القاهرة | «ثورة مصر في كل مكان... ضد عصابة الإخوان». «احلق ذقنك بيّن عارك تلقى وجك وج مبارك». «الشعب يريد إسقاط النظام»، «بيع بيع ... بيع الثورة يا بديع»، و«يسقط يسقط حكم المرشد». بتلك الهتافات وغيرها الكثير الموجهة ضد جماعة الإخوان المسلمين ورئيس الجمهورية محمد مرسي وإعلانه الدستوري، تجمع مئات الآلاف في ميدان التحرير وميادين المحافظات، معيدين إلى الأذهان المشاهد الأولى لثورة 25 يناير. اللافت في تظاهرات أمس ليس فقط القدرة الفائقة على الحشد، التي كسرت نظرية أن الأحزاب الدينية وحدها هي من تستطيع الحشد الكبير في ميدان التحرير، بل ارتفاع سقف المطالب في الميدان. فالمحتجون خرجوا تلبيةً للدعوة التي أطلقتها القوى المدنية للمطالبة بإلغاء الإعلان الدستوري الذي «منح الرئيس سلطات واسعة وجعل منه ديكتاتوراً جديداً»، وإقالة وزير الداخلية، وإعادة هيكلة الوزارة وتطهيرها من قتلة الثوار، لكنهم لم يكتفوا بهذه المطالب. وهتفوا، في التظاهرات التي تعدّ أكبر حشد ضد مرسي منذ انتخابه في حزيران الماضي، بسقوط النظام، مطالبين برحيل مرسي عن الحكم. وعاد الهتاف الشهير «قول ما تخفشي مرسي لازم يمشي»، و«الشعب يريد إسقاط النظام»، وهو ما يؤكد أن تجاهل مرسي لمطالب المعارضة واجهه المحتجون بإصرار على المطالب وتصعيد كبير.
وقال الناشط أحمد فهمي الذي يعتصم في ميدان التحرير منذ السبت الماضي، لوكالة «فرانس برس»، إن «الرئيس مرسي فقد كل شرعيته، حسني مبارك كانت لديه شرعية أكبر منه»، مضيفاً «سنظل في الميدان حتى يتراجع عن الإعلان الدستوري».
وشارك أمس نجوم الحياة السياسية المصرية في الاحتجاجات، وقادوا مسيرات من مناطق مختلفة في القاهرة والجيزة وصلت إلى الميدان بأعداد كبيرة، حيث شارك المرشح السابق لرئاسة الجمهورية حمدين صباحي ومؤسس حزب الدستور محمد البرادعي في مسيرة ضمّت الآلاف تحركت من ميدان شبرا في شرق القاهرة، حتى ميدان التحرير. كذلك شارك الأمين العام السابق للجامعة العربية، المرشح الرئاسي السابق عمرو موسى، والسيد البدوي رئيس حزب الوفد الجديد، في مسيرة ضخمة وصلت إلى الميدان. ونظمت نقابتا الصحافيين والمحامين مسيرتان ضمّتا ما لا يقل عن 10 آلاف متظاهر. وقال ياسر بسيوني، أحد المحامين المشاركين في المسيرة، لوكالة «فرانس برس»، «جئنا لندافع عن دولة القانون والاحتجاج على مرسي وإعلانه». ورأى رأفت الملواني، وهو محام آخر يشارك كذلك في التظاهرة، أن «مرسي يتخذ قرارات غير شرعية من دون التشاور مع أي جهة باستثناء مكتب إرشاد الإخوان المسلمين».
وبالتزامن مع مسيرة المحامين، تحركت مسيرة من أمام مسجد الفتح في ميدان رمسيس، ومسيرة من دار الأوبرا المصرية لفنانين ومبدعين مصريين. وكانت النقابات الفنية الثلاث التمثيلية والموسيقية والسينمائية أعلنت رفضها للإعلان الدستوري ومشاركتها في تظاهرات ميدان التحرير.
وأمس جرى الإعلان عن قتيل جديد في عهد مرسي، إذ أصدر حزب التحالف الشعبي الاشتراكي بياناً أعلن فيه «استشهاد فتحي غريب الزميل في الحزب من المطرية إثر إصابته باختناق من كثافة الغاز الذي تم إطلاقه صباحاً في ميدان التحرير». وذيّل بيانه بعبارات «إنّا للّه وإنّا إليه راجعون... الثورة مستمرة... والمجد للشهداء... الشعب يريد إسقاط النظام»، في وقت لا يزال فيه أحمد نجيب يرقد حالياً في مستشفى الهلال بعد موته إكلينيكياً جرّاء إصابته بطلق ناري استقر في المخ.
أما حصيلة الاعتقالات العشوائية في أحداث العنف في شارعي محمد محمود والقصر العيني، فوصلت وفقاً للشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان إلى 328 معتقلاً تم الإفراج عن 291 منهم بينما لا يزال 37 متظاهراً قيد الاحتجاز.
وفي حين لم تسجل اشتباكات بين أنصار الإخوان والمعارضين أمس في القاهرة مع قرار جماعة الإخوان المسلمين وحزبها الحرية والعدالة تأجيل تظاهرة التأييد لمرسي «حقناً للدماء»، قال محللون إن السبب الرئيسي وراء تأجيل تظاهرة الإخوان هو صعوبة عملية الحشد من المحافظات التي تحدث كل مرة، حيث يكون من الصعوبة تأمين مقار الإخوان في المحافظات. وفيما أُجّلت تظاهرات القاهرة، كانت هناك بعض التظاهرات لأعضاء جماعة الإخوان المسلمين في أماكن أخرى.
في المقابل، كانت أكثر المحافظات مشاركة في تظاهرات الرفض لقرارات مرسي، الغربية، وتحديداً في مدينتي طنطا والمحلة الكبرى. كذلك خرجت مسيرات كبيرة في السويس وبورسعيد والإسكندرية ودمنهور. وحدثت اشتباكات بين أنصار مرسي ومعارضيه في أسيوط، أدت إلى وقوع إصابات من الطرفين.
وفي مدينة المحلة الكبرى، وقعت اشتباكات عنيفة بين أنصار جماعة الإخوان المسلمين والمعارضين لقرارات مرسي استخدمت فيها العصي والشوم وزجاجات المولوتوف، أدّت إلى وقوع العديد من الإصابات. وبدأت الاشتباكات مع هجوم بعض المعارضين على مقار لجماعة الإخوان في المدينة، ما دفع أعضاءها إلى الاشتباك معهم.
وحسب المعارضين للرئيس من كافة القوى السياسية، عدا جماعات وأحزاب الإسلام السياسي، فإن الرئيس يسعى إلى إحكام سيطرته على الحكم بهذا الإعلان ويحصّن جماعته وأنصاره في مجلس الشورى الذي كان متوقعاً حلّه أسوةً بمجلس الشعب، نظراً إلى أنه جرى انتخابهما بقانون واحد. كذلك كان يتوقع حل الجمعية التأسيسية لصياغة الدستور لوجود عوار قانوني في تشكيلها. والمجلسان تسيطر عليهما أغلبية إسلامية، ما يجعل الرئيس من وجهة نظر هؤلاء «رئيساً لجماعة الإخوان المسلمين وليس لكل المصريين كما يردد دائماً». ويتهم المعارضون مرسي أيضاً بالسير على نفس خطى سلفه حسني مبارك، «بالعند والتكبر وعدم الاستماع إلى المعارضة»، وإطلاق يد الداخلية في التعامل العنيف مع المتظاهرين السلميين.
بدوره، قال عضو الهيئة العليا لحزب «الحرية والعدالة» التابع لـ«الإخوان»، أحمد محمود، «إن الرئيس محمد مرسى قد يضطر إلى إجراء استفتاء على الإعلان الدستوري». وأضاف أن الاستفتاء قد يكون أفضل الحلول للخروج من الأزمة الحالية.
وناشد شيخ الازهر أحمد الطيب، أمس، أبناء الوطن جميعاً أن يحرصوا على اتفاق الكلمة ووحدة الصف، «فهما سر ما تحقق من إنجازات حتى الآن»، على حدّ قوله. وعقب لقائه بممثلي الكنائس المصرية الثلاث وممثلين عن القوى السياسية المختلفة الممثلة في الجمعية التأسيسية للدستور، في محاولة منه لإعادة المنسحبين من الجمعية التأسيسية إليها مرة أخرى، وجّه الدعوة إلى كافَّة القوى للاستمرار في اجتماعاتهم التوافقية.