«ألغوا الانتخابات»، «أرسلوا الرأسماليين إلى معسكرات الاعتقال»، «اقطعوا رؤوسهم»، «اقتلوا الأغنياء». هذه بعض الشعارات التي رفعتها قبل عام الحركة الراديكالية الأميركية «احتلوا وول ستريت». وسط انشغالها بفضح النهب الدائم للعمال من قبل المستثمرين ورجال البنوك، بقيت قضية فلسطين حاضرة بقوة في شعارات الحركة. اليوم، تتصدّر الحرب الإسرائيلية الوحشية على غزة تعليقات ما يقارب 300 ألف مشارك في صفحة «احتلوا وول ستريت» على فايسبوك.
براديكالية مفرطة، يبث المشرفون على الصفحة، وهم كثر، مئات الصور والتعليقات التي تفضح الانتهاكات الإسرائيلية، وتجعل الصفحة وسيلة أساسية لفتح نقاش غير مسبوق حول عدالة القضية الفلسطينية، وانعدام التوازن العسكري بين قدرات الجيش الإسرائيلي وفصائل المقاومة الفلسطينية. الشكل الجديد للاحتجاج السياسي المثقل بالعناصر «الأنارشية»، أثار سخط دولة الاحتلال، فجندت جيشاً من النشطاء الإلكترونيين للرد على الحملة التي تقودها «احتلوا وول ستريت».
لكن الحركة لم تتوقف عن بث الصور من المجازر اليومية التي ترتكب في غزة، إضافة إلى صور تقارن بين ضحايا النازية في الحرب العالمية الثانية والضحايا الفلسطينيين، مع مقارنة بين هتلر ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.
فضح وسائل الإعلام التقليدية وانحيازها التام إلى إسرائيل، مهمة أساسية تطوّع النشطاء لإبرزاها، من بينها خبر بثته هيئة «بي. بي. سي» البريطانية يشير إلى أنّ صواريخ «حماس» أدت إلى «مقتل» ثلاثة إسرائيليين، فيما سببت غارات إسرائيلية في «موت» ١٣ فلسطينياً. وإلى جانب الصورة كتب النشطاء: «تحية إلى «بي. بي. سي» المتعاطفة مع الجزار التي لا تكترث للضحايا، هل تظنون أنّ استبدال عبارة «قتلوا» بعبارة «ماتوا» قد تشفع لكم أمام الإسرائيليين؟».
ويعمد النشطاء الإلكترونيون المؤيدون لإسرائيل إلى زخّ مئات التعليقات تحت كل صورة أو نص جديد يظهر في الصفحة. مقابل صور تشييع طفلين في مسجد في غزة، نشرت صور ومقاطع فيديو عن عمليات تصفية قامت بها قوات الشرطة التابعة لـ«حماس» في القطاع إبان حركة الانقلاب على سلطة أبو مازن. في المقابل، يقوم النشطاء المؤيدون للقضية الفلسطينية بالترويج لمقاطع تصورّ كراهية اليهود المتطرفين للدين المسيحي. لعبة صراع الأديان لا تتوقف عند هذا الحد. «عدة الشغل» جاهزة أيضاً لبثّ المئات من الصور ومقاطع الفيديو عن الحركات الراديكالية الإسلامية في الهند وباكستان والشرق الأوسط مروراً بتنظيم «القاعدة»، وعمليات القتل التي تقوم بها مجموعات متطرفة تتخذ من الدين الإسلامي مطيةً لتبرير أعمالها.
طريقة أخرى لعرقلة عمل الصفحة هي إبلاغ النشطاء المؤيدين لإسرائيل عن بعض الصور التي تظهر أطفالاً قتلى، باعتبارها تخالف اتفاقية شروط استخدام فايسبوك. وبالفعل، لم تتوان إدارة الموقع عن حجب عدد من الصور، ما أثار موجة جديدة من التعليقات المناهضة لحملة الرقابة التي انضم إليها فايسبوك، ليكون في مرتبة واحدة مع الإعلام التقليدي الذي يحجب صور الضحايا الفلسطينيين تحت الذرائع نفسها.
معركة إثبات أنّ المدنيين يستخدمون كدروع بشرية مستعرة بقوة بين النشطاء. مقابل صور طفل فلسطيني معصوب العينين ومقيد إلى جانب قناص إسرائيلي، بثت صوراً لصواريخ المقاومة تنطلق من بين المنازل في غزة. في المقابل، كتب ناشط فلسطيني تحت صورة لغارة إسرائيلية على القطاع: «كيف يمكن تحييد المدنيين الفلسطينين عن غارة تسبّب تدمير مساحة تتجاوز الكيلومتر المربع في منطقة مكتظة بالسكان؟».
صور ضحايا التفجيرات في سوريا والعراق زجت بقوة في لعبة إثبات ما وصفه النشطاء الإسرائيليون بـ«التضليل الإعلامي الذي تمارسه حركة «احتلوا وول ستريت»»، والرد جاء من قبل مشرفي الصفحة بأنّ هذه الصور بثتها مواقع أخرى، وأنّ صورة خاطئة من سوريا لا تلغي حقيقة مئات الصورة المروعة من غزة.
ولعل أكثر مظاهر التعبير الراديكالي عن التزام الصفحة بقضية فلسطين هو قيام محتجي الحركة بإحراق العلم الإسرائيلي بعدما قررت الولايات المتحدة قطع التمويل عن منظمة اليونسكو بسبب منح فلسطين عضوية كاملة في صفوفها. أما الرئيس الأميركي باراك أوباما، فهو نجم الصفحة من دون منازع، وصورته بالقلنسوة اليهودية لا تفارق التعليقات.
هكذا، انقسمت حركة «احتلوا وول ستريت» بين مَن يرغب في جعل الحركة قطب جذب ضد ظلم «الواحد في المئة» من السكان الأكثر ثراءً، وبين هؤلاء الذين تتقدم عندهم مسألة ابتكار «أشكال جديدة» من الحياة الاجتماعية، وشعارها «لسنا حزباً ولا نقابة ولا منظمة ولا حتى حركة»... وهؤلاء لا يتوانون عن القول بصوت مرتفع: «فلسطين حرة من النهر إلى البحر».