوسطة، ولم يُعلن عن جرحى بين المتظاهرين، سوى 3 في معان، بينما أعلنت لجنة حقوقية شعبية اعتقال 34 ناشطاً منذ ليل الثلاثاء.
يركّز القرار الأمني الآن على منع قيام «ميدان تحرير» آخر في أي ميدان عام في عمان، وخصوصاً في دوار جمال عبد الناصر، الذي يربط عمان الغربية بالشرقية، ويشكل عقدة مواصلات في العاصمة، حيث يتعقد المشهد مع وجود قوي للإخوان المسلمين وكاميرات «الجزيرة مباشر» والفضائيات والإعلام والسفارات إلخ. لكن الحسابات، هنا، شكلية؛ فمتابعة الاحتجاجات التي تتخذ سيماء الانتفاضة في المحافظات، تشير أكثر إلى خطورة الموقف وإمكان خروجه عن السيطرة الأمنية. ففي حالة ذات دلالة على احتمالات انتشار الفوضى، كان مسلحون ملثمون لا يزالون يقطعون الطريق الرئيسية في ناعور في ريف عمان، ويفتشون السيارات، وسط فوضى شاملة في المنطقة. وهي فوضى تنتشر من بلدة إلى أخرى في جميع المحافظات، وتنذر بمخاطر انفلات واسع، يبدو أنه تسرّب إلى أحد أحياء العاصمة، حيث شهد جبل الحسين شغباً وعنفاً غير مسبوقين.
في موازاة ذلك، نجح إضراب المعلمين جزئياً، بينما نجح إضراب شامل في معان، وطلب محتجون في الشوبك، تحت التهديد، من الموظفين الحكوميين مغادرة دوائرهم. كذلك حاول محتجّون في الطفيلة الاستيلاء على مبنى المحافظة، وقطع محتجون جنوبيون في الحسا ومعان الطرق الدولية، وشهد دوار الشهيد وصفي التل في إربد اشتباكات بين المعتصمين والدرك، وجرت عدة اعتصامات فرعية في العاصمة، منها اعتصام سائقي سيارات السرفيس.
كل ذلك يجري فيما خزينة الدولة فارغة تماماً، حتى إنها أضحت عاجزة عن تسديد ثمن النفط والغاز أو دفع الرواتب، في حين أن الحصول على الدفعة الثانية من قرض صندوق النقد الدولي البالغ حوالى ملياري دولار، مقسمة على أربع دفعات، مشروط بإجراءات تحرير أسعار الطاقة.
وتحمّل المعارضة الوطنية المسؤولية عن هذا الوضع الكارثي لسنوات من تطبيق نهج الخصخصة الشامل وتفكيك القطاع العام والنهب والهدر والفساد. وقد تفاقم الموقف المالي السيّئ للمملكة، أيضاً، جرّاء قطع المساعدات المالية السعودية في عام 2012 لمعاقبة عمان على موقفها المحايد من الأزمة السورية ورفضها التعاطي مع مشروع الكونفدرالية مع أجزاء من الضفة الغربية. وهما موقفان يتصادمان مع الحلفاء التقليديين للبلاد (الولايات المتحدة والخليج) ويتطلب الصمود عليهما إحداث تغييرات عميقة في السياسات الداخلية، وخصوصاً في المجال الاقتصادي الاجتماعي، يسمح بقيام تفاهم وطني لمجابهة الأخطار الإقليمية. لكن من الواضح أن النظام لا يريد تقديم تنازلات ذات معنى في هذا المجال. وخلال الشهر الماضي، طرحت جهات سياسية ونقابية بدائل عقلانية عديدة لمعالجة أزمة المالية العامة، لكن كان واضحاً أن أي اقتراح يتعارض مع مصالح الرأسماليين وحرية السوق، يظل مرفوضاً من قبل الحكم الذي انتهى، مجدداً، إلى البديل المحروق لصندوق النقد الدولي، الحصن الحصين لليبرالية الجديدة ومصالح الفئات الكمبرادورية والمتنفذة.



النقابات تضرب غداً

أعلنت النقابات المهنية الرئيسية أمس مجموعة من التحركات بهدف الضغط على الحكومة للعودة عن قرار رفع أسعار المشتقات النفطية.
وأصدرت نقابات المعلمين والمهندسين والمهندسين الزراعيين أمس بياناً مشتركاً دعت فيه إلى إضراب مشترك غداً، كما دعت النقابات الثلاث إلى التجمع في ساحات مجمع النقابات المهنية من الساعة العاشرة صباحاً حتى الثانية بعد الظهر. بدوره، قال رئيس مجلس النقباء، نقيب المهندسين الزراعيين محمود أبو غنيمة، في مؤتمر صحافي، إن المجلس قرر تنظيم مسيرات في المحافظات تنطلق يوم الاثنين المقبل من أمام مقار مجمع النقابات الى مراكز المحافظات، إضافة الى مسيرة مركزية تنطلق الساعة الواحدة من أمام مجمع النقابات المهنية في عمان إلى رئاسة الوزراء. بدورها، عقدت القوى المنخرطة في الحراك إلى جانب قوى نقابية اجتماعاً أمس، اتفقت فيه على «المضي بطريق الحراك الشعبي التصاعدي»، مشيرةً إلى أنها وضعت الخيارات الممكنة للتعامل مع كل السناريوات القادمة المتوقعة، وألفت لجنة أزمة لإدارة الحدث. واتهمت النظام بأنه «ضرب عرض الحائط بكل المطالب الشعبية طيلة أكثر من عشرين شهراً، الأمر الذي أثار انتفاضة شعبية عارمة».