بعد التصريحات الغربية المتعدّدة التي تهدّد سوريا بردّ فعل قوي في حال استخدامها للسلاح الكيميائي، قال نائب وزير الخارجية السوري، فيصل مقداد، إنّه يخشى أن يكون تعبير الدول الغربية عن خوفها من احتمال استخدام دمشق أسلحة كيميائية هو للتمهيد للتدخل في البلاد. وأضاف مقداد، في مقابلة تلفزيونية، أنّ التقارير الإعلامية التي نقلت عن مسؤولي استخبارات أميركيين وأوروبيين قولهم إن سوريا تجهّز أسلحة كيميائية ويحتمل أن تستخدمها «مسرحية». وقال مقداد «إنّ سوريا تؤكد مجدّداً، للمرة العاشرة بعد المئة، أنّها إذا كانت تملك هذه الأسلحة فلن تستخدمها ضد الشعب، لأنها لا تريد أن تقدم على الانتحار». واستطرد أنّه إذا فكرت القوى الاجنبية فعلياً في «العدوان»، فعليها أن تفكر في العواقب. وعبّر عن اعتقاده بأنّ الثمن سيكون باهظاً وأنّ على هذه القوى أن تفهم أنها تعرض المنطقة كلها ومحيطها للخطر، إذا ارتكبت هذه الحماقة. كما رأى أنّ أعداء سوريا قد يعطون «الارهابيين» أسلحة كيميائية، ثمّ يلقون اللوم في استخدامها على دمشق. وصرّح بأنّ سوريا ستواصل حربها ضد المسلحين، وأنّ السلطات السورية لن تشغل نفسها بهذه الحرب النفسية وستسمرّ في معركتها ضد «الارهاب».
في السياق، قال وزير الدفاع الأميركي، ليون بانيتا، إنّ الولايات المتحدة حصلت على معلومات تثير قلقاً بالغاً، تفيد بأنّ حكومة الرئيس السوري بشار الأسد تدرس استخدام أسلحة كيميائية. وأضاف «أعتقد أننا ما زلنا نشعر بقلق شديد من أنّه مع تقدم المعارضة، ولا سيّما باتجاه دمشق، فقد يدرس النظام بقوة استخدام الأسلحة الكيمياوية».
بدوره، حذّر الأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون، النظام السوري من أنّ استخدام الأسلحة الكيميائية في النزاع الدائر في سوريا سيؤدي إلى ملاحقته قضائياً. وقال بان، في مؤتمر صحافي مشترك مع رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي في بغداد، إنّه «في أيّ حالة كانت، إذا استخدمت الأسلحة الكيميائية فإنّ من يستخدمها سيلاحق قضائياً». وتابع الأمين العام للأمم المتحدة «لقد عبرت عن مخاوفي للحكومة السورية»، مضيفاً أنّ استخدام هذه الأسلحة ستكون له «تبعات خطيرة على الشعب».
في السياق، أعلن المتحدث الرسمي باسم بان كي مون، مارتين نيسيركي، أنّ الأمين العام بعث برسالة إلى الرئيس السوري بشار الأسد، طلب فيها عدم استخدام السلاح الكيميائي ضدّ المعارضة. وقال المتحدث إنّ بان أبلغ المدير العام لمنظمة حظر الاسلحة الكيميائية، أحمد اوزومجو، على مضمون هذه الرسالة، وذلك خلال مكالمة هاتفية معه.
وقال نيسيركي إنّ بان أحاط أوزومجو علماً بأنّه «دعا الرئيس الأسد من جديد إلى الامتناع عن استخدام الأسلحة الكيماوية في أيّ حال من الأحوال، وشدّد على أنّ المسؤولية الرئيسية عن ضمان أمن مخزونات هذه الأسلحة وحمايتها تقع على عاتق الحكومة السورية».
بدوره، قال مساعد وزير الدفاع الأميركي، جيمس ميلر، الذي يزور بغداد، أيضاً، إنّ استخدام الأسلحة الكيميائية «خط أحمر»، مكرّراً بذلك التحذير الذي أطلقه الرئيس الأميركي باراك أوباما. في السياق، نقلت شبكة «أن بي سي» التلفزيونية الأميركية، أول من أمس، عن «مسؤولين أميركيين» قولهم إنّ الجيش السوري زوّد قنابل بالمواد الكيميائية المولدة لغاز السارين، وينتظر أوامر نهائية من الرئيس بشار الأسد لالقائها من طائرات. من جهتها، ذكرت شبكة «سي أن أن» التلفزيونية أنّ وزارة الدفاع الأميركية والاستخبارات يتشاوران مع جيران سوريا، في تركيا وإسرائيل والأردن، حول ما يتعيّن القيام به في حال استخدم النظام السوري الأسلحة الكيميائية. في موازاة ذلك، قال الوسيط العربي الدولي بشأن سوريا، الأخضر الإبراهيمي، بعد اجتماع مع وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون ونظيرها الروسي سيرغي لافروف إنّ روسيا والولايات المتحدة ستبحثان عن حلّ «خلاق» للأزمة السورية.
وأضاف الإبراهيمي، بعد الاجتماع على هامش مؤتمر في دبلن، «لم نتخذ أيّ قرارات مثيرة». وتابع «اتفقنا على أنّ الوضع سيئ، واتفقنا على أنّنا يجب أن نواصل العمل معاً لنرى كيف يمكننا العثور على سبل خلاقة لوضع هذه المشكلة تحت السيطرة».
في سياق آخر، وافقت الحكومة الألمانية على ارسال بطاريتي صواريخ «باتريوت» إلى تركيا، وتتوقع نشر ما يصل إلى 400 جندي ألماني لحماية هذه الدولة من تهديدات سورية محتملة. والتدخل الذي يأتي تحت قيادة حلف شمالي الاطلسي، ما زال يجب أن يحظى بموافقة النواب لأن الجيش الألماني يخضع لسلطة مجلس النواب.
لكن التصويت الذي يرتقب أن يحصل بين 12 و 14 كانون الأول يتوقّع أنّ يكون شكلياً لأنّ أبرز مجموعة معارضة، الاشتراكيون-الديموقراطيون، لمّحت إلى أنّها ستصوت بـ«نعم» مع غالبية المستشارة الألمانية انجيلا ميركل. وقال وزير الدفاع الألماني، توماس دي ميزيير، إنّ «الأفكار، لا سيّما حول مكان نشر هذه البطاريات، لم تنته بالكامل بعد».
من جهته، علّق وزير الخارجية، غيدو فسترفيلي، بالقول «إنّه قرار خطير في مواجهة وضع خطير». وذكر أنّه «بسبب النزاع في سوريا سقط قتلى في تركيا». واكد الوزيران باصرار على الطابع الدفاعي للتدخل الألماني. وقال دو ميزيير إنّ مشروع المهمة تصل مدته حتى 31 كانون الثاني 2014، لكن «أمامنا احتمال انهاء هذا التدخل قبل هذا الموعد».
ورأى فسترفيلي أنّه «لا نعلم أبداً ما يمكن أن يقوم به نظام ينهار. لذلك من الطبيعي التحرك وقائياً»، قائلاً، في الوقت نفسه، إنّ المهمة «لا تشمل بمطلق الأحوال تدخلاً محتملاً (على الاراضي السورية)». وأضاف أنّ استخدام أسلحة كيميائية ليس خطاً أحمر «يرسمه حلف الأطلسي أو الغربيون، إنّه خط أحمر تحدده المجموعة الدولية بأسرها». وتابع «إذا استخدمت مثل هذه الأسلحة، ليس لدي أيّ شكّ بأنّ ذلك سيخلق وضعاً جديداً في الأمم المتحدة وأنّه حتى روسيا والصين ستعيدان النظر في مواقفهما».
(أ ف ب، رويترز، يو بي آي)