لم يكن الرئيس المصري محمد مرسي، الذي يواجه مشاكل متعددة في الداخل، يتوقع أن تقوم إسرائيل وحركة حماس بفرض أولّ تحدّ حقيقي له ولحكم جماعة الإخوان المسلمين، بوصفه الرئيس الإسلامي الأول لمصر. فالمشكلات الداخلية على ضخامتها تبقى بأيدي أطراف مصرية، وبالتالي معالمها محددة وموقف الجماعة منها مشابه لموقف كثير من القوى السياسية الأخرى، فضلاً عن أنّه لا مفاجآت فيها، لكن الوضع في غزة في أيدي أطراف أخرى، بعضها أقوى من «الجماعة». وما يحدث في غزة يجعل الرئيس المصري وجماعة الإخوان مضطرين إلى الانصراف للشأن الخارجي، الذي ظنوا أن ملفاته مؤجلة.
ويعدّ الوضع في غزة تحدياً لمرسي وللجماعة لعدة اعتبارات، أوّلها هو مرجعية كل منهما، الإسلامية، التي جعلت الأضواء تسلّط عليهم بشدة انتظاراً لردّ فعلهم. الجميع حفظ الهتافات المؤيدة لمقاومة «حماس» التي هزّت الميادين، وطالبت بالذهاب إلى القدس «بالملايين»، ولطالما طالب نوابها في البرلمانات السابقة بتعديل اتفاقية كامب ديفيد وبفتح معبر رفح، حتى تستطيع المقاومة في غزة الصمود. وقد بات الظرف مؤاتياً لتنفيذ ما تضمنته هذه الهتافات، إلا أنّ موقف الإخوان ورئيسهم جاء مغايراً في أهم مطلبين، وهما التوجّه إلى القدس والجهاد في مواجهة إسرائيل، فضلاً عن التعديل الفوري لاتفاقية كامب ديفيد.
وهي المطالب التي بات على مرسي والإخوان أن يقدموا خطوات بديلة عنها، توضح أن الجماعة كانت جادة في طروحاتها، وخصوصاً أنّ حزمة الخطوات التي قام بها مرسي لم تتمّ عبر ضغط إعلامي، لكن النظام السابق قام ببعضها مع اختلاف درجة التنفيذ. فسحب السفير قام به الرئيس المخلوع حسني مبارك مرتين قبل ذلك، وفتح المعابر، عبر الضغط الإعلامي، على فترات متقطعة واستدعي السفير للاحتجاج أكثر من مرة. ومن الخطوات البديلة التي أقدم عليها مرسي، ولا سيما بعد الاتصال الهاتفي الذي أجراه الرئيس الأميركي باراك أوباما به، الاتصالات مكثفة مع قادة الدول العربية، لحشد دعم عربي يرفع عن رئيس مصر كاهل الاستحقاقات التي ينتظرها منه الشعب المصري، وبعض الحركات الإسلامية، بوصفه رئيساً إسلامياً لحركة إسلامية، فضلاً عن اللجوء إلى المنظمات الدولية. وهي خطوات بديلة تخفّف عنه عبء مطالبة حركة حماس بالتهدئة، وهي التي قُتل قائدها العسكري، والتي باتت تملك أسلحة ردع استطاعت أن تكبّد إسرائيل من خلالها خسائر فادحة مقارنة بأوقات سابقة.
ويدعم هذه الفكرة، قرار سفر رئيس الوزراء المصري هشام قنديل لإعلان مساندة الفلسطينيين، وهي الزيارة التي قرّرت إسرائيل تعليق قصفها أثناءها، بما فتح باب التحليل كونها زيارة لطلب التهدئة من حماس، وعدم التصعيد. وفي السياق، صرّح المتحدث الرسمي لرئاسة الجمهورية، ياسر علي، أنّ الموقف المصري يسير وفق ثلاثة محاور، الأول دبلوماسي عبر الحشد العربي، والثاني هو اللجوء إلى المنظمات الدولية، والثالث هو التهدئة الأمنية، وهذا ما يدعم فكرة سعي مرسي من خلال هذا الموقف المربك إلى التهدئة.
بدوره، نفى نزيه النجاري، المتحدث باسم وزارة الخارجية المصرية، في حديثه مع «الأخبار» أن تكون بلاده قد طردت السفير الاسرائيلي من العاصمة المصرية القاهرة، قائلاً إن وزارة الخارجية استدعته لابلاغه احتجاج مصر على الهجوم على قطاع غزة، لكنها فوجئت به وقد غادر البلاد من تلقاء نفسه، مضيفاً إنه لا يمكن الحديث عن اي خطوات قد تقدم عليها الادارة المصرية حاليا في حال تصاعد العدوان الاسرائيلي على غزة ، «فلكل حادث حديث... كل ما استطيع قوله إن المسؤولين في مصر يتابعون عن كثب تطور الأوضاع هناك، وإن مصر في مساندتها للفلسطينيين في الصراع مع اسرائيل لا تكتفي فقط بوقف العدوان، بل بمحاولة اقرار حل للقضية أيضاً».
أما شعبياً، فتصريحات الداعية صفوت حجازي، المقرب من الإخوان، بأنه لن يقول إنّه ذاهب إلى القدس كما كان يقول سابقاً، لأنّ الدولة في حاجة إلى بناء، وأن دولة الإسلام الأولى لم تبن في ثلاثة أيام، يعزّز فكرة أنّ أيّ تصعيد في الشأن الخارجي من شأنه أن يزيد من السخط على الأوضاع الداخلية، لانشغال رأس الدولة والسلطة التنفيذية بالشأن الخارجي، ويدفع أميركا إلى الضغط على الجانب المصري في ظل أزمتها الداخلية، بما يربك حسابات الإخوان ومرسي، اللذين يسعيان إلى بثّ الاستقرار في الداخل، وتثبيت أقدامهم على نحو ناجح في أول تجربة حكم لهم.
يضاف إلى ذلك، أنه إذا رفع الاخوان سقفهم فقد ينبئ هذا بجعل الاعتداء على غزة بمثابة حرب قد تمتد فترة طويلة، في وقت تقف فيه المنطقة على صفيح ساخن بسبب التوتر بين تركيا وسوريا، الذي قد يؤدي إلى حرب موسعة بين أطراف دولية كبيرة. وهي حرب قد تصل شظاياها إلى السعودية ومصر وإيران،
كما أنّ مطالبة الولايات المتحدة مصر بالتدخل للتهدئة، واحتمال عدم اقتناع حماس بالهدوء والعودة إلى الهدنة، واحتمال اشتعال الموقف على عدة جبهات، وتزايد المطالب على الرئيس الإسلامي، والانصراف عن رعاية الاقتصاد والشأن الداخلي بما يزيد من سخط الجماهير، عوامل أساسية مثّلت إرباكاً لمرسي وللإخوان بسبب ما يحدث في غزة.