من الصعب ألا تلتقي الجهاديين الأجانب المنتشرين في شمال غرب سوريا في المناطق التي خرجت عن سيطرة النظام، رغم أنهم يبذلون كل جهد لتفادي الصحافيين. وذكرت «مجموعة الأزمات الدولية»، في تقرير أصدرته أخيراً، أن «الناشطين الأجانب متورطون اليوم على نحو مباشر في النزاع الى جانب المتمردين السوريين» الذين غالباً ما يحاولون «نفي هذه الظاهرة او التقليل من أهميتها». وأضافت أن معظم هؤلاء المتطوعين «يقاتلون في إطار المجموعات السلفية، لكن الغموض المحيط بأنشطتهم يجعل من الصعوبة بمكان تقدير عددهم بدقة ومراكز انتشارهم ونفوذهم الحقيقي». وغالباً ما تبدأ الرحلة الجهادية من تركيا المجاورة، وتحديداً من مدينة انطاكيا (جنوب تركيا). فبمجرد القيام بزيارة الى أزقة السوق القديمة أو الى الفنادق الرخيصة قرب محطات النقل في انطاكيا، ستلتقي بالتأكيد في الطريق شباناً ملتحين، لا يبدو أنهم من الأتراك. من هؤلاء ثلاثة من ذوي البنى الممتلئة القوية شوهدوا في أحد أيام ايلول الماضي، بالزي التقليدي للسلفيّين، أي الجلابية الشمال افريقية والسروال الأبيض المقصوص على مستوى الساق. أحذيتهم الجديدة اللماعة وحقائب الظهر الفاخرة التي يحملونها وساعاتهم العسكرية، تشي بالتأكيد بأنهم أوروبيون قد اعتنقوا الإسلام. وتلفت ملابسهم كل الأنظار في سوق انطاكيا، وعلاماتهم الفارقة لا بد أن تساعد أجهزة الاستخبارات التركية على التعرف اليهم.
لكنّ الجهاديين اليوم باتوا يعتمدون أساليب تجري بمزيد من التكتم والسرية. ونجدهم في مدينة ريهانلي الحدودية التي يقودهم منها مهرّبون بعيداً عن الأنظار الى سوريا حتى قرية أطمة، مركز نفوذ المعارضة المسلّحة ونقطة التقاء الأجانب.
«فرانس برس» اجتازت بطريقة غير قانونية الأسلاك الشائكة للحدود في بساتين الزيتون بصحبة مصري كتوم، لكنه ليس عدائياً، ويكتفي بالقول إنه جاء «لمساعدة إخوانه المسلمين». أما الجزائري أنس (26 عاماً)، المحارب السابق في صفوف مقاتلي منطقة القبائل وفي كشمير، فيشارك في اطار وحدة لـ «الجيش السوري الحر» مرتبطة بمجموعة جبهة النصرة الجهادية قرب قرية حارم. وتعبيراً عن سعادته الكبيرة «بالتحدث أخيراً باللغة الفرنسية»، لم يتردد في معانقة مراسل «فرانس برس».
كذلك عبد طه، مقاتل في حركة أوزبكستان الإسلامية. ثلاثيني قصير القامة يشارك في حصار قاعدة الشيخ سليمان قرب حلب، في اطار كتيبة إسلامية. طه لا يتحدث العربية ولا الانكليزية، ويقول رفاقه وهم يضحكون إن ما فهموه منه انه جاء «لقتال المسيحيّين والكفار».
وفي مدينة معرة النعمان يسأل شاب ليبي بملامحه الأفريقية مراسل الوكالة، ما اذا كان يتحدث اللغة الإيطالية، ثم سرعان ما يتوارى في أتون المعارك. وفي منطقة جبال الأكراد، يتولى أربعة سعوديين مهمة الدعاية على الانترنت لعدد من الكتائب الإسلامية، ومنها جبهة النصرة. ويشغل هؤلاء الأربعة شقة مهجورة في قرية سلمى. يسألهم الصحافي «ماذا جئتم تفعلون في سوريا؟» فيجيب أحدهم «للسياحة!!!».
(أ ف ب)