دمشق | لم تتوان العديد من المحطات الفضائية والمواقع الإلكترونية عن العبث بالأزمة السورية والمبالغة والتهويل في ما يجري إضافة إلى اللعب على وتر التحريض مستفيدةً من فرق عمليات إعلامية سرّبت مقاطع فيديو وصوراً لم تسلم بعضها من الفبركة والتزوير.... وفي موازاة ذلك، شكّلت مواقع التواصل الhجتماعي منبراً مفتوحاً أمام القاصي والداني كي يعبّر عما يجول في خاطره، ثم سرعان ما تحوّل رواد المواقع الالكترونية تلك إلى مراسلين حربيين وشهود عيان ينقلون ما يحلو لمخيلتهم من أحداث، في حين غابت الصورة الدقيقة التي يمكنها أن توثق لهول الحدث، خصوصاً أنّ النظام فرض إجراءات مشددة على كل من يحمل كاميرا حتى لو كان في شوارع دمشق.
فيما كان خطر القنص يهدّد كلّ مصوّر يغامر في التقاط صورة حقيقية. ومع ذلك، فقد اشتهرت بعض اللقطات التي تعبّر عن نبض الحدث السوري، خصوصاً تلك التي التقطت لرجل مسن يدعى أبو وليم وهو يجلس بمنتهى الارتياح على شرفة منزله المدمر تماماً في حمص كأنّه لا يعبأ بكل الدمار المحيط به. كذلك الأمر بالنسبة إلى الصورة التي نشرت أخيراً لامرأة ريفية تحضّر الطعام وإلى جانبها طفلتها بينما يحيط بهما دمار شامل في مكان يبدو أنه نجا من القصف في ما يشبه المعجزة. هذه الصور وغيرها أثارت سيلاً من التعليقات، فيما كانت صور الأطفال الذين أردتهم الحرب قتلى تشعل الصفحات الإلكترونية بردات فعل عنيفة. وقد وقع بعض المثقفين والناشطين السوريين في مأزق حرج خصوصاً عندما نشرت صورة لرجل مسن يجلس على شرفة اخترقتها الشظايا من كل جانب قيل إنّها في حمص وسرعان ما تورط هؤلاء الناشطون في نشر الصورة على صفحاتهم الشخصية على فايسبوك، مذيلةً بتعليقات خاصة. لكن بمجرد وضع الصورة على محرك البحث غوغل ثم إجراء البحث، يتبيّن أنّ الصورة منشورة قبل الأحداث في سوريا وأنّها تعود إلى رجل فلسطيني أثناء العدوان الإسرائيلي على غزة عام 2008، ما جعل هؤلاء الناشطين يزيلون الصورة بالسرعة القصوى وانبرى بعضهم للاعتذار. لكنّ اشتعال فتيل الحرب الإسرائيلية على غزة مجدداً منذ أيام أفاض على الشبكة العنكبوتية أرشيفاً هائلاً من الصور التي تعكس الهمجية الصهيونية المزمنة التي تركت بصمتها البالغة على براءة الطفولة الفلسطينية. حتى أنّ تلك الصور صارت بمثابة تعويض عن النقص الحاصل لدى أجهزة الإعلام في «الانتفاضة» السورية. بعض الصور الواردة حديثاً من غزة حلّت على الفايسبوك ممهورة بختم أحد الناشطين السوريين مع تعليق يفيد بأنّ الجريمة وقعت في سوريا! لكنّ هذا الأمر جرى في الاتجاهين، خصوصاً في اليومين الأولين من العدوان على غزة حيث كانت هناك حاجة إلى صورة قوية تعبّر عن الهمجية الاسرائيلية. هكذا، «استعارت» مواقع التواصل الاجتماعي صورة لطفل سوري صغير يرفع شارة النصر وقد أصيب بجرح بالغ في رأسه وادعت أنّها صورة ولد غزي أصيب في العدوان. في موازاة ذلك، نشر بعض المعارضين السوريين مقالات تربط بين العنف الحاصل في غزة على يدي الصهاينة وبين ما يحصل في الشام على يد النظام السوري. ولعلّ أغرب التعليقات التي وردت على لسان المعارضين السوريين، ما غمز به الفنان الشهير علي فرزات عن التوقيت و«محاولة التشويش على الثورة السورية وأنّ كل هذه الحرب هي مجرد محاولة لإبعاد الأنظار عما يحصل في سوريا»!