يطرح الانشقاق الذي حصل منذ أيام داخل الجسم العسكري لتنظيم الجبهة الشعبية _ القيادة العامة، في مخيّم اليرموك للاجئين الفلسطينيين، تحدياً أمنياً جديداً يهدّد خطّة النظام السوري لتأمين «دمشق الكبرى»، كما قد يحول هذا التطور دون تنفيذ قرار سياسي حازم للنظام، كان قد أقرّ بعد معركة طريق المطار. والقرار يفيد أنّه، مع حلول العام الجديد، لن يسمح ببقاء أي مظهر للجيش السوري الحر والمجموعات المسلحة في دمشق وكلّ ريفها الملاصق لها.
فبعد معركة طريق المطار، قبل أسبوعين، وتراجع المجموعات المسلحة نحو مناطق مطوّقة عسكرياً في منطقة ريف دمشق، ظهرت استراتيجيتا قتال تتواجهان:
الأولى خاصة بالجيش السوري، وتسعى للسيطرة على بقايا مناطق لا تزال تسيطر عليها المعارضة المسلحة حول دمشق، وذلك على جبهتين؛ الأولى في الغوطة الشرقية، حيث الهدف إخراج تشكيلات الجيش الحر وجبهة النصرة ومجموعات أخرى من مناطق دوما، عربية، كفربطنة والمليحة. وضمن هذا المحور كان الجيش السوري قد أنجز في الجولات الأخيرة من معركة دمشق السيطرة على داريا والمعضمية، ما عدا عمليات «التمشيط».
الجبهة الثانية حول دمشق، وجّه الجيش السوري فيها ضغطه على منطقة جنوب دمشق، وتحديداً على بلدات القدم، والحجر الأسود، والتضامن. وتعامل الجيش معها بأسلوب القصف الذي يمهّد للاقتحام.
في المقابل، لدى «جبهة النصرة» النشطة في هذا القطاع، خطة معاكسة، هدفها ليس الدفاع عن معاقلها المتبقية في هذه المنطقة، فحسب، بل السيطرة على منطقة جنوب دمشق بكاملها. ومثل هذا الهدف، يحتاج بالأساس إلى إنهاء سيطرة اللجان الشعبية التي أنشئت بالتنسيق مع النظام في مخيّم اليرموك، إذ إنّ السيطرة عليه تعني السيطرة بالنار على طريق مطار دمشق الدولي، وأحياء داخل العاصمة، وإنشاء شريط «محرر» في جنوب دمشق.
وطوال الأسبوع الفائت، استهدفت جبهة النصرة، وتشكيلات مسلحة معها، مخيّم اليرموك بالقصف من منقطة وجودها في منطقة الحجر الأسود التي تملك فيها عمقاً لوجستياً، يتمثّل في بلدات ببيلا، ويلدا، وحيّي التضامن والقدم، وهي آخر معاقل تشكيلات المعارضة المسلحة في جنوب دمشق. ولكن استهداف اليرموك من هذه المناطق فشل في إحراز تقدم على الأرض لصالح حبهة النصرة.
ضمن هذه التطورات، حصلت حالات يأس داخل تشكيلات الجيش الحر والمعارضة المقاتلة على محاور دمشق الجنوبية، وخصوصاً أنّ معركة المطار كانت غالية الثمن للمعارضة بشرياً. وتجلّت أبرز مظاهرها بانسحاب ١٦ كتيبة من الجيش الحر في جنوب دمشق، كتعبير عن يأسهم من جدوى الاستمرار بالقتال. كذلك أسهم في تعميم حالة انحدار المعنويات بين تشكيلات المجموعات الأصولية المقاتلة في تلك المنطقة، شيوع معلومة تؤكد نجاح الجيش السوري في اعتقال شقيق أيمن الظاهري في منطقة دوما، ويدعى محمد الظواهري.
ولكن جبهة النصرة نجحت في إنجاز اختراق لحالة اليأس المتعاظمة هذه، عندما قامت بترتيب انشقاق لصالحها، داخل البنية التنظيمية للقيادة العامة في مخيّم اليرموك، والتي تعتبر القوة الصلبة بين تشكيلات اللجان الشعبية المدافعة عنه. وتراهن الجبهة على أن تؤدي حالة الانشقاق هذه إلى تداعيات داخله، تؤدي إلى إسقاط المخيّم من الداخل، ما يوفّر شريطاً جغرافياً كاملاً لانتشار المعارضة في منطقة جنوب دمشق.

البيئة المقاتلة في المخيم

ما كانت جبهة النصرة تستطيع أن تجد موطئ قدم لها في اليرموك لولا وجود بيئة فلسطينية بداخله حاضنة للحراك الشعبي السوري ضد النظام. وهذه البيئة تتكون من الفئات الآتية:
بشكل أساس «بيئة حماس الحائرة»، حسب ما يصطلح على تسميتها داخل المخيم، والتي تتماهى من دون أوامر مباشرة مع مواقف قياداتها المنحازة للحراك السوري ضد النظام، إضافة إلى بقايا فتح، خاصة أولئك الذين دخلوا السجون عندما وقع الخلاف بين فتح والنظام السوري في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي، إضافة إلى كتيبة الأقصى التي سلّمت قبل ثلاثة أشهر سلاحها، معلنةً انسحابها من الحراك. وأبرز رموزها سمير برناوي وفايز ميداني، وكلاهما ينحدران من فتح. وأيضاً كتيبة أحرار فلسطين، وهي تشكيل سلفي. ويضاف إلى هؤلاء انشقاقات محدودة داخل جيش التحرير. وأبرز المنشقين الرائد محمد عاشور ومعه ٣٠ عنصراً. وأول انشقاق في جيش التحرير قام به عنصر من درعا. كذلك توجد في هذه البيئة خلايا فلسطينية نائمة غير مرئية، وأبرز مثال هو منفذ عملية القزّاز الانتحاري الفلسطيني حسن عمورة المنتمي إلى جبهة النصرة. وأيضاً التنسيقيات الفلسطينية في المخيّم وعملها التحريضي عبر مواقع التواصل الاجتماعي، حيث تدعو اللاجئين الفلسطينيين للانضمام إلى إخوتهم السوريين في الحراك ضد النظام.

قصة الحراك في المخيم

آخر إحصائية عن عدد الفلسطينيين في سوريا أجرتها السلطات السورية عام ٢٠١١، حيث بلغ عددهم ٦٨٠ ألفاً. ويقيم منهم في مخيّم اليرموك وحده ٢٨٠ ألفاً. وحتى ما قبل شهر رمضان الماضي كان مخيّم اليرموك هادئاً، لكن مع بدء الاشتباكات في أحياء الحجر الأسود (يقطنه نازحون من الجولان) والميدان، والتضامن المتداخلة مع المخيم، بدأت هجرة هؤلاء الأهالي إليه، للاحتماء من عمليات المطاردة المتكررة للجيش السوري، داخل هذه الأحياء، بشكل يومي تقريباً. ومثّل دخول نازحي هذه الأحياء إلى المخيّم سبباً مهماً من جملة أسباب أخرى أدّت إلى انخراط المخيّم في حراك الانتفاضة السورية ضد النظام، ذلك أنّ القسم الأكبر من لاجئي المخيّم يعيشون وضعاً اقتصادياً صعباً. وهكذا حصل نوع من التضامن الاجتماعي بين الشريحتين، لكنّ الحافز الأهم لاشتراكهم في القتال مع أبناء محيطهم السوريين، هو البعد المذهبي المشترك بينهما.

«حماس»

عامل آخر بالغ الأهمية جعل المخيّم يدخل الحراك. اليرموك حافظ على صلته بحركة حماس. فمنذ الافتراق بين حماس والنظام السوري على خلفية انحياز الأولى للحراك السوري، أخلت الحركة مكاتبها في عملية هجرة منظمة نقلت خلالها كلّ قياداتها ومؤسساتها من سوريا. ورغم أنّ هذه العملية بدأت منذ مطلع العام الحالي، لم تظهر بوضوح سوى في شهر آب الماضي. لقد نظمت حماس عملية خروج فردي لقياديي صفّها الأول. وترك خروجهم تأثيراً نفسياً سيّئاً على قاعدة حماس داخل المخيمات، وبالأخص في اليرموك. وأسباب ذلك عديدة، أبرزها الفراغ الخدماتي الذي خلّفته. فأساساً، دخلت حماس إلى مخيم اليرموك عبر البوابة المادية، حيث قدمت الإعانات الغذائية ورعت عائلات الشهداء، ورعت تقليد الأعراس الجماعية المموّلة عبرها. وبعد انقضاء عام على وجودها، أصبح لديها في مخيّم اليرموك قاعدة اجتماعية ذات طابع عائلي، مرتبطة بها عبر شبكة مؤسسات خدماتية ودينية. كان مسجد «الوسيم»، التابع لحماس، الأشهر في المخيّم بين عشرين مسجداً آخر. كذلك سيطرت الحركة على مسجد عبد القادر الحسيني، وأنشأت جمعية الإسراء التي اهتمت بالخدمات الاجتماعية، وجمعية جنين، واهتمت بالرياضة.
واتبعت حماس في تلك الفترة أسلوباً تنظيمياً حديدياً داخل مخيّم اليرموك، كما في المخيمات الأخرى، وإن بدرجة أقل. وركّزت على تنظيم الشباب الفلسطيني فيه، وفرضت على أعضائها قوانين سلوكية صارمة، إذ منعتهم من التدخين، والاختلاط ببيئات اجتماعية وسياسية مغايرة لبيئة الحمساويين، أو التعاطي اجتماعياً أو عائلياً مع أبناء الفصائل الأخرى، إضافة إلى ضرورة التزامهم بمواعيد الصلاة في مسجد حماس الأشهر في المخيم، أيّ جامع الوسيم، الذي حرص رئيس المكتب السياسي للحركة خالد مشعل على الصلاة فيه كل يوم جمعة.
وبعد حوالى ١٤ سنة من الوجود الفعال في مخيم اليرموك، المتحرّر من أيّ شروط من النظام السوري، أصبحت حماس تمثّل تنظيمياً ما بين ٣٠ إلى ٣٥ في المئة من أبناء المخيّم، وجلّهم من الشباب. وصار شباب حماس مرتبطين مع أسرهم بها، عقائدياً واقتصادياً واجتماعياً. وعندما خرجت حركة حماس من المخيّم، شعرت العائلات المرتبطة بها، وخصوصاً الشباب، بفراغ على كافة المستويات. وسادت الحيرة بينهم، والبحث عن بديل، ولا سيّما أنّ حماس انسحبت من المخيّم وسحبت معها كافة خدماتها وصلاتها التنظيمية المباشرة بعناصرها من أبناء المخيّم. والصلة الوحيدة التي أبقتها معهم هي وعدها لهم بأنها ستعود حينما يتغيّر الوضع في سوريا، أيّ عند سقوط النظام. وبهذا المعنى، فإنّ شباب حماس وعائلاتهم المرتبطين بها، أصبح لديهم هدف وحيد، وهو الجهاد لإسقاط النظام، لكيّ يتسنى عودة الحركة «المطرودة» إلى دمشق. وترجمةً لذلك، أعطت حماس أمراً، غير مباشر، بالتصاق عناصرها بالحراك السوري ضد النظام.



قصف المخيّم جريمة

رأت حركة المقاومة الإسلامية حماس أنّ قتل اللاجئين الفلسطينيين في مخيّم اليرموك في سوريا «جريمة نكراء وبشعة يجب ألا تتكرّر»، مشيرةً إلى أنّها تجري اتصالات لوقف القصف، الذي وصفته بـ«الهمجي».
قال مسؤول العلاقات الدولية في حركة حماس، أسامة حمدان، في بيان يوم بدء المعارك في مخيّم اليرموك، إنّ «قصف طائرات الجيش السوري لمسجد عبد القادر في مخيّم اليرموك هو جريمة نكراء يجب ألا تتكرّر». وأضاف حمدان أنّ «حركة حماس تجري اتصالات مكثفة لضمان وقف العدوان المتواصل والقصف الهمجي على مخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين». وشدّد على رفض «حماس» إقحام اللاجئين الفلسطينيين بما يجري من أحداث في سوريا، متابعاً «الفلسطينيون ضيوف على الشعب السوري ولا يجب إقحامهم بما يجري من أحداث على الأرض».