قررت دولة الاحتلال، أمس، الردّ على إعلان دولة فلسطين، «مراقباً» غير عضو في الأمم المتحدة، عبر التصديق على بناء فوري لـ3000 وحدة سكنية في شرقي القدس المحتلة ومستوطنات الضفة الغربية. وانطلاقاً مما نقلته صحيفة «هآرتس» العبرية عن مصدر سياسي إسرائيلي رفيع المستوى، من الواضح أن عملية البناء ستكون ضمن خطة مدروسة وهادفة عبر تنفيذها «بما يتلاءم مع خريطة المصالح الاستراتيجية لإسرائيل».
ويبدو أن استغلال إسرائيل لإعلان الدولة الفلسطينية يهدف إلى فرض أمر واقع، يؤدي إلى فصل شمال الضفة عن جنوبها، عبر السعي إلى البناء في المنطقة التي تحول عملياً دون التواصل الجغرافي للدولة الفلسطينية المرتقبة. إذ لفت المصدر إلى أن إجراءات البناء الإسرائيلية ستكون في المنطقة المعروفة بـ«E – 1»، التي تربط القدس بمستوطنة «معاليه أدوميم».
من المؤكّد أن البناء في هذه المنطقة سيترك أصداءً دولية، وخصوصاً أن رئيس الحكومة العبرية بنيامين نتنياهو، كما أسلافه من آرييل شارون إلى إيهود أولمرت، سبق أن قدم التزامات للإدارة الأميركية بعدم البناء في هذه المنطقة.
من جهة ثانية، وبعد وصف مكتب نتنياهو خطاب أبو مازن في الأمم المتحدة بأنه «لاذع يقطر سمّاً ومليئاً بالدعاية الكاذبة ضد الجيش الإسرائيلي ومواطني إسرائيل»، أكدت تقارير إعلامية إسرائيلية أنّ نتنياهو الغاضب بشدة من الخطوة الفلسطينية، يفصل بين الكلام والمصالح الإسرائيلية، وسيعمل على ثلاثة مستويات.
على المستوى الأول، يبدو أنه سيحاول الامتناع قدر الإمكان عن المسّ بقدرة الحكم لدى السلطة الفلسطينية، وبالتالي من غير المتوقع فرض عقوبات حادة عليها. وعلى المستوى الثاني، سيعمل على وقف محاولات مختلفة من الفلسطينيين لقبولهم في وكالات الأمم المتحدة المختلفة، بما فيها محكمة الجنايات الدولية في لاهاي. أما المستوى الثالث، فسيقوم على فحص نتنياهو إن كان هناك أفق سياسي بين إسرائيل والسلطة، وإذا كان الفلسطينيون مستعدين للعودة إلى طاولة المفاوضات من دون شروط مسبقة.
بدوره، أعلن السفير الإسرائيلي في الأمم المتحدة، رون بروشاور، أن إسرائيل ملتزمة السلام، لكنها «لن تقبل بقاعدة إرهاب إيرانية أخرى في قلب دولتنا»، فيما وصف وزير الخارجية أفيغدور ليبرمان، خطاب عباس في الأمم المتحدة، بأنه يمثل «رجل عدو لا رغبة له في السلام»، مضيفاً: «نحن لا نهدد بأي عقوبات، وسنلتزم كل حرف وفاصلة ونقطة في كافة الاتفاقات، كنا حتى الآن أكثر كرماً مما تلزمنا إياه كافة وثائقنا والبروتوكولات».
أما نائب رئيس الوزراء، وزير الشؤون الاستراتيجية، موشيه يعلون، فرأى في إعلان الدولة الفلسطينية، بصفة مراقب، انتهاكاً سافراً للاتفاقات مع إسرائيل يقتضي الردّ عليه في الوقت المناسب.
بدوره، هدد نائب رئيس الوزراء سيلفان شالوم، الذي احتل المركز الثالث في قائمة حزب «الليكود» إلى الانتخابات، باستخدام العقوبات ضدّ السلطة الفلسطينية، مشيراً إلى أنه رغم أنّ أبو مازن معتدل، لكنه ليس مخلصاً للالتزامات التي قام بها سلفه ياسر عرفات في اتفاقيات أوسلو التي تحظر المبادرات الأحادية الجانب». ولفت إلى أنّ «انتهاك هذه الاتفاقيات يعني أن إسرائيل تستطيع أيضاً القيام بمبادرات أُحادية الجانب مثل تطبيق السيادة الإسرائيلية في الأراضي».
في المقابل، استغلت المعارضة الإسرائيلية الحدث الفلسطيني كي تصوِّب سهامها على نتنياهو وسياسته، وقالت رئيسة الحركة ووزيرة الخارجية السابقة، تسيبي ليفني، في بيان صادر عنها إن إسرائيل «خسرت اليوم مع اعتراف الأمم المتحدة جميع الإنجازات التي حصلنا عليها عبر المفاوضات». ورأت أن ما جرى «نتيجة سياسة خاطئة وأربع سنوات من الجمود السياسي والخطب والاتهامات من حكومة نتنياهو التي قوَّضت المصالح الأمنية لإسرائيل في مواجهة الفلسطينيين والعالم».
أما رئيسة «ميرتس»، زهافا غلاؤون، فذهبت إلى حد اعتبار إعلان دولة فلسطينية «في مصلحة إسرائيل وكان على الحكومة الإسرائيلية دعم المسعى الفلسطيني في الأمم المتحدة».
على المستوى الإعلامي، رأى المعلق السياسي في صحيفة «هآرتس»، باراك رابيد، أن التصويت في الأمم المتحدة مثّل «تحذيراً من جانب المجتمع الدولي لإسرائيل ولا يقل عن كونه مظاهرة دعم للفلسطينيين»، مضيفاً أن كلاً من «ألمانيا وفرنسا وبريطانيا وإيطاليا ودول صديقة أخرى وجهت رسالة إلى إسرائيل، مفادها أن الصبر انتهى تجاه احتلال الضفة الغربية وسئمت البناء في المستوطنات ولم تعد هناك ثقة بالتصريحات الإسرائيلية حول اليد المدودة للسلام والرغبة في التقدم نحو دولة فلسطينية». ورأى أن «الانهيار السياسي في الأمم المتحدة والهزيمة الدبلوماسية الإسرائيلية المهينة، هي نتيجة لسياسة رئيس الحكومة نتنياهو».
في المقابل، رأى المحلل السياسي الاقتصادي في صحيفة «يديعوت أحرونوت»، سيفر بلوتسكير، أن «دول العالم لم تصوِّت لمصلحة الفلسطينيين فقط، بل لمصلحة إسرائيل أيضاً، لجهة أنها دولة ذات سيادة ومستقلة ومنفصلة عن فلسطين والفلسطينيين، وبمنحها اعترافاً بدولة الفلسطينيين، منحت الأمم المتحدة مرة أخرى منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية، اعترافها بدولة اليهود». وشدد على أن قرار الأمم المتحدة «ليس معادياً لإسرائيل إلا بنظر الإسرائيليين الذين يعارضون فكرة الدولتين».
أما المحلل السياسي في صحيفة «إسرائيل اليوم»، المقرّبة من نتنياهو، دان مرغليت، فرأى أن ما تسميه إسرائيل «الأقلية الأخلاقية» في الأمم المتحدة المتمثلة بالدول الغربية «هربت إلى المعسكر الخصم الذي يؤيد الفلسطينيين». ولفت إلى أن إسرائيل ترفض هذه الخطوة، لكنها تبدي تفهماً لمصلحته بالحصول على قرار كهذا، يتعدى كونه حركة بهلوانية غايته الحفاظ على بقائه زعيماً لشعبه». ورأى أن على إسرائيل ألا تعارض الخطوة الفلسطينية، بل الوقوف جانباً.
من جهته، رأى المحلل السياسي في صحيفة «معاريف»، أوري افنيري، أن المجتمع الدولي أكد رسمياً الآن أن هدفه هو إقامة دولة فلسطين، وأن حل الدولتين بات الآن الحل الوحيد الموجود على الطاولة.