وبتعبير أدقّ، فإنّ فرنسا وقفت خلفه لعدة أسباب، منها دعم مساعيها داخل الاتحاد الأوروبي لاقناعه برفع حظر تسليح المعارضة السورية، وإظهار أنّ المعارضة وصلت ميدانياً إلى مرحلة تحقيق النصر الحاسم. لذا لا بدّ للمجتمع الدولي من أن يحذو حذو باريس في مجال الاعتراف بالائتلاف السوري ممثلاً للشعب السوري، وليس فقط محاوراً وحيداً عن المعارضة.
وثمّة أسباب أخرى أظهرتها مجريات وقائع النقاشات، التي شهدها مؤتمر الدوحة، ومنها محاولات فرنسا استعجال اسقاط النظام عبر الحضّ على اتباع نظرية «حرق المراحل»، وتزخيم التصعيد العسكري والسياسي، وأيضاً تعهدها معالجة إشكالية خوف الغرب من أنّ المعارضة العسكرية مشبعة بخلايا «القاعدة» والعناصر المنقادة من أجندات سلفية متطرفة.
خطة جبهات المدن الخمس
بالعودة إلى ما حدث في مؤتمر الدوحة وعلاقته بمجمل الوضع العسكري في سوريا، وضمنه معركة دمشق وملفّ تنظيم المعارضة السورية، كشفت مصادر مطلعة لـ«الأخبار» أنّ مواقف دول «أصدقاء الشعب السوري» لم تكن متجانسة خلال مؤتمر الدوحة، بينما انفردت باريس بتبنيها تزخيم التصعيد السياسي والعسكري ضد النظام، فيما واشنطن، وبدرجة أقلّ لندن، ارتأت أنّ من الأفضل في هذه المرحلة الاكتفاء بتشديد العقوبات الاقتصادية وبذل جهود متتالية لتنظيم المعارضة، تحت سقف الائتلاف الحديث، وتنقية صفوفه من المتطرفين، من دون التخلص منهم، لأنّه لا يزال لديهم «استخدام» في مجال اضعاف النظام. وتمّ التداول في كواليس المؤتمر، بورقة عمل سرية، تضمنت معطيات أمنية للنقاش، بوصفها إشكالات تدعو للحذر بشأن تسليح المعارضة.
وأبرز نقاط الورقة ناقشت محورين اثنين، الأول وظيفة الائتلاف الوطني العملانية، وذلك تحت باب تبرير موجبات قيامه. وفي هذا السياق، طرحت الورقة أنّه «سيكون أمام الائتلاف تحديات عدة يجب إثبات جدارته حيالها:
1- توحيد قيادة المساعدات الانسانية للداخل السوري وللنازحين، بحيث تصل هذه المساعدات إلى كل السوريين، وحلّ مشكلة تتمثّل بأنّ هذه المساعدات تصل فقط عبر قناة الاخوان المسلمين، الذين يقومون بتوزيعها حصراً على مقربين منهم.
2- والمطلب الأهم، هو أنّه سيكون على الائتلاف تنظيم المقاتلين، وفق خطة انشاء خمس جبهات حول المدن الأساسية في سوريا، ويتشكّل عديد مجموعات هذه الجبهات الخمس، من مقاتلين موالين للائتلاف الوطني السوري المعارض، وهم حصراً ــ بحسب إحصاءات الاستخبارات الغربية ــ يشكلون ثلثي المقاتلين داخل سوريا اليوم، والهدف من ذلك التخلص من ثلث المقاتلين السلفيين الباقين، الذين لا يدينون بالولاء إلا لأنفسهم».
الأمر الثالث، الذي طرحته ورقة العمل السرية على صلة بقضية تسليح المعارضة السورية. وضمن هذه الجزئية، طرح الائتلاف الوطني فكرة رفع الحظر عن تسليح المعارضة، بحيث لا يعود مقنّناً، بينما اعتبرت فرنسا أنّ أيّ انخراط نوعي لها في تسليح المعارضة يجب أن يمرّ بقرار برفع الحظر الأوروبي المفروض على سوريا، والذي يتطلب إجماع الـ٢٧ دولة. ومقابل ذلك طرح الائتلاف على فرنسا التحرك في هذا المجال، ورّدت باريس بأنّ البحث جارٍ مع الشركاء الأوروبيين حول هذا الموضوع. وهنا أثار الفرنسيون مسألة أنّ التسليح مرتبط أيضاً «بدرء الخطر الجهادي عن المعارضة السورية»، حيث الغرب متوافق على الأحجام عن تسليح المعارضة غير المنظمة، وردّ الائتلاف بأنّ هذا التوجه أدّى إلى جعل القوى السلفية هي الأكثر تسليحاً لاعتمادها على شبكات تمويل خاصة ترعاها دول خليجية. ويطرح هذا الواقع سؤالاً عن جدوى رفض تسليح المعارضة، ووعدت باريس بأنّ تثير هذا السؤال للنقاش، أوروبياً، خلال مداولات مجلس الشؤون الخارجية الأوروبية، الذي انعقد في النصف الثاني من الشهر الماضي. لكن نتائج إجابة الأخير عليه ظلت سرية.
وتلاحظ المصادر المواكبة لمؤتمر الدوحة أنّ فرنسا ظهرت أنها مستعجلة لتزخيم الحراك السوري، أقله من خلال تعهدها بأنّ قرار تسليحها للمعارضة سيتجاوز الحذر الأميركي، عبر جعل بتّها مرتبطاً بموافقة أوروبية لا دولية. لكن التطورات اللاحقة لمؤتمر الدوحة، أظهرت أنّ باريس فشلت في سعيها إلى تنصيب نفسها قائدة للوضع الدولي تجاه سوريا، وأنّها تحتاج إلى دفع دولي ترأسه واشنطن. وجاءت أحداث غزة لتستقطع وقتاً من الجهد الدبلوماسي الدولي المكرّس للوضع السوري.
مسار الفشل الفرنسي
بعد انتهاء مؤتمر الدوحة، ساد نقد، حتى داخل الإليزيه، حول جدوى خطوة الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند «المتقدمة»، التي اعترف بموجبها بـ«الائتلاف الوطني لقوى المعارضة والثورة السورية، ممثلاً وحيداً للشعب السوري، وبصفته الحكومة المستقبلية لسوريا الديموقراطية بعد الأسد».
وعدّد هولاند، بحسب مصادر دبلوماسية، ثلاثة أسباب لتفرده بالاقدام على خطوة الاعتراف بالائتلاف، التي أحجمت عنها كل من لندن وواشنطن؛ الأولى لأنّه تأكد على أنّه معني باستمرار التزامه بالموقف الدبلوماسي، الذي سبق وقطعه على نفسه، بخصوص انّه سيسارع للاعتراف بحكومة المعارضة فور إعلانها. السبب الثاني، لأنّه يرى أنّه يجب تسريع التحرك العسكري والسياسي لعدم قطع زخم الاتفاق الخاص بانشاء الائتلاف الوطني، الذي أبرم في الدوحة بعد صعوبات. السبب الثالث، حرصه على أن تكون باريس السبّاقة للاعتراف بالائتلاف السوري المعارض، داخل الساحة الدولية، في رغبة منه أن تكرّر فرنسا في سوريا نفس الدور الذي لعبته في ليبيا. كما انفرد حينها ساركوزي باستقبال المجلس الوطني الانتقالي الليبي، وكانت تلك أول إشارات التدخل الغربي لترجيح كفة الثوار في ليبيا، فإن هولاند استعجل خلال الشهر الماضي تعيين سفير للائتلاف في باريس، وهو المعارض السوري المنفي منذ سنوات منذر ماخوس، وذلك على اثر استقباله رئيس الائتلاف المعارض معاذ الخطيب. لكن باريس، لاحظت أنّه في اثر خطوتها هذه، لم تتغير تحفظات كلّ من لندن وواشنطن حيال الملف السوري. ولم يتطوّر الموقف الدولي عملياً ضد سوريا، كما حصل في الحالة الليبية. وحتى جامعة الدول العربية، التي تعوّل باريس كثيراً على موقفها كرافعة للمعارضة السورية، فإنّ اعترافها بالائتلاف ظلّ مشوباً بشيء من الغموض، كقولها إنّ الائتلاف هو محاور أساسي عن المعارضة وليس ممثلاً للشعب السوري. وشعرت باريس بأنّها تسرعت في سعيها لاسقاط تجربتها الريادية في الملف الليبي، على الملف السوري، وخصوصاً أنّ خطوة تعيينها لسفير للائتلاف في باريس، طرح في اثره تساؤلات قانونية، نظراً لأنه لم تشكّل بعد حكومة سورية معارضة، لا في سوريا ولا خارجها، حيث تصرّ بريطانيا وأميركا على تدارس الاعتراف بكيان للمعارضة السورية بعد تشكيلها فقط. وضمن مواصفات هذه التطورات، بدت باريس داخل الساحة الدولية كمن يفتعل حرق المراحل للإيحاء بأنّ الأمور تتسارع في سوريا لمصلحة عزل النظام بشكل أكبر. وجادلت باريس لإثبات جدوى موقفها، وخصوصاً أمام واشنطن. وتروي مصادر دبلوماسية أنّ الحجج، التي قدمتها لإقناع شركائها الغربيين بصوابية مواقفها، تمثلت أساساً، بادعائها، بأنها «اعترفت بالائتلاف لأنها تريد ترجيح كفة المسلمين المعتدلين على السلفيين داخل المجموعات المقاتلة وأطياف القوى السياسية». لكن ظلت واشنطن ولندن على موقفهما، بخصوص أنّ الائتلاف لا بدّ له حتى ينال الثقة الدولية أن ينجح بالامتحانين اللذين سبق ذكرهما، توحيد قيادة المساعدات الانسانية، وبناء الجبهات الخمس بواسطة مقاتلين يدينون بالولاء اليه، وليس للمجموعات المتطرفة. وتوقعت مصادر واكبت هذا النقاش في مؤتمر الدوحة أن تؤدي الخطة الجديدة إلى نشوب حرب بين السلفيين والإسلاميين الآخرين المتصفين بالمعتدلين، داخل الحرب القائمة بين النظام والمعارضة.
سيناريو فاشل لاغتيال الأسد
ضمن تطبيقات نظرية «حرق المراحل»، التي تقودها باريس، وبتعاطف مشروط من قبل بريطانيا، برزت معلومات لا تزال يعوزها التأكيد، تقول إنّه داخل «معركة دمشق» تواجد سيناريو باء بالفشل لاغتيال الرئيس بشار الأسد، عبر استخدام سرب طائرات أردنية يغطّ في مطار سوري (المطار الدولي أو مطار المزة)، ومنه تنطلق في عملية إغارة على مقار يعتقد أنّ الأسد يتواجد بها. وهكذا تبدو عملية الاغتيال وكأنها جرت من الداخل، على أيدي المعارضة، ما يمنع الحرج الأميركي تجاه روسيا. تجدر الإشارة في هذا المجال إلى المعلومة، التي تأكدت خلال الأسبوعين الماضيين، عن فتح الاستخبارات البريطانية مكتباً لها في العاصمة الأردنية، ليمارس دور لوجستي مباشر داخل سوريا.