القاهرة | دخل الصراع المستجد بين الرئيس المصري محمد مرسي والقضاة، نتيجة تدخل الأول في أعمال السلطة القضائية وتغوّله عليها، منحى جديداً حيث انضمت محكمتا النقض والاستئناف، أكبر وأقدم محكمتين على مستوى مصر، إلى فئة المضربين، وقررتا تعليق العمل بهما إلى حين تراجع الرئيس مرسي عن إعلانه الدستوري الذي يمنحه «صلاحيات إلهية»، حسب قضاة المحكمتين. كما تخلت المحكمة الدستورية العليا عن صمتها وعقد قضاتها مؤتمراً صحافياً عبروا خلاله عن رفضهم الكامل لسياسة مرسي وجماعته في الهجوم على القضاء، ولا سيما المحكمة الدستورية.
كما طالبت المحكمة، في بيان أصدرته، مرسي بتقديم ما لديه من أدلة ومستندات تثبت أن المحكمة تسرّب أحكامها، كما يدّعي الرئيس وجماعته. بيان الدستورية تضمن تأكيداً ضمنياً من المحكمة بأنها لن تستجيب لإعلان مرسي الذي يقيد صلاحياتها ويمنعها من إصدار أحكام في الدعاوى القضائية المقامة أمامها بشأن مجلس الشورى والجمعية التأسيسية.
ووفقاً للبيان، فإن «المحكمة لن يرهبها تهديد أو وعيد أو ابتزاز، ولن تخضع لأية ضغوط تمارس عليها في أي اتجاه». كما أكدت أنها «تدرك حدود اختصاصها ولا تتسلب من اختصاص عقده الدستور والقانون لها ولا تتنصل منه أو تتخلى عنه». وشددت المحكمة على أنها «عازمة على أن تمضي في أداء مهمتها المقدسة حتى النهاية، لا يثنيها عن ذلك كل المحاولات التي تحف بها من كل جانب لإعاقة مواصلتها لاستكمال رسالتها في حماية حقوق وحريات الشعب الذي أولاها ثقته واعتزازه بها على مدى تاريخها».
استمرار غضب القضاة تواكب مع حفاظ القوى المدنية الرافضة للإعلان الدستوري، على وجودها في ميدان التحرير ليدخل اعتصامها في مواجهة إعلان مرسي يومه السادس. وجدد المحتجون حماستهم بالدعوة إلى مليونية جديدة غداً بعنوان «إنقاذ مصر». وهو ما ردت عليه القوى الإسلامية الممثلة بجماعة الإخوان المسلمين وحزب النور السلفي إلى جانب الجماعة الإسلامية، بالدعوة إلى مليونية أخرى لتأييد قرارات الرئيس يوم السبت المقبل، مشيرين إلى أنها ستكون أيضاً في ميدان التحرير، ما قد ينذر بمواجهات مع المعتصمين.
وأكد عدد من قياديي الإخوان المسلمين لـ«الأخبار» أنه لا سبيل لتراجع مرسي عن الإعلان الدستوري الأخير بأي حال من الأحوال. ولفتوا إلى أن إسقاط الإعلان الدستوري لن يتأتى إلا بإقرار الدستور الجديد للبلاد. ويبدو أن ما يقوله أعضاء الجماعة ينبع من معلومات وليس مجرد آراء، إذ إن الجمعية التأسيسية، برئاسة المستشار حسام الغرياني، أعلنت الانتهاء من مسودة الدستور أمس، على أن تعرض على مرسي اليوم، تمهيداً لطرحها للاستفتاء العام على الشعب في موعد أقصاه أسبوعان. وهو ما يعدّ مخرجاً إخوانياً لإفلات مرسي من التراجع للمرة الثالثة في قراراته في مواجهة القضاة. وأكد رئيس الجمعية التأسيسية أن «خروج الدستور هو الحل الوحيد حالياً لأزمة الإعلان الدستوري». ونقلت الوكالة المصرية عن الغرياني قوله إن «غداً سيكون يوماً رائعاً في تاريخ الجمعية»، في إشارة الى بدء التصويت على المسودة النهائية للدستور. ودعا الغرياني «الأعضاء المنسحبين منها، 21 عضواً من أصل مئة هم كل ممثلي الأحزاب والشخصيات غير الإسلامية، إلى العودة إلى الجمعية التأسيسية، «لينالوا معنا شرف هذا اليوم العظيم».
ومن المفترض أن تبدأ القوى الإسلامية بالحشد لتأمين مشاركة كثيفة في الاستفتاء، على أن يتبع إقرار الدستور الجديد إسقاط الإعلان الدستوري وانتهاء فترة سريانه، فيما رأى المرشح الرئاسي السابق، عمرو موسى، في حديث الى وكالة «رويترز»، أن محاولة الجمعية التأسيسية إنجاز مسودة الدستور «هراء»، واصفاً إياها بأنها «إحدى الخطوات التي ما كان ينبغي اتخاذها نظراً للغضب والاستياء من الجمعية التأسيسية الحالية».
وعلى خلاف الموقف المتحفظ للإدارة الأميركية تجاه الإعلان الدستوري الأخير لمرسي، أثارت تغريدة للسفارة الأميركية في مصر على موقع التواصل الاجتماعي «تويتر» قالت فيها: «الشعب المصري أعلن بوضوح في ثورة 25 يناير أنه كفى للديكتاتورية» حفيظة النشطاء. وطرح النشطاء عدة تساؤلات عقب التغريدة، بينها «لماذا ساندتم نظام الإخوان المسلمين طول هذه الفترة، ثم تعودون لتقروا الآن بأنه نظام ديكتاتوري؟»، وهو ما ردت عليه السفارة بنفي دعمها لأي فصيل سياسي.
في هذه الأثناء، حدّدت محكمة القضاء الإداري، الثلاثاء المقبل موعداً لنظر أولى جلسات دعوى قضائية تطالب بوقف الرئيس المصري محمد مرسي عن العمل وتعيين رئيس المحكمة الدستورية العليا رئيساً مؤقتاً للبلاد إلى حين إجراء انتخابات رئاسية جديدة.
ورأى مقيم الدعوى المحامي طارق محمود أن «الإعلان الدستوري أهدر العديد من القوانين والدساتير، لأن رئيس الجمهورية استحوذ بهذا الإعلان على جميع السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية، وضرب عرض الحائط بجميع الدساتير والمواثيق العالمية والمصرية، وأنه خالف الإعلان الدستوري الصادر في 30 آذار من العام الماضي الذي استُفتي عليه الشعب المصري وتحدّدت بمقتضاه مهمات رئيس الجمهورية، وليس من ضمنها إصدار إعلانات دستورية جديدة وتحصين قراراته من الطعن عليها».
في غضون ذلك، استمرت أحداث الكر والفر في محيط السفارة الأميركية في ميدان التحرير. وواصل رجال الداخلية إطلاق قنابل الغاز المسيل للدموع في مواجهة قذف المتظاهرين لهم بالحجارة، وهو ما خلّف عشرات المصابين. وحسب المتحدث الرسمي لوزارة الصحة أحمد عمر، وصل إجمالي عدد المصابين جراء تظاهرات أمس على مستوى محافظات الجمهورية إلى ما يزيد على 260 شخصاً.
إلى ذلك، شيع آلاف المعتصمين أمس في ميدان التحرير جثمان القيادي في حزب «التحالف الشعبي الاشتراكي» فتحي غريب، الذي توفي أول من أمس متأثراً بغاز مسيل للدموع أطلقه عناصر الأمن خلال تظاهرة حاشدة شهدها الميدان أمس.