يتوجه قرابة 26 مليون مصري اليوم في 10 محافظات (القاهرة، الإسكندرية، الشرقية، الغربية، الدقهلية، أسيوط، سوهاج، أسوان، شمال سيناء، وجنوب سيناء) للإدلاء بأصواتهم، سواء الرافضة لدستور المصريين ما بعد ثورة 25 يناير أو المؤيدة له، بعد الصخب والضجيج الذي واكب تشكيل الجمعية التأسيسية التي حُلَّت بموجب حكم قضائي قبل أن يعيد البرلمان تشكيلها من جديد قبل ساعات قليلة من صدور حكم قضائي بحله.
التجربة العملية تؤكد تفوق القوى الإسلامية في الحشد لـ«نعم». فعندما أكدت القوى المدنية ضرورة وجود دستور قبل أي انتخابات برلمانية أو رئاسية في الفترة التي تلت سقوط حسني مبارك، كان رأي الإسلاميين أن الساحة مهيأة لهم لحصد المكاسب البرلمانية، وهو ما جعلهم يحشدون بكافة قواهم لمعركة «نعم» للتعديلات الدستورية التي أعدها العسكر. يومها كان الدين هو دعايتهم الوحيدة للحشد للموافقة على التعديلات الدستورية. فمن يقل «نعم» للتعديلات الدستورية، فهو بذلك يقول نعم للدين الإسلامي، ومن يقولوا «لا»، فهم الكفرة والملحدون، الذين لا يريدون للدين أن يسود.
لكن معركة هذه المرة مختلفة كثيراً، ولا سيما أن قطاعاً كبيراً من المصريين أصبح يتعامل مع جماعة الإخوان المسلمين باعتبارها جماعة سياسية تستغل الدين من أجل الوصول إلى السلطة، إلى جانب وجود حالة من الرفض لدى الكثيرين للطريقة التى يتعامل بها الإسلاميون عموماً على الصعيد السياسي منذ وصول رئيس إسلامي إلى الحكم. وترافق ذلك مع سيطرة الإسلاميين على وضع الدستور بعد انسحاب مؤسسات مثل الكنيسة والمحكمة الدستورية العليا إلى جانب كافة الممثلين للقوى المدنية من لجنة إعداده.
كذلك، هناك اتجاه قوى لتأييد الدستور لا يتبناه فقط الإسلاميون، بل أيضاً المواطنون العاديون الذين يريدون عودة الاستقرار إلى البلاد ولا تعنيهم كثيراً مواد الدستور، سواء أكانت إيجابية أم سلبية.
المؤيدون للدستور
وصلت القوى الإسلامية إلى الحدّ الأقصى من توظيف الدين في الأمور الدنيوية، والسياسية، فاستخدمت الدين لخدمة الداعين إلى «نعم»، والداعين إلى «لا» أيضاً. ففي الوقت الذي تعرضت فيه مسودة الدستور لمعارضة القوى المدنية، على اعتبار أنه دستور الإسلاميين، وجدت المسودة أيضاً معارضة من مجموعة من الإسلاميين المنتمين إلى السلفية الجهادية وجماعة «حازمون» المنتمية إلى الداعية السلفي حازم صلاح أبو إسماعيل. ورأى هؤلاء أن الدستور يخالف الشريعة. فقال أمس القيادي في حزب النور يسري حماد: «في حالة التصويت بـ«لا» على الدستور، سيفتح التيار الإسلامي صفحة جديدة، ويعد للانتخابات التي ستجري لاختيار جمعية تأسيسية جديدة لوضع الدستور»، وهو ما يتنافى مع الرسائل التي تقدمها قيادات جماعة الإخوان المسلمين والجماعة الإسلامية وأحزاب «الفضيلة، الأصالة، الشعب، الوسط، الحضارة، الجهاد، والإسلام والتنمية» إلى جانب حركة طلاب الشريعة والتيار الإسلامي العام، الذين يؤيدون الدستور بقوة، ويرون أنه أفضل دستور شهدته مصر على مدار تاريخها، ولا سيما أنه يؤكد هوية الدولة ومرجعية الشريعة الإسلامية.
فالمادة الثانية منه ترسخ هوية الدولة ومرجعية الشريعة الإسلامية للتشريع بها. ونصت على أن الإسلام دين الدولة، وأن مبادئ الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع. ويستشهد الإسلاميون لضرورة الموافقة على الدستور بالمادة رقم 220 منه، وهي التي تتضمن شرحاً لمبادئ الشريعة الإسلامية، باعتبارها تشمل أدلتها الكلية وقواعدها الأصولية والفقهية ومصادرها المعتبرة في مذاهب أهل السنة والجماعة. وهذه المادة تفسر مبادئ الشريعة تفسيراً محكماً يضع إطاراً محدداً يمنع خروج أي تشريع عن إطار الشريعة. وفي ذات الوقت يعطي سعة للمشرع بالرجوع إلى الأدلة والقواعد الأصولية والمصادر المعتبرة. وهذه المادة بوضعها الحالي مع المادة الثانية تُعَدّ حاكمة لكل تشريع يصدره البرلمان انطلاقاً من أي مادة من مواد الدستور. ومن ضمن أبرز المواد التي تلقى استحساناً عند القوى الإسلامية، التي ستصوت بـ«نعم» للدستور المادة رقم 10، التي تلزم الدولة واﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﺑرﻋﺎﻳﺔ اﻷﺧﻼق واﻵداب اﻟﻌﺎﻣﺔ وﺣﻤﺎﻳﺘﻬﺎ، واﻟﺘﻤكين ﻟﻠﺘﻘﺎﻟيد اﻟﻤﺼرية اﻷﺻﻴﻠﺔ، ومراعاة اﻟﻤﺴتوى اﻟرﻓﻴﻊ ﻟﻠﺘرﺑﻴﺔ واﻟﻘﻴم اﻟدﻳﻨﻴﺔ واﻟوطﻨﻴﺔ واﻟﺤﻘﺎﺋق اﻟﻌﻠﻤﻴﺔ، واﻟﺜﻘﺎﻓﺔ اﻟﻌرﺑﻴﺔ واﻟﺘراث التاريخي واﻟﺤﻀﺎري ﻟﻠﺸﻌب، وذﻟك وﻓﻘﺎً ﻟﻤﺎ ﻳﻨظﻤﻪ اﻟﻘﺎﻧون.
ويضاف إليها المادة رقم 11 من الدستور التي تنص على أن «ﺗﺤمي اﻟﺪوﻟﺔ اﻟﻮﺣﺪة اﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ واﻟﺤﻀﺎرﻳﺔ واﻟﻠﻐﻮﻳﺔ ﻟﻠﻤﺠﺘﻤﻊ اﻟﻤﺼري، وﺗﻌﻤﻞ ﻋﻠﻰ ﺗﻌﺮﻳﺐ اﻟﺘﻌﻠﻴﻢ واﻟﻌﻠﻮم واﻟﻤﻌﺎرف». كذلك من المواد المفضلة عند الإسلاميين المادة رقم 40 التي «تحظر اﻹﺳﺎءة أو اﻟﺘﻌﺮﻳﺾ ﺑﺎﻟﺮﺳﻞ واﻷﻧﺒﻴﺎء ﻛﺎﻓﺔ»، الى جانب المادة التي ﺗﻠﺰم اﻟﺠﺎﻣﻌﺎت ﺑﺘﺪرﻳﺲ اﻟﻘﻴﻢ واﻷﺧﻼق اﻟﻼزﻣﺔ ﻟﻠﺘﺨﺼﺼﺎت اﻟﻌﻠﻤﻴﺔ اﻟﻤﺨﺘﻠﻔﺔ.
ويضاف إليها المادة 39 التي تقصر إقامة دور العبادة على الأديان السماوية فقط. كذلك المادة 216 التي تنص على «ضبط حرية الإعلام بقيم المجتمع وتقاليده والحفاظ على اللغة العربية».
الرافضون للدستور
القوى المدنية على اختلاف ألوانها السياسية ترفض الدستور وتحشد للتصويت بـ«لا» لمسودة الدستور، بسبب تضمنه عدة مواد أبرزها المادة «14» التي يُحتسَب أجر العامل بموجبها بالإنتاج لا بالأسعار. كذلك تبرز المادة 35 التي تعطي لضابط الشرطة احتجاز أي مواطن لمدة 12 ساعة من دون أي تحقيق أو اتهام؛ اذ تنص على أنه «يجب أن يبلغ كل من تقيد حريته بأسباب ذلك كتابة خلال اثنتي عشرة ساعة، وأن يقدم إلى سلطة التحقيق خلال أربع وعشرين ساعة من وقت تقييد حريته؛ ولا يُجرى التحقيق معه إلا في حضور محاميه؛ فإن لم يكن ندب له محام».
ومن بين المواد المثيرة لانتقادات القوى المدنية، المادة 62 التي تلزم الدولة بعلاج غير القادرين فقط، من دون أن تذكر ما هو تعريف غير القادرين. وهو ما يعني أن المواطنين يحتاجون إلى شهادة لإثبات فقرهم شرطاً للعلاج. ويستند الكثير من الرافضين للدستور إلى المادة 64 منه التي تلزم فيها الدولة المواطنين بالعمل لديها في أي وقت ومن دون عائد مادي.
المادة 198 أيضاً من ضمن المواد التي تستخدمها القوى المدنية للترويج للتصويت بـ«لا»؛ إذ تنص على أنه «لا يجوز محاكمة مدني أمام القضاء العسكري إلا في الجرائم التي تضر بالقوات المسلحة؛ ويحدد القانون تلك الجرائم، ويبين اختصاصات القضاء العسكري الأخرى».
كذلك تبرز المادة 229 التي تمنع الفئات التي لا تمتهن مهناً حرة، مثل «الكهربائي – السباك – سمكري – نجار»، من الترشح لمجلس الشعب، إلى جانب المواد التي تتحدث عن سلطات رئيس الجمهورية وتحديداً المواد 176، 173، 199، 202 ، 127. أما بموجب المادة 31، فيحق للرئيس أن يعين رئيس المحكمة الدستورية العليا التي تراقب دستورية القوانين ويعين أيضاً النائب العام ويكون الرئيس الأعلى للشرطة، ويكون من ضمن صلاحيات الرئيس تعيين رؤساء الأجهزة الرقابية التي تراقب الفساد، كذلك يمكن الرئيس في أي وقت أن يطالب الشعب بالاستفتاء على حل البرلمان.
4 تعليق
التعليقات
-
لا حل مع الإكراه 3ثمة أمر يجدر الإشارة إليه، وهو أن أي محاولة لطرح الإسلام بغير ما يجب وخلاف المراد منه، فإنه لا يقدم طرحا محايدا بل يقدم رؤيته الخاصة. كيف يرفض هذا الفريق أن يحكم من الفريق الآخر وفي نفس الوقت يفرض علليه(الأخير) أن يذعن لما يقرره وقبول ما يفرضه؟ قال تعالى"فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنتَ مُذَكِّرٌ*لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرٍ*إِلاَّ مَن تَوَلَّى وَكَفَرَ"(الغاشية 21-23). http://www.al-akhbar.com/node/33821#comment-80584 وباقي الأجزاء http://www.al-akhbar.com/node/33821#comment-80708 http://www.al-akhbar.com/node/33821#comment-80709 عن النبي محمد صلى الله عليه وآله(لا يؤمن عبد حتى يحب للناس ما يحب لنفسه من الخير). أللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم
-
لا حل مع الإكراه 2وبذلك لا يكون ثمة حاجة لمعاقبتهم في إطار إجرائات استباقية من خلال الصيطرة عليهم لأن ذلك يمثل عقوبة على غير ذنب افتعلوه. ثمة قاسم مشترك بين معظم الأطراف المختلفين.فالجميع متفق على تعطيل دور العقل وتسليم النفس والمستقبل والمصير للحاكم، وكل أو معظم الناس متفقون على الرضى بمصادرة القرار وإلغاء أدوارهم، بمعنى أن المشكلة ليست في تخليهم عن القرار، بل في الشخص الذي يتركون له قرارهم ويسلمونه مصيرهم. كيف يختلف الناس بمعني أن برى بعضهم البعض الآخر مخطئا وغير محق ومن ثم توقع وجود أي إمكانية يثق معها كل جهة باختيار الآخرى؟كيف يتفق أن يكون المرء في وضع يحسن معه اختيار الرجل الكفؤ ولا يحسن التدبير والإختيار في القضايا الأخرى؟فما دام المرء يعرف الشخص المناسب الذي يمكنه حل مشاكله فكيف لا يستطيع(الأول) أن يحل مشاكله أو لماذا لا يبادر إلى حلها بنفسه؟ إما تكون مشكلة المعارضة مع الإسلام وإما مع من يتصدى لتطبيقه، مع حيث انه(بحسب رؤيته) لا يملك الفهم الصحيح، وهذا هو الواقع على ما يبدو، كون الممارسة تتبع الفهم الذي إن كان صحيحا، فإنها(الممارسة) ستكون سليمة والعكس هو الصحيح.لذلك ليس أمام المعارضة من خيار سوى البحث عن قانون محايد(كلمة سواء)، وهذا ليس موجودا بغير الإسلام. في نفس الوقت الذي ينص فيه الإسلام على وجوب اتباعه، فإنه ينص على حرمة الإكراه في فرضه على من لا يقبل به، إذ ينص على تحريم الإكراه بالذين، كقول تعالى"لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ"(البقرة 256).
-
لا حل مع الإكراه 1بسم الله الرحمن الرحيم أللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم كما كنت قد بينت في غير مناسبة، لا يشرع الإسلام تنصيب رئيس(حاكم) يقرر للناس ويفرض عليهم ما لا يلائمهم ويكرههم على العمل بما يراه مناسبا، وهو النهج الفرعوني"يَا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظَاهِرِينَ فِي الأَرْضِ فَمَن يَنصُرُنَا مِن بَأْسِ اللَّهِ إِنْ جَاءَنَا قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلاَّ مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلاَّ سَبِيلَ الرَّشَادِ"(غافر 29). من غير الجائز تنصيب حاكم يقرر عن الناس وفي نفس الوقت يتم اعتماد قضاء يتولى محاكمة ومقاضاة ومحاسبة أي مخل ومعتد وباغ ومنحرف.فلو قرر أحد ما شيئا فعليه وزره، سواء كان هو أو غيره المنفذ لما قرره.فهذا يعني أن الحاكم، يتحمل مع من اختاره ورضي به وزر أي خطأ يحصل جراء تنفيذ ما يقرره، وعليه، فليس من العدل أن يعاقب الناس على تداعيات ومفاسد نتجت من ممارسات تمت بموجب قراراته(أعني الحاكم). لا يتعلق الأمر على أي فرد يفرض نفسه على الناس كحاكم فقط، بل ينطبق على كل من يعمل بالإكراه ويفرض رأيه على الآخرين، ولا فرق إن كانوا أفرادا أوجماعات أو أمم.فمن يؤمن أن الإسلام هو السبيل الوحيد للخلاص(وهو كذلك)،فليطبقه على نفسه، سواء كان فهمه له صحيحا أو العكس، وكذلك كل فرد أو جماعة ترى الخلاص بغير الإسلام وعبر الديمقراطية وغيرها من الآليات المبتدعة والمتبعة والمعتمدة هنا وهناك. فبدل اعتماد اسلوب توجيه الناس والتقرير لهم بحجة عدم قدرتهم على حكم أنفسهم، فإن الأسلم ان يتم معاقبتهم على أي تعد أو جريمة أو إسائة للغير تصدر من أي فرد منهم.
-
اولا هذا النقد متاخر لمشروعاولا هذا النقد متاخر لمشروع الدستور. لو كانت القوى المدنية التي تتحدثين عنها جادة فعلا بسبب المواد الواردة في الدستور وليس بسبب نيتها تعطيل بناء المؤسسات لكانت بدات في هذا منذ اليوم الاول. المادة التي تقول ان الشريعة الاسلامية هي المصدر الاساسي للتشريع كانت موجودة في الدستور القديم وبالتجربة الطويلة نعلم ان هذه المادة لا تعطي الحكم لرجال الدين. هذه المادة تقول ان الشريعة الاسلامية هي المصدر الاساسي للتشريع ولا تقول انها المصدر الوحيد للتشريع. لا يوجد اي مادة في الدستور تقول ان لرجال الدين او للازهر حق النقض. لا يوجد اي مادة في الدستور تقول ان للازهر حق ارجاع القوانين لمجلس النواب ان راى ان هذه القوانين تخالف الشرع الاسلامي. مشروع الدستور ينص بكل وضوح ان الشعب هو مصدر السلطات وليس رجال الدين وليس اي فئة اخرى. يعني هناك مبالغة في الموضوع، والمواد الاخرى في الدستور تساهم في توضيح ان السلطة كلها للشعب ولممثلي الشعب. ولكن اولا وقبل كل شيءهذا النقد متاخر، والاحزاب والقوى التي تسميها مدنية لم تقدم هذا النقد ابدا، ولا مرة واحدة. مرة اخرى مما يدلل على كذبها وانها لا تريد سوى تعطيل بناء المؤسسات ومنها مجلس الشعب لانها تعلم انها ستخسر انتخابات هذه المجالس.