قرّر البطل الإعلامي لـ «انتصار غزة»، غسان بن جدو، أن على ضيفه، رمضان عبد الله شلّح، تقويم «الربيع العربي». شلّح لم يعرب عن تواضع، وقدّم، تواً، فصل الخطاب. قال: «لو جاء عمر بن الخطّاب إلى الرئاسة المصرية لما استطاع أن يفعل أكثر مما يفعل محمد مرسي». أيعني ذلك أن ثاني الخلفاء الراشدين كان سيدير الوساطة مع الإسرائيليين أيضاً؟ ويحظى بثناء وزيري خارجية الثنائية الإمبريالية الصهيونية، كلينتون وليبرمان؟
التشبيه مجحف ثقافياً وفكرياً. أما من الناحية السياسية، فيمكننا أن نلاحظ أن شلّح ـ عدا كونه يُدرج مرسي في مدارج الخلفاء ـ فإنه يتسامح مع نهج الإخوان المسلمين الذين قفزوا إلى الحكم، على ظهر الثورة المصرية، لكي يجددوا ـ باسم واقعية انتهازية من النوع البلدي الدارج ـ ركائز النظام المباركي: ليبرالية اقتصادية تحت سيطرة رجال الأعمال، وسياسات اجتماعية وفق وصفة صندوق النقد الدولي، والاستئثار السلطوي، والتحالف التبعي مع الاستعمار الأميركي والرجعية الخليجية، والسلام مع إسرائيل.
تلك الركائز متعاضدة في ما بينها؛ فسيطرة رجال الأعمال في بلد متخلف، توجّه موارده لخدمة الأغنياء والمتنفذين، وتُفقر غالبية شعبه، وتُخضعه، تالياً، لبرامج «الصندوق» المتوحشة. إنها معادلة لا يمكن التحكم فيها إلا بالسلطوية داخلياً، وبالاندراج في النظام الامبريالي على المستوى الدولي والإقليمي، أي بالاندراج في العلاقة الهيكلية مع الأميركيين، والتحالف مع عملائهم من شيوخ النفط. وهو مسار يقود، حتماً، إلى علاقة تصالحية مع إسرائيل.
لسنا، في مصر، بصدد حكم ثوري متعثر بأعباء واقعه، بل بصدد استبدال حزبي داخل النَظْمة الحاكمة ـ وتحالفاتها الداخلية والخارجية ـ نفسها. وهو ما كشفت غزة، الغطاء عنه بوضوح: لم يُدر الإخوان المسلمون، الوساطة مع إسرائيل فحسب، بل أيضاً قدّموا الضمانات ـ باسم مصر ـ لمنع كل أشكال المقاومة المسلحة المنطلقة من غزة، ضدها.
الشيء الجديد هو أنه بات علينا أن نغرق في هذا السيل العارم من الثرثرة عن التغيرات المزعومة في السياسة المصرية، وفي موازين القوى المستجدة بين القاهرة وتل أبيب، الخ، ثم علينا أن نهتف لمرسي ونتعشّق الاستخبارات المصرية التي تغزّل بن جدّو، بها، واعتبرها شلّح، جزءاً من فريق المقاومة! ويضم هذا الفريق، بالمناسبة، حمد بن جاسم ورجب أردوغان وكل تلك الجوقة التي استوجبت الشكر على تمكين غزة من تحقيق «النصر»!
النصر؟ لسنا ننكر أن انجازاً عسكرياً متواضعاً ـ لكنه جريء ـ قد تحقق في مواجهة العدوان الإسرائيلي (ما كان ممكنا لولا دعم المعسكر «المذموم»، إيران وسوريا وحزب الله)، لكنه اختُتمَ بتفاهم سياسي يلغي المقاومة، ويُدرج غزة في مشروع السلام الواقعي.
يمكن لتفاهم ميداني مع العدوّ أن يكون انتصاراً؛ حدث ذلك ـ مثلاً ـ عام 1996 في ما عُرف بـ «تفاهم نيسان» بين حزب الله وإسرائيل، حين جرى وقف العمليات الحربية بين طرفي القتال، على أساس تنظيم قواعد الاشتباك اللاحقة بينهما، بحيث تتحاشى المدنيين على الجانبين. حققت تل أبيب بذلك كسباً عملياً، لكنه يتطابق مع مبادئ المقاومة التي تأنف من إيذاء المدنيين، وحقق حزب الله نصراً سياسياً: انتزع من أميركا وإسرائيل والنظام العربي واللبناني معاً، حقه في مواصلة المقاومة المسلحة. كان ذلك نصراً حقيقياً ومقدمة واقعية لنصر التحرير عام 2000، ونصر توازن الردع عام 2006.
فأين هو النصر الشبيه في تفاهم غزة؟
أولاً، لا ينطوي هذا التفاهم على تنظيم حق الفصائل الفلسطينية في المقاومة، بل يحرمها ـ بضمانات مصرية وإقليمية وتحت التهديد بالعدوان الصهيوني على الأهداف المدنية الغزية ـ القتال، بكل أشكاله، ضد الاحتلال، إلى أمد غير محدد، ويغلق، بالتالي، أي أفق أمام المقاومة المسلحة، ويقيّدها بالسقف السياسي لسلطة الحكم الذاتي في رام الله.
ثانياً، لا يحافظ التفاهم المذكور على حرية حماس (وكذلك الجهاد الإسلامي.. وهذا معنى إشراكها في المفاوضات والأضواء الخ) في اختيار تحالفاتها السياسية، الإقليمية والدولية، وإنما يلزّها إلى الانخراط، نهائياً، في الحلف القَطري المصري التركي بارتباطاته الدولية المعروفة.
ثالثاً، ليس هذا تفاهماً ميدانياً إذاً، بل هو تفاهم سياسي مديد، نستطيع قراءة ملامحه في تصريحات خالد مشعل حول إيران وسوريا. وعلينا، بالمناسبة، أن نقرأها كجزء من اتفاق التهدئة.
10 تعليق
التعليقات
-
كيف يمكن تحقيق نصر في ظلكيف يمكن تحقيق نصر في ظل القبول الدائم بالهدنة
-
ثمار النصر1. اصدرت وزارة الافتاء في حكومة غزة تحريم خرق الاتفاق واعتبار ذللك فساد في الارض , ربما كون الاتفاق برعاية واشراف عمر بن الخطاب. 2.الاعلان الدستوري بتنصيب محمد مرسي مبارك فرعونا يا سادتي احذروا هذه الانتصارات فلقد اعتدنا اه بعد كل انتصار هناك وجبة دسمة تقدم للوحش الصهيوني على طبق من ذهب. لا تنسوا المطلوب من كل هذا السيناريو الامريكي ( سلاح حزب الله) و خلق معسكر مواجهة مع ايران .والسلام ختام..
-
الحق معككنت أفكر، إلى أن قرأت مقالتك، بماهية النصر، وماذا يعني؟ هل هو معنوي أم هو إنجازات على أرض الواقع؟ أو هو زرع أوهام متواصلة في عقول الناس من أجل تمرير ما يريده البعض لتبرير ما يقومون به. أولا: لا أعتقد أن ما حدث في غزة سيقود إلى المصالحة الوطنية أو أنه سيغير الأشياء بين فتح وحماس مع أنه قرب الفريقين أكثر من بعضهما من حيث أنه جعل حماس أكثر واقعية سياسية (إذا أردنا أن نزركش الأمور) ثانيا: أنا معك في أن ما حدث لا يقارن بما أنجزه حزب الله خلال السنوات الأخيرة، ولكن من الذي يقارن حزب الله بأي من المنظمات الإسلامية الفلسطينية. إن كان هناك ما يقارن بحزب الله بين المنظمات الفلسطينية فهي الجبهة الشعبية المغلوبة الآن على أمرها نظرها لفقرها وانقطاع الدعم المادي عنها لأسباب معروفة. ثالثا: حماس هي إيديولوجيا جزء من حركة الإخوان المسلمين التي تعتمد الرأسمالية والتجارة والخصخصة وغيرها في النظام الاقتصادي. أي إنها تفكر بالضبط كما تفكر الرأسمالية العالمية التي تقودها الولايات المتحدة بكل شرها. الفرق الأساسي أن حماس هي جزء من حركة تحرر وطني، يبدو أنها أصبحت مستعدة لمغادرة هذا الموقع بسبب سيادة رأسمال الأخوان المسلمون في عدد من الدول العربية والانضمام إليهم. رابع: لم يتغير الكثير على شعب فلسطين المغلوب على أمره في غزة فالحصار مستمر، والمواد ممنوعة، وقطر ما زالت تفرض شروطها إلخ وربنا يساعد الشعب الفلسطيني الغلبان. كان في الماضي يشكو من قيادات العرب، أما اليوم فهو أسير قيادات فلسطينية لم تعد على قدر المسؤولية
-
تعودنا وجود نخبة ثقافية تدعيتعودنا وجود نخبة ثقافية تدعي الحرص على المقاومة بالتشكيك بالنصر ... ان النصر على اسرائيل هو نصر حق لا يجوز على اي كان ان يستخف به واية تفاهمات جائت بالفرض على المقاومة المحاصرة وهي بالحال ابدا لا تتشابه بحالة لبنان ا>ا كان هناك عمود فقري داعم لها لم ينقطع حتى في احلك ظروف العدوان ما مكن تفاعم نيسان هو وجود مقاومين سياسين لا معتدلين اخوان ...
-
اخشى ان تكون الحرب التي حصلتاخشى ان تكون الحرب التي حصلت في جنوب لبنان عام 2006 والحرب الاخيرة على غزة قد قد خلقت ما يسمى باللاحرب واللاسلم اى بالحرب الباردة بين اسرائيل واعدائها المقاومين وهذه الحرب الباردة ممكن ان تستمر الف عام لان كل رصاصة تطلق من جنوب لبنان او من غزة سيحنج العالم عليها وسوف تسرع حماس وحزب الله بالاستنكار وابعاد الشبهة عنهم والسلام
-
تعريف النصرالنصر من وجهة نظر حماسية هو صوب اوسلو مجددة برعاية اخوانية .
-
صحيح تماماًشكراً لك سيد ناهض حتر الحقيقة ظننت أنه قد أصابني نوع من العمى بحيث لم أستطع أن أرى الفوز العظيم، كل ما رأيته هو تمثيلية لم أفهم مغزاها بشكل كامل وما زلت أنتظر ما تحمله قادمات الايام، ولكني أرجو من ربي ألا تكون دماء أهلنا في فلسطين هي الثمن الذي دفع من أجل أمان اسرائيل واطمئنانها. فلا مقاومة ولا كسر للحصار ولا مساعدات أو تعويضات بل مجرد أماني بأن يتعاطف معنا عدونا ويرمي لنا فتاته علنا نقتات ونتابع ما بقي من أعمارنا بانتظار فرج لن يأتي.
-
اين هو النصراحسنت اخيرا فهم اليسار كنت اشعر منذ زمن اننى معتوهة امام هذا السيل الذى يريد اقناعنا بالربيع العربي المزعوم وان غزة انتصرت وكل شيء ميت فل واربعتشار اننا نعيش مأساة حقيقيقة وردة مريعة
-
النصرنعم, في الحقيقة النصر المزعوم اعلامي, و كان واضح أن أسرائيل أخذت شيئا تريده , شيء مخفي لم يظهر في الأعلام, و الا كانت تستطيع الاستمرار لعدة أسابيع حتى تحصل على شيء ما! فليس من المعقول ان توافق على هذا الاتفاق بالطريقة التي اعلنته فيها الميديا العربية (اسرائيل تطلب الهدنة و تعقد اتفاق لا يعطيها شيء بالمرة! )لأنها خائفة من مصر! و لكن انتصارات الاعلام وهمية و سينكشف المستور عاجلا. الفارق عن 2008 هو ان اسرائيل قامت بعملية برية و لم تستطع تحقيق ما أرادت.
-
شرطة "حماس" تحرس الهدنةكل الصحف عنونت (شرطة "حماس" تحرس الهدنة) ولم يعترض احدا على ذلك لكن زورا وبهتانا كالوا الاتهام لحزب الله بانه تحول الى حرس حدود لاسرائيل بعد حرب 2006 . حماس منعت الفلسطينين من الاقتراب من المنطقة التي قتل فيهل فلسطين في خرق لاتفاق الهدنة ولم يعلقوا على الامر