الدوحة | اختارت قطر ان تضع في البهو الواسع لمركز المؤتمرات، الذي استضاف مئات الوفود من نحو 190 بلداً، مجسماً لعنكبوت ضخم اطلقت عليه تسمية «مامان»، وهو يرمز الى امومة الارض. لكن الذين عبروا تحت العنكبوت، وغالبيتهم من الرجال، طيلة ١٣ يوماً من اعمال مؤتمر الامم المتحدة حول المناخ، كانوا يعرفون سلفاً ان صحراء قطر الملتهبة على مدار العام ليست المكان المثالي للتوصل الى اتفاق ينقذ «أمنا الارض».
وبعدما طالت المفاوضات وتأخرت أكثر من يوم واحد بالنسبة الى الجدول الزمني المقرر، اعلنت الرئاسة القطرية التوصل الى تمديد لبروتوكول كيوتو حتى عام ٢٠٢٠، الامر الذي رفضته روسيا. وعلق المندوب الروسي «إنها المرة الاولى التي أرى فيها سابقة كهذه»، وذلك بعدما اعلن رئيس المؤتمر، عبد الله العطية، تبني سلسلة قرارات، كانت قيد البحث منذ 26 تشرين الثاني. وتلزم المرحلة الثانية من بروتوكول كيوتو الاتحاد الاوروبي وأوستراليا وعشر دول صناعية اخرى بالحد من انبعاثات غازات الدفيئة بحلول عام 2020. وهذا التمديد الذي يتخذ بعداً رمزياً، لكون الدول المعنية به تمثل فقط 15 في المئة من انبعاثات غازات الدفيئة في العالم، يمثّل صلب اتفاق مؤتمر الدوحة.
ودان تحالف يضم اكثر من ٧٠٠ منظمة بيئية اتفاق الدوحة. وقال التحالف، في بيان له، «كنا نتوقع أن تكون محادثات الدوحة متواضعة، لكنها فشلت في التوصّل إلى أدنى توقعاتنا».
واقترحت قطر صباح السبت نص تسوية غداة الموعد المحدد لانتهاء أعمال المؤتمر. وقال العطية «رغم أنه لا أحد راضٍ تماماً عن النص، لكن يبدو أن هناك اتفاقاً على عرضه أمام الاجتماع». وأضاف «وصلنا الى الموعد النهائي (...) يجب الانتهاء». وتابع إثر عدم تقدم احد لإلقاء كلمة «أقدر صمتكم».
وفي نيويورك، قال الامين العام للامم المتحدة، بان كي مون، انه يعتقد ان الاتفاق الجديد الذي جرى التوصل اليه في الدوحة هو مجرد خطوة أولى، مؤكداً ان على الحكومات التحرك على نحو اكبر بكثير لوقف ارتفاع درجات الحرارة. ورحب بالاتفاق الذي جرى التوصل اليه، وقال انه يجب ان يقود الى التوصل الى «اتفاق شامل وملزم قانونياً بحلول 2015»، بحسب ما افاد المتحدث باسمه مارتن نيسركي. وتابع نيسركي إن بان «سيكثف مشاركته الشخصية في الجهود لزيادة التمويل المتعلق بالمناخ واشراك قادة العالم مع اقترابنا الان من موعد ابرام الاتفاقية العالمية في 2015».
ونوقش في اليوم الختامي الطويل من المشاورات في الدوحة امكان التوصل الى تسوية حول بعض الملفات الشائكة مثل المساعدة المالية التي تطلبها دول الجنوب لمواجهة آثار الاحتباس الحراري. واجرت الوفود مفاوضات طوال الليل في محاولة لحلحلة الوضع حول هذه القضايا بدون جدوى.
وقد طلبت هذه الدول ستين مليار دولار حتى 2015 للانتقال من المساعدة الطارئة البالغة ثلاثين مليار دولار، التي تقررت لعامي 2010-2012، الى الوعد بمئة مليار دولار سنوياً حتى 2020. لكن الدول الكبرى المانحة للاموال رفضت الالتزام بمبلغ كهذا. وأعلنت ألمانيا والمملكة المتحدة وفرنسا والدنمارك والسويد ومفوضية الاتحاد الأوروبي في الدوحة عن تعهدات مالية محددة للفترة الممتدة حتى عام 2015، والبالغ مجموعها نحو 6 مليارات دولار أميركي.
واقترح النص القطري صيغة تطمئن الدول النامية الى ان دول الشمال ستنفذ تعهداتها، لكن الولايات المتحدة بدت متحفظة جداً عن اي فقرة ملزمة على نحو مبالغ فيه. وأجمعت غالبية الوفود على ان الموقف الأميركي من مفاوضات الدوحة كان أكثر سلبية من أي وقت مضى. وهذا ما دفع كومي نايدو، المدير التنفيذي لمنظمة غرينبيس، الى توجيه رسالة قاسية اللهجة الى الرئيس الاميركي باراك اوباما، طالباً منه سحب المفاوضين من الدوحة، او اعطاءهم توجيهات للالتزام بالوعود التي قدمها إلى ناخبيه قبل فوزه بولاية رئاسية ثانية، وفيما تعتزم الولايات المتحدة تخصيص ما يزيد على ٧٠ مليار دولار لمعالجة اثار اعصار ساندي، الذي ضرب عدداً من الولايات الأميركية قبل شهر، بخل الوفد الاميركي بالاعلان عن تقديم سنت واحد إلى صندوق المناخ الاخضر، المخصص لمساعدة الدولة المتأثرة بالتغير المناخي. واكتفى المفاوضون الاميركيون بالاعلان عن التزامهم اللفظي بالمساهمه في صندوق المناخ. وتريد الدول الاكثر فقراً تطبيق آلية في هذا الشأن، بينما يخشى الوفد الاميركي من ان يؤدي ذلك الى دعاوى قضائية، كما قال مراقب للمفاوضات.
وقالت رئيسة وفد مفاوضات الإكوادور، ايفون باكي، إن بلادها تعتقد انها تتمتع بتأييد ايران وقطر لاقتراحها بأن يدفع أعضاء اوبك مبلغاً صغيراً من مبيعات النفط لمساعدة الدول الفقيرة على مكافحة ارتفاع درجة حرارة الارض. وتصدر اوبك مجتمعة أكثر من 30 مليون برميل يومياً بسعر يزيد على 100 دولار للبرميل. وقالت باكي «هذا سيقدم كاقتراح من الاكوادور لاجتماع اوبك في فيينا الاسبوع المقبل». وتوقع عدد من المراقبين أن تعلن دول مجلس التعاون الخليجي عن تقديم منح للصندوق الاخضر، لكن هذه الدول تقدمت بنص في وقت متأخر من ليل الجمعة، جاء مخيباً للآمال، واكتفت بالاعلان انها لا تعتزم المطالبة بالحصول على مساعدات من الصندوق الاخضر، وأنها ستنفذ خططاً وطنية للتحول الى الطاقة البديلة، الامر الذي يعني ضرب مبدأ الالتزام بالآليات التي تكفلها الاتفاقية الاطارية للأمم المتحدة.
ولقد تقرر ان يعقد مؤتمر الأمم المتحدة الرئيسي المقبل المعني بتغير المناخ، في العاصمة البولندية وارسو، في نهاية عام 2013، لكن الموعد الاهم الذي حددته الاسرة الدولية هو 2015 في باريس، لابرام اتفاق «عالمي» لخفض غازات الدفيئة، يفترض ان يدخل حيز التنفيذ في 2020، بمشاركة كل الدول، بينها اكبر بلدين مسببين للتلوث، الصين والولايات المتحدة، اللتين لم توافقا على بروتوكول كيوتو.



أبرز مقررات مؤتمر الدوحة

جرى تعديل بروتوكول كيوتو، باعتباره الاتفاق الوحيد القائم والملزم الذي بموجبه تلتزم البلدان بخفض غازات الاحتباس الحراري، بحيث يستمر نفاذ مفعوله اعتباراً من 1 كانون الثاني 2013. وقررت الحكومات أن طول فترة الالتزام الثانية ستكون 8 سنوات. ووافقت البلدان التي تتخذ التزامات إضافية بموجب بروتوكول كيوتو على استعراض التزاماتها بخفض الانبعاثات في موعد أقصاه عام 2014، وذلك بهدف زيادة مستويات طموح كل منها. كما ان آليات السوق التابعة لبروتوكول كيوتو - آلية التنمية النظيفة، التنفيذ المشترك والاتجار الدولي بالانبعاثات - يمكن أن تستمر اعتبارا من عام 2013. كما وافقت الحكومات على العمل بوتيرة سريعة لوضع اتفاق عالمي بشأن تغير المناخ يغطي جميع البلدان اعتباراً من عام 2020، والذي سيُعتمد بحلول عام 2015، أما عناصر النص التفاوضي فسوف تكون متاحة في موعد أقصاه نهاية عام 2014، بحيث تكون مسودة النص التفاوضي متاحة قبل ايار 2015. وأقر مؤتمر الدوحة اختيار جمهورية كوريا مقرا لصندوق المناخ الأخضر وخطة عمل للجنة الدائمة للشؤون المالية. ومن المتوقع أن يبدأ صندوق المناخ الأخضر نشاطه في مدينة «سوندغو» في النصف الثاني من عام 2013، مما يعني أنه يمكن إطلاق أنشطته عام 2014.