ربما كانت «الصدمة» و«الدهشة» هما التعبيران الأكثر توصيفاً لحالة الشارع السياسي المصري الرافض والمؤيد لقرارات الرئيس محمد مرسي. فالقرارات لم يكن هناك من يشرحها أو يبين أسبابها. المتحدث الرسمي للرئاسة، ياسر علي، اكتفى بقراءة نصوصها أمام الكاميرات، في حين اختفى مرسي عن الأنظار حتى إلقائه خطاب قصر الاتحادية أمس. وهو ما دفع كافة الأطراف لتفسير القرارات وفق رؤيتها الخاصة.
القرارات على استثنائية الكثير منها وثورية بعضها، لم تتطرق إلى أمور كان الثوار يطالبون بها دوماً، من بينها تطهير وزارة الداخلية ومحاكمة ضباطها المتورطين في التسبب في عاهات مستديمة أو قتل المتظاهرين. كما لم تتضمن القرارات تحديد حدين أدنى وأعلى للأجور لتحقيق العدالة الاجتماعية.
وجاءت هذه القرارات وسط حالة من الاستقطاب الحاد يعيش المجتمع في ظله على خلفية انتماءات أيديولوجية وسياسية مختلفة، جعلت المعسكرات المتضادة تتوجس من بعضها حتى فقد كل طرف الثقة في الطرف الآخر وسيطرة نظرية المؤامرة كأداة لتفسير كافة المواقف. ويشعر كل طرف بأن الآخر يرغب في الانقضاض عليه لإقصائه والإجهاز عليه معنوياً وسياسياً وربماً مادياً.
لكن بعيداً عن حالة الاستقطاب، فإنه يمكن تفسير قرارات مرسي في سياق جملة من الأمور، بينها صراعه مع المؤسسة القضائية بدءاً من النائب العام مروراً بالمحكمة الدستورية العليا، والبراءات المتوالية للمتهمين من ضباط الداخلية ممن قتلوا المتظاهرين في الثورة. يُضاف إلى ذلك، الهجوم الإعلامي الذي يعيشه مرسي يومياً، فضلاً عن المشكلات التي تندلع وتقيد ضد «طرف ثالث».
ضمن هذا السياق، يمكن قراءة القرار الجمهوري الذي أصدره مرسي بتعيين المستشار طلعت إبراهيم عبد الله نائباً عاماً. فالقرار جاء بعد تحدي عبد المجيد محمود النائب العام المعزول لقرار مرسي السابق بتعيينه سفيراً في الفاتيكان وتحدي أعضاء من النيابة العامة معه للقرار، بما جعل مرسي يأخذ أول من أمس قراراً فورياً بتعيين نائب عام جديد وتسليمه مكتبه في منتصف الليل خشية إفساد أوراق القضايا بمكتب النائب العام.
أما قرارات التعويضات، فجاءت لاحتواء غضب أهالي الشهداء والمصابين ممن شعروا بأن مرسي تجاهلهم، بعدما سبق ووعدهم بإنصافهم. إلا أن مناهضي مرسي فسروا هذا القرار بأنه محاولة لكسب طرف من الثورة معه. كما شككوا في جدية هذه الخطوة، ولا سيما أنه قانونياً لا تعاد محاكمة أحد إلا بأدلة جديدة.
أما في ما يتعلق بقرارات تحصين مجلس الشورى والجمعية التأسيسية من الحل فضلاً عن تحصين قرارات مرسي السابقة، فجاءت في سياق حرب الرئيس مع المحكمة الدستورية العليا. إذ كان من المقرر أن تنظر المحكمة مطلع الشهر المقبل في ثلاث دعاوى تتعلق بحل مجلس الشورى وحل الجمعية التأسيسية، وإلغاء الإعلان الدستوري المكمل، بما يعني احتمال عودة المجلس العسكري القديم ليكون في سلطته تشكيل الجمعية التأسيسية من جديد وحل مجلس الشورى، آخر المجالس المشكلة وفق إرادة شعبية، وآخر معاقل الإسلاميين التي يشكلون فيها الأغلبية. وأي قرار مماثل في حال صدوره، كان سيشكل انقلاباً في حال وافق المجلس العسكري القديم على القرار، فضلاً عن انطوائه على دخول الجيش في نزاع حيث سيجد نفسه أمام خيارين: إما الانحياز لحكم المحكمة أو الوقوف في صف الرئيس.
أما قرار مرسي تحصين الجمعية التأسيسية، فجاء بعدما رأى أنها مهددة بفعل الانسحابات التي يعتبر الأخير أنها مفتعلة. لكن أكثر ما تسبب في الصدمة للشارع المصري، تحصين قراراته المستقبلية حتى انتخاب مجلس الشعب، ومنح نفسه الحق في اتخاذ تدابير استثنائية. ورأى انصاره أنها خطوة لتقوية يده التي ارتعشت في الفترات الماضية.
يبقى أن التفسير المباشر لخلفيات الإعلان الدستوري الجديد سيظهر في الأيام المقبلة مع المعارضة التي تتصاعد ضده واحتمالات المواجهات المتكررة.