باتت التهدئة، التي كان من المرتقب أن يُعلن عنها في التاسعة من مساء أمس، في طي المجهول، بعدما أكّد مسؤولون فلسطينيون واسرائيليون تأجيلها إلى اليوم أو ربما أكثر، بما أن الرد الإسرائيلي لم يصل بعد إلى القاهرة، وقد لا يصل خلال الساعات القليلة المقبلة، في ظل الدعم الذي حملته وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون إلى دولة الاحتلال، وأعلنت بعده أن التهدئة ستتم «خلال الأيام المقبلة». منذ صباح أمس تتالت التصريحات حول التهدئة. المسؤولون المصريون والفلسطينيون يؤكدون التوصل الى اتفاق يسري مفعوله مع منتصف الليل، تساندهم بذلك بعض المصادر الاسرائيلية مجهولة الهوية، قبل أن يخرج مسؤولون اسرائيليون وفلسطينيون آخرون لينسفوا أقوال السابقين. وخرج المسؤول الحمساوي عزت الرشق، ليُعلن أن الجهود المصرية للتوصل الى وقف إطلاق نار مع إسرائيل تعطلت لأن الحكومة الإسرائيلية لم تردّ حتى الآن على الاقتراحات، ما يشير إلى أنه لن يكون هناك تهدئة قبل اليوم الاربعاء على أقرب تقدير.
وذكرت مصادر مصرية مطلعة أن اجتماعاً أمنياً رفيعاً دام أكثر من 8 ساعات شارك فيه مشعل، انتهى مساءً من دون التوصل إلى اتفاق للتهدئة. ورجَّحت مصادر مطلعة أن تكون النقطة الخلافية هي الحصول على ضمانات دولية واضحة بعدم استهداف قيادات حركة «حماس»، وعدم شن غارات إسرائيلية على قطاع غزة تحت أي ذريعة.
وفي موازاة ذلك، ذكرت اذاعة الجيش الاسرائيلي، أن الآمال التي كانت معلقة على امكان تحقيق وقف اطلاق النار هذه الليلة، لم تعد قائمة، بحسب مصادر رفيعة في تل أبيب، وأن الاعلان قد تأجل الى اليوم، من دون أن تذكر الأسباب التي أوجبت ذلك. وقالت إن رئيس الحكومة الاسرائيلية طلب وقتا لدراسة الاقتراح المصري الجديد.
وفي السياق، قال نتنياهو، في بيان بعد استقباله كلينتون، إن إسرائيل مستعدة لتصعيد هجومها في غزة لكنها تفضل حلاً دبلوماسياً طويل الأجل لمشكلة اطلاق الصواريخ من القطاع. وأضاف «إذا كانت هناك إمكانية للتوصل إلى حل طويل الأجل لهذه المشكلة بالسبل الدبلوماسية فنحن نفضل ذلك. لكن إذا لم يمكن هذا فأنا على ثقة من أنكم تدركون أنه سيتعين على إسرائيل اتخاذ الاجراءات الضرورية للدفاع عن شعبها».
بدورها، قالت كلينتون إنها ستعمل مع اسرائيل ومصر للتوصل الى تهدئة في غزة «في الايام المقبلة». وأضافت «الالتزام الاميركي بأمن اسرائيل صلب كالصخر ولا يتزحزح. لهذا السبب اعتقد انه لامر اساسي (التوصل) الى وقف تصعيد الوضع في غزة».
وكان نتنياهو قد قال إن اسرائيل «تمد يداً للسلام وتشهر سيفاً بالأخرى». ونقل بيان صادر عن مكتبه «يدنا ممدودة للسلام تجاه جيراننا الذين يريدون صنع السلام معنا والأخرى تشهر بحزم وقوة سيف داوود ضد أولئك الذين يسعون لاقتلاعنا من هذه الدولة»، في اشارة الى الملك اليهودي داوود.
وفي وقت سابق لهذه التصريحات، جرى الحديث عن اتفاق غير مكتمل العناصر، كان من المفترض أن يؤدي إلى وقف العمليات العسكرية مؤقتاً، على أن يتم التفاوض على تفاصيل الاتفاق لاحقاً. وأكدت القناة الثانية الاسرائيلية أن من المفترض أن «يلي اعلان وقف اطلاق النار، غداً (اليوم) صباحا، بدء للمفاوضات على الصيغة النهائية للاتفاق، مع الاشارة الى أن الطرفين، لا يزالان يعملان على تحسين موقعيهما، وتجميع المزيد من النقاط للتفاوض. وأكدت القناة أن «المساعي الاسرائيلية والفلسطينية تنصب في الوقت الحالي على كيفة إخراج الاتفاق، والصورة التي سيظهر بها الأطراف».
وكان الرئيس المصري أول من أعلن بشكل رسمي التوصل الى تهدئة، وقال خلال جنازة أخيه إن مهزلة العدوان الاسرائيلي ستنتهي اليوم (أمس). وأضاف أن «جهود عقد الهدنة بين الجانبين الفلسطيني والاسرائيلي ستسفر عن نتائج إيجابية خلال الساعات القليلة القادمة». كذلك أكد المسؤول الحمساوي، أيمن طه، التوصل الى اتفاق لوقف إطلاق النار بوساطة مصرية سيبدأ تنفيذه عند منتصف الليل.
وفي السياق، كشف موقع «هآرتس» أن رئيس الحكومة الإسرائيلية رفض اقتراحا لوقف إطلاق النار قدمته فرنسا وقطر خلال لقائه الأحد بوزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس، قائلا إن إسرائيل غير معنية بوساطة فرنسية أو قطرية وتفضل الامتناع عن أي خطوة من شأنها أن تعرقل الوساطة المصرية.
غير أن الدور القطري في عملية التهدئة يجري خلف الكواليس. وبحسب مصادر لـ«الأخبار» فإن الدوحة عرضت على «حماس» تقديم مليار دولار سنوياً لحكومتها وتأهيل مطار غزة الدولي، المعطل منذ العام 2001، مقابل تهدئة لعشر سنوات وقطع العلاقة مع إيران.
وفي السياق، أعلن الأمين العام لـ«الجهاد الاسلامي»، رمضان عبد الله شلح، في مقابلة مع «الجزيرة» أن الفصائل الفلسطينية في قطاع غزة تستخدم اسلحة ايرانية الصنع او تم تمويل شرائها بمال إيراني في هجماتها على اسرائيل، و«كل العالم يعرف ذلك وهذا ليس سرا». تصريحات شلح تأتي بعد المؤتمر الصحافي لرئيس المكتب السياسي لـ«حماس»، خالد مشعل والذي شكر فيه مصر وتونس وقطر وكل العرب ولم يذكر ايران.

زيارة الوفد العربي

في غضون ذلك، أجرى وفد من وزراء الخارجية العرب يرافقهم وزير الخارجية التركي، أحمد داوود أوغلو، زيارة تضامنية الى غزة. وأكد أثناءها داوود أغلو التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار، وقال إنه سيدخل حيز التنفيذ، اعتباراً من الساعة 12 ليلاً. وقال داوود أوغلو «تركيا ستستمر في دعم الشعب الفلسطيني، في غزة والضفة والقدس، حتى انتهاء الاحتلال الإسرائيلي، وإقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس». ووجه حديثه للفلسطينيين في غزة، بقوله «ليشهد الله علينا أننا لن نترككم، آلامكم آلامنا.. وقدركم قدرنا.. ومستقبلكم مستقبلنا».
وضم الوفد الأمين العام لجامعة الدول العربية نبيل العربي، وعددا من وزراء الخارجية العرب بينهم اللبناني عدنان منصور.
وقال العربي ان «المشكلة ليست في التهدئة ولكن يجب التركيز على انهاء الاحتلال»، فيما قال اسماعيل هنية، رئيس الوزراء المقال، الذي رافق الوفد، «لسنا ضد وقف الحرب وحماية ابناء شعبنا وكل الجهود التي تبذل هي مباركة لكننا نريد تهدئة تضمن وقف العدوان وتضمن عدم تكراره».
وفي السياق، أعلن مصدر حكومي ليبي أن وفدا رسميا ليبيا توجه أمس الى غزة للتعبير عن تضامن ليبيا مع الشعب الفلسطيني.
وفي المواقف الدولية، قال وزير الخارجية البريطاني وليام هيغ إن لا حل عسكرياً للأزمة في قطاع غزة أو للنزاع الفلسطيني الاسرائيلي، فيما حذر الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، الذي يجول في المنطقة بدوره، من تصعيد القتال بين إسرائيل وقطاع غزة، وقال في مؤتمر صحافي في القدس المحتلة إن «تدهورا آخر سيكون خطيرا ومأساويا». وأكد الملك الاردني عبد الله الثاني في اتصالين هاتفيين مع كل من رئيس وزراء اسرائيل والرئيس المصري ضرورة الوصول الى تهدئة للوضع في غزة، بحسب بيان صادر عن الديوان الملكي.
وأكد المتحدث باسم وزارة الخارجية الايرانية أن اسرائيل هي المسؤولة الوحيدة عن النزاع الحالي في غزة ويجب محاكمتها على جرائم حرب التي ترتكبها. بدوره، قال رئيس الوزراء القطري، الشيخ حمد بن جاسم آل ثاني، في مقابلة مع «سي أن أن»، إن «حماس تريد الوصول إلى اتفاق شامل لأنها لا تريد العودة إلى ما كان الوضع عليه من حصار لقطاع غزة وقيام إسرائيل بين فترة وأخرى بتنفيذ هجمات تؤدي لقتل مدنيين أو شخصيات قيادية».
(الأخبار)



بنود الاتفاق؟

تداولت وسائل الإعلام توقعات حول فحوى اتفاق التهدئة. ونقلت وكالة «سما» عن مصادر فلسطينية مطلعة أن الاتفاق يتضمن 4 نقاط اساسية هي: وقف فوري لاطلاق النار مع فترة اختبار لمدة 24 ساعة، والسماح باستخدام المزارعين للأرضي المحاذية للجدار الأمني على امتداد حدود قطاع غزة، وفتح معبر رفح ومنع تهريب السلاح برقابة واشراف أميركيين.
وفيما نقل الإعلام الاسرائيلي عن وزير الخارجية الاسرائيلي أفيغدور ليبرمان قوله ان اسرائيل حققت نجاحا تاريخيا بالتوصل لاتفاق أمني لمدة 5 ــ 6 سنوات، ذكر موقع «يديعوت احرونوت» أن الاتفاق لن يتطرق للتفاصيل الدقيقة بل سيتضمن بين أربعة الى ستة بنود متفق عليها مصرياً واسرائيليا وفلسطينيا.
وطلبت المقاومة، وفقاً لـ«يديعوت»، ضمان حرية حركة الفلسطينيين في المنطقة القريبة من الشريط الحدودي، وحرية نقل البضائع من اسرائيل ومصر الى القطاع، ووقف الاغتيالات، وادعت أن «حماس» قد تنازلت عن هذا المطلب، فيما قدمت اسرائيل عدة طلبات معدلة لمصر منها، الهدوء مقابل الهدوء، واقامة نظام مراقبة لمنع عمليات تهريب الاسلحة وتفعيل التعاون الاستخباري مع مصر.
وقالت الإذاعة العبرية إن اتفاق وقف إطلاق النار يتضمن تشكيل جهاز مراقبة مؤلف من مندوبين أمنيين إسرائيليين ومصريين وأميركيين يشرف على تطبيق التفاهمات.