الدوحة | انطلقت أمس صافرة الشوط الثاني لمفاوضات تغير المناخ، التي يُتوقع أن تكون أكثر حماسة مع وصول وزراء الدول الأطراف في الاتفاقية الإطارية التي ترعاها الأمم المتحدة، والذين عليهم حل ملفين رئيسيين: إقرار مرحلة ثانية لالتزامات بروتوكول كيوتو، والمساعدات المالية لدول الجنوب.
وتسعى قطر الى أن تظهر مبادرة «حسن ضيافة»، حيث يُتوقع أن يعلن غداً الأمير حمد بن خليفة آل ثاني، التزام بلاده بوضع أهداف واضحة لخفض انبعاثاتها من الغازات المُسبّبة للاحتباس الحراري، إضافة الى الالتزام بضخ أموال في الصندوق الأخضر «الفارغ» بسبب إحجام الدول المتقدمة، حتى اللحظة، عن الوفاء بالتزاماتها، متذرعة بالأزمة المالية العالمية.
وقال رئيس اللجنة القطرية المُنظمة لمحادثات المناخ في الدوحة، فهد بن محمد العطية، «نحتاج إلى تنويع سلة الطاقة التي نستخدمها». وتعتزم قطر الدولة العضو في منظمة الدول المصدّرة للنفط (أوبك) دعوة الشركات لتقديم عروض لبناء محطة للطاقة الشمسية بقدرة 1800 ميغاوات في 2014 بتكلفة بين عشرة مليارات و20 مليار دولار في إطار سعيها لزيادة الاعتماد على المصادر المتجددة للطاقة. ولدى قطر أعلى نصيب للفرد من انبعاثات الغازات المُسببة للاحتباس الحراري في العالم. ولم يذكر العطية رقماً محدداً لكميات انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون التي سيزيلها المشروع، لكنه قال إنها ستكون كمية كبيرة. كما يتوقع أن تقدم كل من الكويت ولبنان والإمارات والدومينيكان والسعودية لائحة أهداف لخفض انبعاثاتها. منسقة حملة الطاقة والمناخ في منظمة «غرين بيس»، صفاء الجيوسي، قالت إنها تعول على أن تستند هذه التعهدات الى مشاريع تعتمد الطاقة البديلة والنظيفة، لا الطاقة النووية الملوثة، على غرار المشاريع التي بدأ التحضير لها في عدد من الدول العربية.
وفيما لو صحّت هذه التوقعات، التي رجحها لـ«الأخبار» مصدر غير حكومي على صلة وثيقة بالمفاوضات، فإن قطر، ومن سيحذو حذوها من الدول النامية، تكون قد قدّمت نموذجاً غير مرحب به من قبل العديد من الدول المتقدمة والنامية على حد سواء. فمن جهة، سيشكل الإعلان عن تقديم أموال حرجاً غير مسبوق للدول المتقدمة، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية، التي يُفترض أنها تعهدت بتقديم ما لا يقل عن ١٠٠ مليار دولار للدول النامية في غضون عام ٢٠٢٠.
في المقابل، يشكل الإعلان عن تقديم تعهد بخفض نسبة الانبعاثات من قبل دولة نامية ضرباً للموقف الذي سعت الصين من خلال مجموعة الـ ٧٧ إلى المحافظة عليه، والقائل بضرورة أن تقدم الدول الصناعية تعهداتها كاملة، قبل أن تقوم الدول النامية بهذه الخطوة.
وبموازاة هذه المفاوضات الأممية الطويلة والمعقدة، تتفاقم الأخبار السيئة حول ارتفاع حرارة الكرة الأرضية. فقد أشارت دراسة، صدرت أول من أمس، الى أن وتيرة تضاعف انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون التي تجاوزت 3 في المئة سنوياً بين 2000 و2011 قد تؤدي الى ارتفاع في حرارة الكوكب يفوق 5 درجات مئوية عام 2100، ما يمثل زيادة 3 درجات على الحد الأقصى الذي حدده العلماء، قبل أن تبدأ فوضى مناخية. في هذا الوقت، قالت مسؤولة المناخ لدى الأمم المتحدة، كريستيانا فيغويريس، في مؤتمر صحافي، أمس، إن «ما يثير استيائي هو ابتعادنا الكبير عما يوصينا به العلم «لاحتواء الاحتباس الحراري. وأضافت «لكن ما يمنحني الأمل هو إحراز هذه العملية منذ عامين أو ثلاثة تقدماً أكثر مما أحرز في السنوات العشر الفائتة».
ورداً على سؤال «الأخبار» حول ما إذا كانت عبارة «نحتاج الى المزيد من الوقت» ستتردّد كثيراً في اليوم الأخير لمؤتمر الدوحة، قالت فيغويريس «أتفهم حماسة الشباب التواقين الى التغيير، وأعرف أنهم يطمحون الى أن نصل الى نتائج جيدة».
وقال علي فخري، من منظمة «اندي أكت» غير الحكومية، «إنهم يفاوضون على حياتنا وعلى حياة الأجيال المقبلة، لذا من غير المقبول أن يعلنوا أنهم يحتاجون الى المزيد من الوقت». ويُعد تمديد بروتوكول كيوتو من الأهداف التي «لا تراجع عنها» في اجتماع الدوحة، ويعتبر البروتوكول الأداة الوحيدة المُلزمة قانونياً التي تفرض على الدول الصناعية وغيرها تقليص انبعاثاتها من غازات الدفيئة، وذلك بعد انتهاء مرحلة الالتزامات الأولى في أواخر كانون الأول.
ويجري العمل على إبرام اتفاق عالمي قبل نهاية 2015 يشمل جميع الدول، ومنها الملوثان الأكبران، أي الصين والولايات المتحدة اللتان لم توقّعا على كيوتو، بحيث يدخل حيز التنفيذ عام 2020.
وقالت فيغويريس «في نهاية مؤتمر الدوحة، ينبغي إقرار التعديلات الضرورية لبدء مرحلة التزامات ثانية في البروتوكول اعتباراً من الأول من كانون الثاني 2013». لكن بعد أسبوع من المفاوضات، لم تحدد التفاصيل بعد، فيما يجري صراع قوة بين ائتلاف الجزر الصغيرة المعرضة الى حد كبير لمخاطر ارتفاع مستوى البحار، والاتحاد الأوروبي اللاعب الرئيسي في مفاوضات المرحلة الثانية لاتفاق كيوتو بعد تراجع اليابان وكندا وروسيا ونيوزيلاند.
وأقر مفاوض أوروبي، رفض الكشف عن اسمه، بأن «هناك دائماً تشنجاً مع ائتلاف الجزر الصغرى»، متحدثاً عن «موقف جذري يهدد مستقبل البروتوكول». فمن بين نقاط التوتر الكثيرة، يطالب الائتلاف بمهلة لمرحلة الالتزامات الثانية لا تتجاوز 5 سنوات عوضاً عن 8، كما يريد الاتحاد الأوروبي «لتجنب جمود طويل في الأهداف القليلة الطموح لتقليص انبعاثات غازات الدفيئة». كذلك تبرز نقطة خلاف حساسة متمثلة في حصص «الهواء الحار»، وهي فائض الانبعاثات التي ورثتها دول شرق أوروبا من مرحلة الالتزامات الأولى وتريد مواصلة استغلالها في المرحلة الثانية.



الدولة النامية تطلب ٦٠ ملياراً

يُشارك وزراء البيئة والطاقة بشكل خاص ونحو 20 رئيس دولة اعتباراً من اليوم في القمة المناخية في الدوحة. ويتطرق المشاركون الى مساعدة الدول الأكثر عرضة لعواقب التغير المناخي. وطلبت الدول النامية 60 مليار دولار حتى عام 2015 لضمان مرحلة انتقالية بين المساعدة الطارئة المقررة في قمة كوبنهاغن في أواخر 2009 بقيمة 30 مليار دولار لفترة 2010 - 2012 والمساعدات بقيمة 100 مليار حتى عام 2020. وكشف مفاوض عربي لـ«الأخبار» أن ما يزعج الاتحاد الأوروبي هو مطالبة الدول النامية بأن تكون هناك آلية لضمان أن الأموال التي يعلن أنها ذهبت الى الصندوق الأخضر لا تتعارض مع أموال سبق أن دفعت ضمن برامج مساعدات أخرى، على غرار ما حصل في المساعدات السريعة التي أعلن عنها في كوبنهاغن، والتي تبين أن ما يزيد على ٢٠ في المئة سبق أن أعلن عنها في برامج مساعدات أخرى. ويبدو واضحاً أن الدول المتقدمة لا تبدو متحمسة للإعلان عن أي مساعدات مالية في الدوحة.