غزة| «جنى انتي حاسة؟»«عمر، حاسة في قصف.. فكرونا متنا، أنا لسه بسمع وهياني شايفاك جنبي». كنت أسمعهم ليلاً، منذ يومين يأتون على هيئة أحلام في منامي، يكشفون عني غطائي، ويصرخون بي: «القبر بارد.. بدنا ننام عندك»، في البدء كنت أرتجف، لكنني بدأت أتعود الأمر، قبل النوم أفتح نافذتي قليلاً، وأترك متسعاً من السرير، قبل قليل أخبرتني جنا بأن معها زوّاراً آخرين، قلت لها: «غرفتي تتسع لكم، تعالوا، انتبهوا أن تتصيدكم الصواريخ مرة أخرى»، ضحكت عليّ، مررت يدها على قلبي وقالت: «ما تخافي، بطلنا نخاف، رح نجيكي ركض»، حينها ضحكت ضحكت، كيف أخاف عليهم؟ لقد باتوا في مأمنٍ من الموت.
أستند إلى حافة النافذة في انتظار صاروخ كان يتربَّص بي، وإذ به يفلت ماراً بظهري، آخذاً معه سيرتي ووجهي، كان عبد الرحمن منيف يوشوشني «تدفئي بالأمل، كما يدفئني الحقد. لا تخفضي رأسكِ كسلحفاة، ارفعيه، ارفعيه قليلاً، وأنفكِ ابعديه عن الريح، أتسمعين ما أقول لك؟»
أهزُّ برأسي، نعم نعم أسمع، لكن ماذا عن هذا الدم؟ سائل لزج أحمر يتدفق من المكان الذي أحببت به، جسدي يتمزق .. وتعلَّق على شجرة عالية، لطالما حلمتُ بالطيران أيضاً؛ تحقق الأمر!
«أماني أماني.. انتِ نمتي؟ أجوا صحابي.. قومي اعملي حليب احنا جعانين»
«جنا! حلمت اني متت؟ شفتيني؟»
«لا لا.. لسه وجهك أبيض، أنا بعرف وجه اللي بيموتوا كيف بيكون.. مش هيك، بيكون ملون وعليه دم» «صحابك حلوين! متلك ومتل عمر/ هو وين عمر عنك؟»
«هههه عمر راح يمر على أبوه، حيبوسه على جبينه ويقلو تصبح ع خير بابا، شوي وبيجي» «بدي اعمللكو حليب، تغطوا منيح لحتى أرجع» «لا لا.. بلاش حليب» صرخوا في وجهي، وواحدة كانت تشبه جنا شدت طرف قميصي
ارتبكت «ليش ما بدكو حليب؟؟؟» نظرت جنا في وجوه أصحابها ثم نظرت فيَّ «الحليب بيذكرنا بامهاتنا، ما حدا بيعمل حليب متلهم، اعملي شاي»
وضعت صينية بها أكثر من 20كوب، كنت أسمع أمي وهي تنادي من الصالون، وأنا أبحث عن البسكويت في الرفوف، «يا إمي لشو كل هالكاسات؟؟ انا وانتِ بس حنشرب شاي!!»
«لا يا إمي.. جنا وعمر وصحابها عندي، وهم بردانين.. هو وين البسكوت» بكت أُمي، لم تعرف ما عليها فعله، خرجت وتركتني أصبّ الشاي في الأكواب، كنت مترددة في وضع السكر، كيف يا ترى سيحبُونه كثيراً.. أو قليلاً!