القاهرة | «لمّ الشمل» الذي دعت إليه القوات المسلحة المصرية للبحث عن حل للأزمة الراهنة بين القوى السياسية المختلفة ومؤسسة الرئاسة، ذهب أدراج الرياح؛ فبعدما أعلنت المعارضة، وبينها جبهة الإنقاذ الوطني، أنها ستشارك في الاجتماع احتراماً للمؤسسة العسكرية، كما جاء على لسان كمال أبو عيطة، القيادي في التيار الشعبي، وأعلنت الرئاسة إمكان حضور رئيس الجمهورية محمد مرسي الاجتماع، فجأة أُلغي الاجتماع، فيما بدا واضحاً وجود صراع بين الجيش ومؤسسة الرئاسة. فالجيش أحد أقدم اللاعبين وأكثرهم نفوذاً على الساحة المصرية، أثبتت مجريات الأحداث خلال اليومين الماضيين أنه لا يزال يتحين الفرصة لاستعادة دوره بعد محاولة تحجيمه التي أدارها الرئيس محمد مرسي منذ وصوله إلى قصر الاتحادية قبل أشهر. في المقابل، فإن الرئيس القادم إلى الحكم من خارج المؤسسة العسكرية، الذي تزداد النقمة الشعبية عليه، غير مستعد لإعادة منح الجيش هذه الفرصة، وهو ما دفعه إلى بذل ما في وسعه لوأد الدعوة للحوار التي أطلقتها المؤسسة العسكرية أول من أمس خوفاً من أن تكون مقدمة لسحب البساط منه.
فبينما كانت جبهة الإنقاذ الوطني التي تضم أطياف المعارضة الرئيسية تعقد مؤتمراً صحافياً تعلن فيه التجاوب مع دعوة الجيش والموافقة على حضور الحوار، كانت المفاجأة بإعلان الجيش قرار تأجيل اللقاء إلى أجل غير مسمى بسبب «عدم تحقق الاستجابة» المأمولة.
وأكد البيان، الذي نشر على الصفحة الرسمية للقوات المسلحة على موقع «فايسبوك»، أنه «نظراً إلى ردود الأفعال التي لم تأت على المستوى المتوقع منها بشأن الدعوة الموجهة إلى القوى الوطنية والسياسية للقاء لمّ شمل الأسرة المصرية، يشكر السيد الفريق أول عبد الفتاح السيسي كل من تجاوب مع هذه الدعوة ويعلن إرجاء التنفيذ إلى موعد لاحق».
وفيما لم يحدّد بيان الجيش الأطراف التي لم تتجاوب مع الدعوة، دعا المتحدث الرسمي «القوى الوطنية والسياسية وكافة أطياف الشعب المصري العظيم لتحمّل مسؤولياتها تجاه مصالح الوطن والمواطنين في هذه المرحلة البالغة الدقة والحساسية التى يمر بها بلدنا العظيم».
المفاجأة في إلغاء الاجتماع خلقت حالة من التخبط، وتناقلت وسائل إعلام عدة عن مصادر سيادية مطلعة قولها إن جماعة الإخوان المسلمين ومؤسسة الرئاسة هما من ضغطا لإلغاء الاجتماع. وقالت تلك المصادر لصحيفة «الوطن» المصرية، «إن مكتب إرشاد جماعة الإخوان المسلمين مارس ضغوطاً على الرئيس محمد مرسي، لإصدار أوامره للقوات المسلحة بإلغاء الاجتماع». وأضافت الصحيفة أن مكتب إرشاد جماعة الإخوان المسلمين، وهو الهيئة التي تقود الجماعة وتتخذ قراراتها، اعتبرت أن دعوة القوات المسلحة تجعله يعود كلاعب رئيسي في الساحة السياسية، وهو ما سيقلل من هيبة الرئيس حسب المصادر التي اعتبرت أن موافقة القوي السياسية والحزبية حضور لقاء الجيش في وقت رفضت فيه لقاء الرئيس الأسبوع الماضي، يعني أن هيبة الرئاسة في خطر، وأن الحجة التي برر بها المتحدث العسكري إلغاء اللقاء «تهدف إلى حفظ ماء وجه الرئيس لا أكثر».
بدورها، أوضحت مصادر لـ«الاخبار» أن مؤسسة الرئاسة أبلغت وزير الدفاع، عبد الفتاح السيسي، عدم ارتياحها للدعوة، ومارست ضغوطاً كثيرة عليه انتهى إلى اتخاذ قرار بإلغاء الاجتماع، رغم ما ساقه قادة في الجيش من مبررات للرئاسة حول الأسباب التي دفعتهم إلى الدعوة إلى هذا اللقاء. ورأت مؤسسة الرئاسة أن دخول الجيش في الأزمة يعني تهميشاً لها. وقالت المصادر إن الرئاسة تخوفت من أن تنجح مبادرة الجيش في حل الأزمة الراهنة التي فشلت مؤسسة الرئاسة في حلها حتى الآن وأنه في حالة وصولها لحل الأزمة سيعني خسارة كبيرة لمؤسسة الرئاسة ونجاح كبير للمؤسسة العسكرية.
من جهته، ذكر الموقع الإلكتروني لـ«اليوم السابع»، أن «هناك خلافاً حقيقياً الآن بين مؤسسة الرئاسة والقوات المسلحة، بعدما سببت ضغوط «قصر الاتحادية» تأجيل الحوار المجتمعي، وإحراج الجيش وإضعاف صورته بنحو واضح أمام المجتمع ومختلف مؤسسات الرأي العام، وكذلك القوى الوطنية التي تمت دعوتها إلى الحوار والنقاش».
وأشارت المصادر للموقع إلى أن ضغوط مؤسسة الرئاسة دفعت الجيش إلى وصف الحوار بالمجتمعي الإنساني، تحت رعاية مرسي، حتى لا يظهر أن المؤسسة العسكرية هي التي تدير الأمور بعد فشل الرئيس في الحوار مع القوى السياسية.
وفي السياق، طالب مصطفى بكري، عضو مجلس الشعب السابق، الذي كان مقرباً من المجلس العسكري في أثناء الفترة الانتقالية، أن تكشف القوات المسلحة حقيقة إلغاء الاجتماع، معتبراً أنه «يمثل إهانة للجميع ويكشف أن هناك من لا يريد لمّ الشمل ولا يريد ضامناً للحوار». وشكك في رواية أن هناك من المعارضة من رفض حضور لقاء الجيش. وتساءل: «من الذين رفضوا ومن الذين أفشلوا عقد اللقاء ومن الذين لا يريدون للجيش أن يؤدي دوراً في حل المشكلة والتواصل مع كل أبناء المجتمع، ولا سيما أن هذا جيش مصر وليس جيش تيار سياسي بعينه».
لكن المتحدث الرسمي باسم رئاسة الجمهورية، ياسر علي، نفى ما أثير عن أن الرئاسة ضغطت لتأجيل اللقاء أو إلغائه، لافتاً إلى أن «القوات المسلحة هي التي وجهت الدعوة إلى القوى الوطنية والسياسية للقاء لم شمل الأسرة المصرية، وأن القوات المسلحة هي التى أجلت هذا اللقاء، ولا دخل للرئاسة فى هذا الأمر».
كذلك نفى علي لـ«بوابة الأهرام» ما تردد عن أن الرئيس مرسي سيشارك في الحوار المجتمعي. وأكد أن «مبادرة الحوار الوطني الرسمية هي مبادرة واحدة، تلك التي دعت إليها الرئاسة وتجري بالفعل حالياً وبشكل يومي جولات الحوار مع القوى الوطنية والرموز السياسية ضمن تلك المبادرة للخروج من الأزمة الحالية والعبور بمصر نحو الاستقرار»،