تُعَدّ عملية التسوية على المسار الفلسطيني أحد التحديات التي ينبغي لإدارة أوباما تحديد استراتيجية التعامل معها بعد التجارب العقيمة التي مرّت بها، خلال السنوات الماضية، جراء تصلب معسكر اليمين وعلى رأسه رئيس الحكومة العبرية بنيامين نتنياهو. وفي هذا السياق، نقلت صحيفة «هآرتس» العبرية، عن مصادر مقربة من الرئيس الأميركي، أن الأخير لا ينوي خوض مواجهة مباشرة مع رئيس الوزراء الإسرائيلي في ولايته الثانية، تتعلق بالمسار الفلسطيني، بل اتباع سياسة «إهمال ناعم»، ظهر أول مؤشراتها في عدم ممارسة الولايات المتحدة ضغوطاً وجهوداً استثنائية تتعلق بالتصويت في الجمعية العامة للأمم المتحدة، على الاعتراف بالدولة الفلسطينية، بصفة مراقب، وفي عدم كبح الردّ الأوروبي الشديد على قرار نتنياهو دفع خطة البناء في منطقة «أي ـ 1».
وتؤكد الشخصية الليبرالية الأكثر بروزاً في الجالية اليهودية الأميركية، والمقربة من أوباما، بيتر بيرنت، في مقالة له في «نيوزويك» أن طاقم أوباما بلور استراتيجية جديدة، ترتكز على الوقوف جانباً والسماح لبقية العالم بالمواجهة مع نتنياهو، استناداً إلى تقدير مفاده أنه «في اللحظة التي تتوقف فيها الولايات المتحدة عن محاولة إنقاذ إسرائيل من تداعيات نشاطاتها، وعندما تشعر بالعزلة الدولية المتزايدة، ستبادر إسرائيل إلى تغيير الاتجاه».
وينقل بيرنت عن مسؤول رفيع في الإدارة الأميركية، قوله إن «اتجاه الرأي العالم العالمي هو ضدّ إسرائيل، وفي جوّ كهذا، إذا ما وقفت الولايات المتحدة جانباً ولم تفعل شيئاً، تكون بالذات قد قامت بشيء ما».
وتقول «هآرتس» إنّ مسؤولين أميركيين رفيعي المستوى قالوا لبيرنت إنّه «رغم السياسة الجديدة، ستواصل الولايات المتحدة مساعدة إسرائيل في المجال الأمني كما تفعل حالياً، وبالتالي ستواصل تمويل شراء منظومات القبة الحديدية وستساعد في كبح مسارات فلسطينية ضد إسرائيل في محكمة لاهاي الدولية. وفضلاً عن ذلك، ستعمل من أجل منع انهيار السلطة الفلسطينية، وأيضاً منع اشتعال أعمال عنف في الضفة الغربية وتجدد إطلاق الصواريخ من غزة».
في المقابل، أكد مسؤولون أميركيون لبيرنت أيضاً، أن الولايات المتحدة الأميركية لن تقدم خطة سلام جديدة. وأشاروا إلى أن الرئيس أوباما لن يعيّن مبعوثاً رفيعاً للشرق الأوسط في محاولة لاستئناف المفاوضات بين إسرائيل والفلسطينيين، والسبب يعود، بحسب المسؤولين الأميركيين، إلى أن مفاوضات كهذه ستزيل الضغوط عن نتنياهو.
وبخصوص خلفية هذا الموقف، تشير «هآرتس» إلى أن مسؤولين أميركيين يعتقدون أن نتنياهو غير جدي تجاه عملية السلام وغير معنيّ بحلول وسط ضرورية لإقامة الدولة الفلسطينية. وبحسب المسؤولين، فإن «نتنياهو مهتم بإنتاج مشهد عبثي لمسيرة السلام من أجل إنقاذ نفسه من العزلة الدولية»، ولذلك، «لن يسمح رجال أوباما لنتنياهو بإنتاج هذا المشهد، وسيفرضون عليه أن يلمس آثار تمرده، وسيسمحون للعالم الغاضب بأن يقوم بالبقية».
في غضون ذلك، هاجمت رئيسة حزب «الحركة» تسيبي ليفني، في كلمة لها أمام مؤتمر إسرائيلي لأعمال 2012، رئيس الوزراء، نتنياهو، متهمة إياه بأنه يُضعف إسرائيل سياسياً بسبب الأزمة الدبلوماسية مع أوروبا، وبسبب قراره البناء في منطقة «أي ــ 1». وقالت ليفني إنه ما من شك في أن «منظومة العلاقات مع أوروبا صعدت على مرتفع رملي». وحذّرت من أن «المسألة لا تتعلق فقط بالعلاقات الدبلوماسية، بل ستكون لها آثار على اقتصاد إسرائيل وأمنها». ورأت أنه «عندما تجري مفاوضات تتفكك العداوة، وينتج أمل للعالم ويسمح لنا بتعزيز العلاقات مع أوروبا».
على صعيد آخر، ذكرت مصادر إسرائيلية أن مكتب نتنياهو ووزارة الخارجية سيبدآن حملة إعلامية وسياسية دولية على الرئيس الفلسطيني محمود عباس بزعم تحالفه مع رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس» خالد مشعل «لنزع الشرعية عن إسرائيل ونشر الأفكار الإسامية في العالم بالحديث عن إبادتها ومحوها عن الخريطة».
ونقلت إذاعة الجيش عن مصادر أمنية قولها إن إسرائيل ستجند كافة إمكاناتها الأمنية والاستخبارية لإفشال ومنع الخطر الداهم القادم، وهو «المصالحة وامتناع أجهزة الأمن الفلسطينية عن ملاحقة عناصر حماس»، مؤكدةً أن أوامر مشدّدة صدرت عن الرئيس الفلسطيني قبل عدة أيام بعدم ملاحقة عناصر «حماس» وإطلاق سراحهم وفتح مؤسساتهم.