القاهرة | المئات من قضاة مصر دخلوا أمس في اعتصام مفتوح في مقر ناديهم في وسط القاهرة إلى حين تراجع الرئيس محمد مرسي عن إعلانه الدستوري بعد فشل لقائه بمجلس القضاء الأعلى. وأكد القضاة أنهم «مستمرون في الإضراب وتعليق العمل في المحاكم والدخول في اعتصام مفتوح في مقار نوادي القضاة في جميع محافظات مصر». وأضافوا «مرسي يخشى أن يتراجع عن قراراته للمرة الثالثة في مواجهة القضاء، ولكن نحن من جانبنا سنصدر ومن واقع سلطتنا القضائية أحكاماً قاطعة بإعدام إعلانه الدستوري ونعتبره وكأن لم يكن وسنعمل على إيقاف مشروعه الإخواني». هكذا نجح الإعلان الدستوري الأخير لمرسي في توحيد قضاة مصر، مثلما استطاع الرئيس المصري بجدارة نقل المستشار أحمد الزند من خانة الفلول والموالين لنظام حسني مبارك إلى أبرز المدافعين عن استقلال القضاء لضمان عدم التغول على سلطات القضاة، التي تجسدها كل من المحكمة الدستورية العليا ومحكمة القضاء الإداري. ورفضت المحكمتان الكشف عن موقفهما من الإعلان الدستوري حتى تتسنى لهما الفرصة في التصدي له قضائياً وإصدار أحكام تقضي بانعدام أثره القانوني، واعتباره كأنه لم يصدر على اعتبار أنه يتعارض مع مبادئ دستورية وقانونية لا يجوز الحياد عنها.
نادي قضاة مصر، الناطق بلسان ما يزيد على 13 ألف قاض، أكد في بيان أصدره أمس رفضه للقاء المجلس الأعلى للقضاء بالرئيس مرسي ووصفه «بأنه زاد الأزمة تعقيداً ولم يضف جديداً». وأوضح رئيس النادي المستشار أحمد الزند، في البيان أن «كافة قرارات وتوصيات الجمعية العمومية، والإجراءات التصعيدية مستمرة وقائمة، وأهمها استمرار الإضراب وتعليق العمل بالمحاكم، واعتصام القضاة بكافة أندية القضاة في القاهرة والأقاليم لحين إلغاء الإعلان الدستوري».
كما كشف وكيل نادي قضاة مصر، المستشار عبد الله فتحي لـ«الأخبار» على أن 99 في المئة من محاكم مصر استجابت لتوصيات الجمعية العمومية للقضاة، وقامت بتعليق العمل في المحاكم. وأعلنت جميع المحاكم الابتدائية على مستوى الجمهورية وعددها 24 محكمة دخولها في إضراب عن العمل حسب فتحي. كما دخلت 5 محاكم استئناف من مجمل 8 في الإضراب والثلاثة الباقية في انتظار قرار جمعياتها العمومية اليوم.
على الجانب الآخر، كشفت مصادر قضائية رفيعة المستوى في كل من المحكمة الدستورية العليا ومجلس الدولة، أن المحكمتين تابعتا عن كثب نتائج الاجتماع الذي دعا إليه مرسي رجال المجلس الأعلى للقضاء لوضع مخرج قانوني للأزمة. وتبينوا أن مرسي لن يتراجع عن قراره خوفاً من زعزعة صورته كرئيس لا يثبت على قراراته. كما تبينوا، حسب المصادر نفسها، عدم تقدير مرسي لقيمة القضاء. ولفتوا إلى أن حل الأزمة التي أوقع فيها مرسي المصريين ستعلنه المحكمة الدستورية العليا، في جلستها المقرر لها الأحد المقبل، اذ ستنظر في دعاوى حل مجلس الشورى وحل الجمعية التأسيسية. ومن المتوقع، أن تؤكد على انعدام الإعلان الدستوري واعتباره كأنه لم يصدر من الأساس لتعارضه مع المبادئ الدستورية بل والفوق دستورية التي تؤكد على ضرورة عدم تحصين أي قرار من رقابة القضاء عليه.
أما محكمة القضاء الإداري، برئاسة المستشار فريد نزيه تناغو، فأمامها حسب ما أكد نائب رئيس مجلس الدولة المستشار محمود ذكي لـ«الأخبار»، سيناريوهات مختلفة تتضمن حل الأزمة وانتزاع الصلاحيات الإلهية من الرئيس الإخواني. واعتبر أن الأزمة المثارة حالياً بسبب تمكين مرسي نفسه من التغول على السلطة القضائية، حلها القانوني واضح. ولفت إلى أن محكمة القضاء الإداري يمكنها أن تقضي بانعدام وليس بطلان الإعلان الدستوري الأخير لمرسي وتعتبره كأنه لم يصدر من الأساس، وأمامها أيضاً أن تقضي بوقف تنفيذ قرارات الرئيس المسماة «إعلان دستوري» الى حين فصل المحكمة الدستورية العليا في مدى دستورية مواده. ومن بين الخيارات أن تقضي المحكمة بعدم اختصاصها بالفصل في مدى شرعية الإعلان الدستوري وترفض إحالته إلى المحكمة الدستورية العليا دون أن تتطرق إلى مضمونه، كما سبق وفعلت المحكمة في الدعاوى المطالبة بوقف تنفيذ المادة 28 من الإعلان الدستوري الصادر في30 آذار 2012، والتي حصنت قرارات اللجنة العليا للانتخابات الرئاسية من الطعن على قراراتها. لكن هذا الاحتمال يبقى الأضعف حسب نائب رئيس مجلس الدولة.