اسطنبول | يدور نقاش في تركيا، والاقليم المجاور، حول الهدف الاستراتيجي لصواريخ «الباتريوت»، التي يحكى عنها الكثير في الاعلام المحلي. بالمقابل، تراجع اهتمام الاعلام الغربي حول الموضوع منذ أكثر من عام عندما نصبت واشنطن رادارات متطورة قرب مدينة مالاطيا على الحدود مع إيران. وتحدث هذا الاعلام آنذاك عن العلاقة الاستراتيجية عسكرياً وتقنياً بين هذه الرادارات وأخرى مماثلة نصبت في إسرائيل، ضمن ما سميّ بمشروع الدرع الصاروخية، والهدف منه مراقبة الصواريخ الإيرانية، التي قد تستهدف إسرائيل مستقبلاً. وقيل يومها إنّ الخطة الأميركية تستهدف نصب مجموعة من الصواريخ لحماية الرادارات المذكورة قرب مدينة مالاطيا، وبالتالي للتصدي لأيّ خطر مفاجئ، قبل نصب صواريخ بعيدة المدى داخل الأراضي التركية لضرب العمق الإيراني مستقبلاً. وقالت المعلومات، حينها، إنّ الهدف من الرادارات والصواريخ في تركيا هو رصد الصواريخ الإيرانية فور تصويبها باتجاه إسرائيل واسقاطها في الأجواء الإيرانية، إذ تستطيع الرادارات الموجودة في تركيا، بسبب قربها من إيران مقارنة مع إسرائيل، أن ترصد الصواريخ الإيرانية خلال ستّ دقائق فور انطلاقها من منصاتها، وذلك قبل ستّ دقائق، أيضاً، من الرادارات الإسرائيلية. ما يعني أن الرادارات الأميركية في تركيا ستمنح إسرائيل ستّ دقائق إضافية للتصدي للصواريخ الإيرانية، التي تسعى واشنطن للتصدي لها، أيضاً، عبر سفنها الحربية في الخليج أو شرق البحر الأبيض المتوسط أو قواعدها الموجودة في دول الخليج وتركيا. وستصل تركيا، قريباً، مجموعة من طائرات «الأواكس» وقوات جوية للتدخل السريع في المنطقة. وكتب الاعلام التركي المزيد من التفاصيل، التي يبدو أنها كانت غير مقنعة للسياسيين الأتراك من قيادات أحزاب المعارضة، خاصة «الشعب الجمهوري» و«الحركة القومية»، بالإضافة للأحزاب والمنظمات الشعبية، التي اتفقت على أن ما يقوم به رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان لا علاقة له بالأمن القومي بل يهدف إلى حماية إسرائيل من خطر الصواريخ الإيرانية، وبناءً على تعليمات واشنطن، حليفة انقرة في مجمل المشاريع والخطط الاقليمية الجديدة التي تحولت من خلالها حكومة أردوغان إلى أداة عملية لتطبيق هذه السياسة الاستعمارية الجديدة، على ما يقول رئيس حزب الشعب الجمهوري كمال كليتشدار أوغلو. هذا الأخير نجح في اقناع غالبية الشعب التركي في موضوع السياسة التركية العدائية ضد سوريا. واتهم كليشدار أوغلو، يوم أمس، الحكومة التركية بالكذب على الشعب التركي بشأن أسباب طلبها نشر صواريخ الباتريوت، وبتنفيذها أجندات خارجية. وأشار، في كلمة أمام كتلة حزبه البرلمانية، إلى أنّ الحكومة أصدرت بيانات متضاربة بشأن الصواريخ، قائلاً إنه «في الوقت الذي نفى فيه رئيس الوزراء، رجب طيب أردوغان، موضوع نشر باتريوت، أكد الناطق باسم الحكومة بعد أيام، أنباء نشر الصواريخ، التي سيكون قرار إطلاقها بيد الحكومة التركية». وأوضح أنّه «أمام كل هذا التضارب في التصريحات، جاء إعلان وزارة الدفاع، أن عدد الصواريخ وأماكن نشرها، وعدد القوات المرافقة لها، غير واضح، وهذا إن يدل على شيء، فإنه يشير، كما يزعم، إلى أن هناك من يخطط للبلاد من الخارج، وأن الحكومة تنفذ أجندات خارجية».
ونفى كليشدار أوغلو حاجة تركيا لنشر صواريخ كهذه، لعدم وجود أي تهديدات بالستية ضد تركيا، معتبراً أنّ المسألة لا تعود إلى الأزمة السورية «وإلّا فلماذا لم يتم نشر الصواريخ قبل ستة أشهر». وإذ تساءل عن السبب الحقيقي لنشر الصواريخ، دعا أردوغان إلى قول الحقيقة أمام الشعب.
في موازاة ذلك، أثبتت جميع استطلاعات الرأي العام أنّ ما لا يقل عن 80 % من الشعب التركي ضد هذه السياسات، التي لا يظهر أيّ مبرّر لها، على الرغم من الحملة الاعلامية التي يشنّها أردوغان ووزير خارجيته أحمد داوود أوغلو يومياً ضد الرئيس السوري بشار الأسد. إذ يرى الشعب التركي، أنه كان حتى الأمس القريب، من أقرب المقربين لأردوغان وتركيا عموماً، خلافاً للأنظمة العربية الأخرى خصوصاً السعودية وقطر. ويتفق غالبية الأتراك على أنّ هاتين الدولتين لن تكونا صديقا لهم، رغم التنسيق والتعاون التركي الحالي معهما «من أجل الديموقراطية في سوريا». وهذا يزيد من شكوك المواطن التركي ونخبه السياسية والثقافية، التي تتحدث باستمرار عن افتقار هذه الدول لأبسط معايير الديموقراطية والسيادة القومية، التي بات الكثيرون في تركيا يشككون فيها، أيضاً، بالنسبة لحكومة رجب طيب أردوغان الذي قال يوماً إنّ الأرض التركية أرض «أطلسية». وأثار ذلك نقاشاً واسعاً في الأوساط السياسية والاعلامية التي لا يبالي بها أردوغان وحكومته، ما دام هو الحاكم المطلق اثر غياب الصوت المعارض من المؤسـسة العسكرية التي كانت تحسم في الحالات «القومية والوطنية الكبرى»، انطلاقاً من الالتزام بالمصالح العليا للدولة والأمة التركية. ويقول زعماء المعارضة السياسية إنّ أردوغان يريد التنسيق والتعاون مع «اخوان» مصر وتونس وليببا، في الوقت الذي يكفل الدعم الأميركي لحكومة العدالة والتنمية حسم جميع النقاشات الداخلية والخارجية، كما هو كفيل بضمان استمرار حماسة أردوغان للمزيد من المغامرات الاقليمية إن كان في سوريا أو العراق أو إيران، ما دام مقتنعاً أو مؤمناً بأن بقاء الأسد في دمشق سيدمّر مشاريعه السياسية والاقتصادية والعقائدية في المنطقة، إن كان في العراق أو جارتها إيران، ومنها إلى لبنان حيث «الهلال الشيعي الخطير»، الذي بدأ العديد من منظري «العدالة والتنمية» يتحدثون عنه مؤخراً، وكأنّ المنظرين في واشنطن وأروقة مراكز الدراسات الأميركية الإسرائيلية لم تتكلّم عنه في السابق. هذا ما يفسر خطاب أردوغان الأخير، الذي اتهم فيه الرئيس الأسد بتأجيج الحرب الطائفية في سوريا، بعد ما سبق له ولمساعديه اتهام إيران بشكل مباشر أو غير مباشر بالوقوف إلى جانب سوريا لأسباب وحسابات طائفية أثارت نقاشا في الداخل التركي، باعتبار أنّ ملايين الأتراك هم من العلويين، وغالبيتهم يسكنون شرق الأناضول، حيث مدينة مالاطيا.