رام الله | رغم إعلان وزارة المال الفلسطينية استكمال كافة الإجراءات لدفع نصف راتب للموظفين، فإن الحدث الأبرز يبقى الإضراب الشامل الذي نفّذه موظفو القطاع العام، وهو ما شلّ قطاع الخدمات في الضفة الغربية، بينما الأزمة المالية التي تعانيها السلطة الفلسطينية تراوح مكانها، فلا أفرجت الحكومة الإسرائيلية عن عائدات الضرائب الفلسطينية، ولا وصلت أموال «شبكة الأمان العربية». ونُفذ إضراب القطاع العام ليومين متتاليين، حيث شارك فيه نحو 50 ألفاً، وشمل كافة المدارس والوزارات والمؤسسات الرسمية، فيما تتجه النية إلى التصعيد بتنظيم سلسلة إضرابات جديدة الأسبوع المقبل، في حال لم يتلقوا رواتبهم، وخصوصاً أن بعض الموظفين أكّدوا لـ«الأخبار» أنّهم لا يملكون تكاليف مواصلاتهم للوصول إلى أماكن عملهم، فيما لم يشمل الاضراب أفراد الأمن الفلسطيني من كافة الأجهزة.
ويأتي نصف الراتب، الذي أعلنته وزارة المال، عن شهر تشرين الثاني الماضي، لأن آخر ما تسلمه الموظفون كان راتب شهر تشرين الأول، الذي دُفع في نهاية الشهر الماضي، ما يعني أن راتب كانون الأول الحالي مجهول الموعد، ويواجه نفس مصير التأخير في حال عدم توفر الأموال.
وتقول السلطة الفلسطينية إن السبب الرئيس وراء تأخير الرواتب هو وقف إسرائيل تحويل الضرائب الشهرية التي تقدر بنحو مئة مليون دولار، عقاباً على حصول فلسطين على دولة غير عضو في الأمم المتحدة وحصولهم على اعتراف فعلي بالدولة الفلسطينية دولياً.
وأكد رئيس نقابة العاملين في الوظيفة العمومية، بسام زكارنة، أن هذا الإضراب موجّه بشكل رئيس ضد القرصنة الإسرائيلية، موضحاً خطورة الموقف، وخصوصاً أنّ الخدمات المقدمة للناس تقلصت بشكل ملحوظ بسبب الإضراب، بينما لا يملك الموظف تكاليف المواصلات إلى أعمالهم.
لكن الناشط محمد أبو علان، علق على الإضراب بالقول «على الرغم من شمولية الإضراب في مؤسسات القطاع العام، إلا أن الشواهد تقول إن الأطر النقابية لا تزال أضعف من أن تكون مزعجه للحكومة بحيث يُحسب لها حساب».
وكانت حكومة الاحتلال قد هددت صراحة بوقف تحويل عائدات الضرائب الفلسطينية إلى السلطة الفلسطينية في حال التوجه إلى الأمم المتحدة، وهو ما حصل بالفعل، تحت ذريعة سداد ديون فلسطينية مستحقة لشركات إسرائيلية كالمياه والكهرباء والبترول.
بدوره، اعتبر المحلل السياسي محمد هواش في حديث لـ«الأخبار» أن «الأزمة معقدة ومركبة، فمن جهة ميزانية السلطة، تعاني عجزاً مالياً مقداره 30 مليون دولار شهرياً يظهر في الأشهر الاخيرة من السنة، يضاف إليه تجميد حكومة الاحتلال عائدات الضريبة الفلسطينية والتي تقدر بنحو 500 مليون شيكل شهرياً، ويزيد صعوبة وتعقيد الأمر بعد كل ذلك تأخر وصول المساعدات العربية المقررة لدعم الفلسطينيين».
أما سبل الخروج من الأزمة بحسب هواش، فتحتاج «إلى تحرك متعدد المجالات والاتجاهات، الأول تقليص مصروفات السلطة الى الحدود الممكنة واجراءات تقشف قد تعطي فرصة لسد العجز اذا ما أضيفت الى مردودات ضريبية تجبيها السلطة مباشرة من الفلسطينيين، والتعجيل في توفير الدعم العربي المقرر، ومنها بالطبع شبكة أمان تقررت بناء على فرضية أن تقوم الحكومة الإسرائيلية بتجميد أموال الفلسطينيين والتصرف بها كما حدث الشهر الماضي، اذ حولت هذه الأموال الى شركة الكهرباء الاسرائيلية تسديداً لدين على الشركة الفلسطينية، وأخيرا تبكير تحويل المساعدات الدولية للفلسطينيين بحيث تصل قبل مواعيدها المقررة».
من جهته، رأى الإعلامي داوود كتاب أنه ورغم تأخر وصول أموال شبكة الأمان العربية، «فأننا لا نستطيع الطلاق من العرب، فالمشكلة ليست هكذا، وإنما واضح بأن هناك استحقاقات سياسية، والسلطة الفلسطينية ليست راضية عن دفعها». واعتبر أن أهم هذه الاستحقاقات التي تؤخر وصول الأموال تتعلق بالمصالحة، «فكما هو معروف بأن علاقات الدول مبنية على مصالح، ويبدو بأن مصالح الدول بمنظورها هي، سبب رئيس في تأخر أو انعدام وصول الدعم العربي منه وغيره».