بات المجتمع المصري على شفا خطوات وشيكة من معركة سياسية تقودها النخبة الليبرالية واليسارية والإسلامية، يكون عنوانها «الكل ضد الكل». معركة لا تستخدم فيها الأدوات السياسية فقط أو الإعلامية، بل تمتد إلى الحجارة والمولوتوف والأسلحة، بينما يظل المواطن العادي ينتظر ما ستسفر عنه المعركة.
أما المراقبون فيضعون نصب أعينهم موقفي الشرطة والجيش، بوصفهما صاحبي أدوات القوة. ولا يزال جزء رئيسي من الشارع ينظر إلى الجيش تحديداً على أنه المنقذ في أي تصاعد لوتيرة الأحداث، فيما ترى المعارضة في الجيش المؤسسة التي ستحسم الصراع لصالحها في معركة إسقاط مرسي ونزع الشرعية عنه. في المقابل، يتوسم مرسي وجماعة الإخوان أن المؤسسة ستنحاز للشرعية وتحميها من بطش المعارضة.
أما الشرطة فيغلب عليها حالياً الحياد. وهو حياد وصفته قيادات من الإخوان بأنه يحمل نوعاً من الرعونة وعدم الحسم مع من يحاول اقتحام مقارها. لكن موقف الشرطة رحبت به القوى المعارضة من دون أن يمنعها ذلك من أن تتهم الشرطة أحياناً بالانحياز للإخوان في بعض المعارك.
ويبقى السؤال الأبرز متى تتدخل هذه المؤسسات في ظل صمت تام للجيش وعدم صدور أي رد فعل منه حتى الآن، باستثناء تصريح للحرس الجمهوري أكد فيه أن مهمته حماية المنشآت الرئاسية وأنهم لن يعتدوا على المواطنين.
الدكتور محمد صفار، رئيس مركز حوار الثقافات والدراسات الحضارية في جامعة القاهرة، رأى أن الجيش أقل عداء للإسلاميين. فمنذ عام 1952 وحتى الآن وقادة الجيش والرؤساء يعملون على إبعاد الجيش عن أي تيارات سياسية وفكرية. وكل ما يقوم به جهاز الشؤون المعنوية هو التأكيد على الدور الوطني للجيش والفضل التاريخي له على الدولة وأحقية قيادته لها.
ويذهب صفار إلى أن الجيش اتعظ من المواقف السابقة «بعدما رأى ما أدى إليه انخراطه في العملية السياسية، ومن ثم بات غير قادر على حسم المسألة بسبب الدم، فضلا عن أنه حال انحيازه لطرف ضد طرف سينظر إليه على أنه خائن».
وأكد صفار أن الجيش سيظل هكذا حتى حدوث شيء من الفوضى، واستدعائه من قبل كل الأطراف، «فهنا سيأتي باعتباره الحارس والحكم بينهما، ويكون وضعه مشابهاً لوضع الجيش التركي، وهنا ستضطر الولايات المتحدة الأميركية إلى أن تدعمه، لأنها لن تقبل بالفوضى التي تهدد مصالحها في مصر، وسيؤيدها الجيش، الذي يأتي جزء كبير من تمويله وأسلحته منها».
وحول ما إذا كان الجيش سيقبل تأمين الاستفتاء على الدستور في حال إتمامه في موعده، رجح صفار أن هذا الأمر غير مقبول لدى الجيش ولكن لن يصرح به. وأضاف «إن إشرافه السابق جاء في إطار إدارته للبلاد»، مرجحاً أيضاً أنه في حال حدث احتراب أثتاء إجراء الاستفتاء سيستولي الجيش على السلطة، لأن الاحتراب هنا سيكون على قاعدة النظام السياسي وهو «الدستور» وهذا ليس بالهيّن.
أما بالنسبة إلى جهاز الشرطة، أوضح صفار أنه «من ناحية التكوين الفكري جهاز تربى على معاداة تيارات الإسلام السياسي، ولا يقبل أن يترأسه بأي حال أحد من هذا التيار. ومن ثم لن يضحي بحياته أو ينفذ الأوامر بالشكل السابق مع نظام مبارك». وأضاف «وبالتالي فالتنفيذ يأتي في إطار الحد الأدنى للأوامر، فضلاً عن أنه يتحاشى التدخل بحسم لصالح أحد الأطراف من خلال سلوكه في الشارع، خوفاً من دعاوى الفساد التي تلاحقه والمطالبة بهيكلة الشرطة».
واعتبر أن «ما يظهر بوضوح هو وجود انقسام داخل الشرطة وعدم وجود قيادة موحدة لها، بعدما فقدتها برحيل حبيب العادلي وأغلب معاونيه».
وتحدث صفار عن وجود تيارين داخل الشرطة، الأول لا يريد الدخول في صدام يؤدي إلى القضاء على الجهاز تماماً إذا تكرر معه ما حدث في 28 كانون الثاني 2011، ويريد أن يستقر ويعمل بعيداً عن التهديدات المباشرة له. أما التيار الثاني، فيريد أن يعود بكامل هيبته والسيطرة على المجتمع، وإلا فلن يشارك في إدارة العملية الأمنية بالشكل المطلوب أو بالحد الأقصى.
ويذهب صفار إلى أن «المسألة لا تزال تتعلق بمصالح هذا الجهاز، فهل الطرف الفائز يحقق له مصالحه من عودة الهيبة وعدم تسريح أو محاكمة ضباطه المتورطين والمطلوبين؟». وبالتالي فإن انتصار أحد الطرفين داخل الجهاز سيعود إلى انتصار أحد الأطراف السياسية التي ستقوي إحدى الجبهات داخله.
من جهته، تحدث الخبير الأمني محمد محفوظ، وهو ضابط شرطة متقاعد، لـ«الأخبار» عن معلومات مسربة من الداخلية تتحدث أن القاعدة العريضة للجهاز ترفض الدخول في معركة خاسرة، بعدما تعلمت الدرس من الثورة، وهو أن أي مواجهة مع قوى الشعب خاسرة.
أما عن الموقف من الجيش، فلفت محفوظ إلى أن الجيش في حرج كبير، لكنه سيتدخل حال حدوث احتراب يؤدي إلى مذابح. وعلى عكس صفار، رجح أن يوافق على تأمين الاستفتاء بالاشتراك مع الشرطة حال طلب منه ذلك، لكنه سيكون تأميناً بوحدات صغيرة للمعاونة فحسب.
أما علي الرجال، الباحث في الدراسات الأمنية، فأكد أن الجيش سيظل على الحياد، حتى يجد حادثاً كبيراً يجبره على التدخل أو حدوث انتصار لأحد الأطراف. إلا أن الرجال يرى أن المشكلة الأكبر في وزارة الداخلية، التي وصفها بأنها تلعب بالنار، وخصوصاً أن قطاعاً منها متصل بأجنحة اقتصادية فلولية ولهم مصالح معها، في حين يحاول مرسي احتواءها مقابل الأمان الشخصي.
أما ميدانياً فهي تحاول تحسين صورتها بينما تخشى الاشتباك مع أي من الأطراف.