احتل قرار الحكومة الإسرائيلية الاستيطاني، صدارة الاهتمام السياسي والإعلامي في الدولة العبرية، ورأت واشنطن أن الخطوة الإسرائيلية ستؤدي إلى «تراجع قضية السلام»، فيما استدعت باريس ولندن واستوكهولم، السفير الإسرائيلي لدى كل منها، للاحتجاج والتعبير عن الاستياء والقلق من هذا المشروع الاستيطاني، من دون أن يؤدي ذلك إلى تراجع إسرائيل، بل زادها تعنّتاً بالمضي في قرار بناء 3000 وحدة استيطانية في منطقة «أي 1» بين مستوطنة معاليه أدوميم والقدس الشرقية المحتلة.
وفي ظل تأكيد العواصم الأوروبية، للعقبة التي يشكلها هذا المشروع في طريق حل الدولتين، وصف وزير الخارجية الفرنسية لوران فابيوس القرار الإسرائيلي بالخطير، وسينسف الثقة اللازمة لاستئناف الحوار بين الطرفين الإسرائيلي والفلسطيني.
لكن في ما يتعلق بإمكانية استدعاء السفيرين الفرنسي والبريطاني، أكد المتحدث باسم الخارجية الفرنسية فانسان فورياني، وجود «وسائل أخرى للتعبير عن استيائنا»، ورأت الخارجية البريطانية أن «أي قرار حول إجراءات أخرى تتخذها المملكة المتحدة رهن بالنقاشات الجارية مع الحكومة الإسرائيلية وشركائنا الدوليين، ومن بينهم الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي».
في موازاة ذلك، وجهت الخارجية الألمانية دعوة صريحة للحكومة الإسرائيلية بالتراجع عن قراراتها بتوسيع الاستيطان، وطلبت الخارجية الروسية من إسرائيل إعادة النظر في قراراتها الاستيطانية.
أميركياً، قال المتحدث باسم البيت الأبيض جاي كارني: «نطلب من المسؤولين الإسرائيليين إعادة النظر في هذه القرارات الأحادية والتحلي بضبط النفس؛ لأن هذه الأعمال تعطي نتائج عكسية وتجعل استئناف المفاوضات المباشرة بين إسرائيل والفلسطينيين أكثر صعوبة». بدورها، ذكرت «نيويورك تايمز» أن البيت الأبيض أعرب عن غضبه الشديد على إسرائيل لقرارها تنفيذ خطة بناء آلاف الوحدات السكنية حول القدس والمستوطنات. وأكدت أن الرئيس الأميركي باراك اوباما فضَّل، عندما علم بالقرار الإسرائيلي، ألّا يتصل برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.
أما صحيفة «هآرتس»، فرأت أن الولايات المتحدة أظهرت ضبطاً للنفس أمام الكاميرات، بهدف تهدئة الوضع، لأنهم يفهمون جيداً الحاجة السياسية الداخلية لنتنياهو، على أبواب الانتخابات العامة، للردّ بشدة على الإذلال الذي تعرضت له إسرائيل من قبل أغلب دول العالم، بالاعتراف بالدولة الفلسطينية.
لكن رغم الحملة الغربية، أعلن مصدر في مكتب نتنياهو أن اسرائيل لن ترضخ للضغوط الدولية. وقال المصدر ان «اسرائيل ما زالت تصر على مصالحها الحيوية حتى تحت ضغوط دولية ولن يكون هناك اي تغيير في القرار الذي اتُّخذ». واضاف «ان التوجه الفلسطيني الى الامم المتحدة يُعدّ خرقاً صارخاً وأساسياً للاتفاقيات التي ضمنتها الاسرة الدولية».
كذلك رأى وزير المالية يوفال شطاينتس، أن ردود فعل الدول الأوروبية والأميركية كانت متوقعة، ولم يكن لدينا شك في أن الاوروبيين والأميركيين سيسمعوننا احتجاجات ضد قرار البناء في منطقة «إي ـ1»، مضيفاً أنهم يدركون أن على إسرائيل ان ترد، اذ من غير المحتمل أن تدير إسرائيل خدها الآخر للخطوة الفلسطينية.
وترافق هذا التعنت الإسرائلي مع إعلان وزارة الداخلية أنها تعتزم أن تطلق مجدداً مشروع بناء 1600 وحدة سكنية في رامات شلومو، الحي الاستيطاني في القدس الشرقية المحتلة، الذي كانت واشنطن قد أدانته في 2010.
وأعلنت متحدثة باسم الوزارة أن «لجنة وزارة الداخلية للقدس ستجتمع في غضون أسبوعين لبحث اعتراضات محتملة على برنامج (البناء) الذي كانت تمت الموافقة عليه قبل أكثر من عامين». وكانت إسرئيل قد لجأت إلى تجميد هذا المشروع بعدما أثار أزمة دبلوماسية خطيرة بين الولايات المتحدة وإسرائيل أثناء زيارة نائب الرئيس الأميركي جو بايدن للقدس في آذار 2010.
إلى ذلك، رأت رئيسة حزب «الحركة»، وزير الخارجية السابقة، تسيبي ليفني أن «حكومة نتنياهو تشكّل خطراً على إسرائيل»، لافتة إلى أن «الأنباء الأخيرة حول فرنسا وبريطانيا تثبت مرة أخرى أن الخطوات الدبلوماسية للحكومة سيئة لإسرائيل»، وأن «إعلان البناء الاستيطاني يعزل إسرائيل ويستدعي ضغوطاً دولية»، مشيرة إلى أن «مخططات البناء لن تنفذ أصلاً».
من جهته، حاول وزير الدفاع ايهود باراك، التقليل من أهمية ومفاعيل الخطوة الاستيطانية التي أقدمت عليها السباعية الوزارية، وأكد للمسؤولين الاميركيين أنه طُرحت خلال الجلسة خطوات أكثر تطرفاً، لكنها رُفضت، مشيراً إلى أن القرار الذي اتُّخذ هو لاعتبارات انتخابية ومن أجل كسب أصوات اليمين.



فرنسا لا تفضل العقوبات

أعرب الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند(الصور)، أمس، عن قلق بلاده من قرار إسرائيل بناء مستوطنات جديدة في الضفة الغربية، إلاّ أنه أضاف أن فرنسا تفضّل اتباع منطق الإقناع مع إسرائيل، لا منطق العقوبات. وقال هولاند، بعد قمة فرنسية ـ إيطالية جمعته إلى رئيس الوزراء ماريو مونتي، ووزيري الخارجية وكبار المسؤولين من البلدين في مدينة ليون، إن «مصدر قلقنا الأكبر هو إقامة مستوطنات جديدة مع كل ما يمكن أن يحمل ذلك من تداعيات على عملية السلام»، غير أنه أضاف: «لا نريد أن ندخل في منطق عقوبات (مع إسرائيل)، ولكن في عملية إقناع». وأكد أن «الاستيطان غير قانوني».
وصدر عن القمة الفرنسية ــ الإيطالية بيان مشترك أشار إلى أنه بعد منح فلسطين مكانة دولة مراقب في الأمم المتحدة، فإن الدعوة موجهة الى «الفلسطينيين والإسرائيليين إلى استئناف المفاوضات في أسرع وقت ممكن للوصول إلى اتفاق عادل وشامل». وأعرب الجانبان عن أملهما أن يتعزز اتفاق وقف النار بين الفصائل الفلسطينية في غزة وإسرائيل وتشجيعهما للطرفين بتفادي أية مبادرات أحادية الجانب قد تعقّد استئناف المفاوضات. بدورها، حثت روسيا إسرائيل على إعادة النظر في خطط التوسع بالضفة الغربية المحتلة، وانتقدت إعلان اسرائيل حجب إيرادات الضرائب الفلسطينية. وقال بيان وزارة الخارجية إن روسيا «تنظر إلى هذه النيات الاسرائيلية بأكبر قدر من القلق». وأضاف: «تنفيذ خطط معلنة لنشاط استيطاني على نطاق كبير سيكون له أثر سلبي على جهود استئناف المفاوضات المباشرة التي تهدف إلى حل الدولتين للصراع الفلسطيني الإسرائيلي».
(يو بي آي، رويترز)