يبدو أن قرار المؤتمر الوطني العام الحاكم في ليبيا (البرلمان)، أول من أمس، إغلاق حدود البلاد مع كل من النيجر والجزائر وتشاد والسودان، مؤقتاً، بالتزامن مع إعلان الجنوب «منطقة عسكرية مغلقة»، كان بمثابة ضرب عصفورين بحجر واحد؛ ضبط الوضع الأمني عبر الحدود في ظل ازدياد عمليات نقل السلاح، والإعداد لمناخات تدخل عسكري دولي في شمال مالي.
ولعل زيارة رئيس الوزراء الليبي علي زيدان، يوم الجمعة الماضي، لكل من الدول الأربع المجاورة، تصبّ في هذا الإطار. ففيما تعاني بعض مدن ليبيا، وخصوصاً بنغازي، من اعتداءات متواصلة قد يكون سببها الحضور الكثيف للإسلاميين المتشددين الذين باتوا جزءاً من المشهد الليبي منذ انتهاء حكم الزعيم العقيد معمر القذافي، ثمة مشكلات عديدة تعاني منها ليبيا _ ما بعد الثورة _ أبرزها الاشتباكات المتواصلة بين خلايا مُسلحة، أو اعتداءات كان آخرها يوم أمس حيث تم استهداف مركزي شرطة في هجومين متزامنين في بنغازي (شرق)، فضلاً عن بقايا أزلام القذافي والخوف من اتصالهم ببعض أبناء «العقيد» الموجودين في الجزائر والنيجر.
لذلك كان إعلان منطقة الجنوب منطقة عسكرية وإقفال الحدود مع أربع دول بمثابة إجراء وقائي له مدلولاته السياسية والأمنية في الداخل الليبي وفي الجوار، حيث تعاني منطقة الساحل الأفريقي والصحراء الكبرى من تحركات ناشطة لتنظيم القاعدة، توصلت أخيراً الى السيطرة على شمال مالي وإعلان حكم الشريعة الإسلامية هناك.
وبدا أن قرار المؤتمر الوطني الأخير كان استجابةً للعديد من أعضاء البرلمان، وخصوصاً أن بعض هؤلاء قاطعوا جلسات المؤتمر في الآونة الأخيرة احتجاجاً على انعدام القانون في الجنوب، مشيرين الى أعمال عنف متزايدة من جانب جماعات مسلحة هناك، إضافة الى تهريب المخدرات.
واللافت أن هذه السيطرة أعقبت انتصار الثورة، وتحول المنطقة الحدودية الجنوبية من الهضبة الأفريقية إلى مسرح خصب لتحركات التنظيمات الجهادية المُسلحة ولتهريب كميات كبيرة من الأسلحة التي كانت في مخازن الجيش الليبي السابق الى منطقة الساحل. بصورة أوضح، أصبحت منطقة جنوب ليبيا ممراً آمناً لعناصر القاعدة الذين يؤمنون الدعم اللوجستي «لإخوانهم» في شمال مالي.
لذلك يأتي القرار الليبي بإغلاق مؤقت للحدود، والذي صوّت عليه النواب بغالبية 136 صوتاً، متزامناً مع الاستعدادات للتدخل العسكري في مالي، وفي الوقت نفسه محاولة لضبط الأرض الأكثر خصوبة للجماعات المسلحة وللخلافات القبائلية في الداخل الليبي.
أما على المستوى الإقليمي، فقد بدا القرار الليبي متعاوناً الى أبعد الحدود مع الدول الكبرى التي تستعجل قرار التدخل العسكري في شمال مالي، وخصوصاً فرنسا التي تقف على رأس المطالبين بهذا التدخل. والتماهي الليبي مع الموقف الفرنسي أمر طبيعي نسبة إلى حجم الدعم الفرنسي للثورة في ليبيا.
الواضح أن الأرضية السياسية الداخلية في مالي قد أصبحت ملائمة لتدخل أفريقي دولي، وخصوصاً بعد تأليف الحكومة، وحرص رئيس الوزراء الجديد ديانغو سيسوكو على منح المزيد من الثقل للمناطق الثلاث في شمال مالي، التي تحتلها بالكامل منذ حزيران الماضي المجموعات الإسلامية المسلحة.
لذلك دعا الاتحاد الأفريقي والمجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا مجدداً، أمس، إلى نشر قوة أفريقية «من دون تأخير» لطرد الجماعات الإسلامية هناك.
لكن الخطة العسكرية التي وضعها قادة جيوش الدول الأعضاء في المجموعة الاقتصادية، خلال اجتماع في أبيدجان أخيراً، والتي أُطلق عليها اسم «البعثة الدولية لدعم مالي»، لا تزال تحتاج الى تفاهم فرنسي _ أميركي بشأن قرار من مجلس الأمن يسمح ببدء عمل عسكري دولي في مالي.



وفقاً للمادة الأولى من القرار الليبي، تصبح مناطق غدامس وغات، وأوباري، والشاطئ، وسبها، ومرزق، والكفرة، منطقة عمليات عسكرية مغلقة تطبق بشأنها التشريعات الاستثنائية الواردة بالخصوص، بينما نصت المادة الثانية على أن تغلق مؤقتاً الحدود الليبية البرية مع كل من تشاد، والنيجر، والسودان، والجزائر، إلى حين تنظيمها وإعادة فتحها بالتنسيق مع دول الجوار. وكلف القرار في المادة الثالثة منه وزير الدفاع، محمد البرغثي، «بتعيين حاكم عسكري للمنطقة الجنوبية، على أن يكون من خارجها ويمنح كافة الصلاحيات المخولة للسلطة التنفيذية في هذا الخصوص، بما في ذلك القبض على المطلوبين للعدالة في هذه المناطق وإبعاد المتسللين عبر الحدود وإعادتهم إلى أوطانهم، وله أن يستعين بمن يراه مناسباً لتحقيق ذلك».