بغداد | ساعات المطر المتواصلة خلال الأيام الماضية كانت كفيلة بتعطيل حياة الدولة العراقية، إذ دفعت مجلس الوزراء الى إعلان أمس عطلة رسمية في البلاد، الا انها بالرغم من ذلك لم تتمكن من تخفيف حدة الأزمة بين الحكومة المركزية في بغداد، والمحافظات الأخرى ذات الغالبية السنية، تلك الأزمة التي نشبت إثر اعتقال عناصر حماية وزير المالية التابع للقائمة العراقية رافع العيساوي، البالغ عددهم 200 عنصر.سيناريو اعتقال حمايات وزير المالية كان يشبه الى حد بعيد، ذلك الذي تعرض له أفراد حماية نائب رئيس الجمهورية طارق الهاشمي، وهو كالتالي، قوات أمنية تعتقل عناصر حماية يشتبه بتنظيمها عمليات إرهابية في البلاد (بحسب ادّعاء المسؤولين الأمنيين في السلطة التنفيذية)، أعقبتها مكالمة هاتفية بين وزير المالية العيساوي ورئيس مجلس الوزراء المالكي، اكد خلالها المالكي أنه سيشكل لجنة لمحاسبة العناصر الأمنية غير المنضبطة خلال عملية الاعتقال. وبدوره، اعتذر العيساوي عن التصريحات النارية التي أطلقها بعد العملية.
هذه المواقف الايجابية من طرفي الأزمة الحالية، لم يكن لها صدى على ارض الواقع، حيث أعلنت «القائمة العراقية» مقاطعتها جلسات مجلس الوزراء متحجّجة بأن رئيس المجلس يسعى لضرب «القيادات السنية» عبر استهدافه لعناصر حماياتها.
أمّا على صعيد الحراك الشعبي في المحافظات ذات الغالبية السنية، فإن منحناه يتصاعد يومياً؛ يوم الثلاثاء انطلقت تظاهرة على الطريق الدولي الرابط بين بغداد ومحافظة الأنبار تطالب باطلاق سراح المعتقلين، والذي كان لافتاً للنظر فيها انضمام أمير قبائل الدليم علي حاتم السليمان، الى صفوف المعتصمين، مطالباً بتعليق أعمال مجلس محافظة الأنبار والانضمام الى المعتصمين المتظاهرين، ذلك ان القضية «باتت تتعلق بالكرامة والشرف ولا تتعلق بحماية وزير المالية رافع العيساوي فقط».
وأضاف السليمان، في تصريحات إعلامية أطلقها خلال وجوده بين المتظاهرين، أن «القضية أصبحت بين المعتصمين المطالبين بوقف الانتهاكات التي تتعرض لها النسوة المعتقلات في سجون الحكومة وبين حكومة بغداد»، متوعداً بأن أي تأخير في الاستجابة لمطالب المتظاهرين سيؤدي إلى رفع سقفها. وأكد «أننا أخبرناهم قبل سنة ونصف بأننا سنخرج باعتصامات إلا أنهم لم يصدّقوا ذلك، وها نحن اليوم نعتصم بعد يأسنا من حكومة المحاصصة والشراكة الكاذبة».
وفي هذه الأثناء، كشف مجلس علماء العراق في محافظة سامراء، عن موقف أكثر جرأة، حيث أعلن بدء الأهالي في المحافظة بتنفيذ عصيان مدني أطلقوا عليه «أربعاء الكرامة» بمشاركة أعضاء من مجلس المحافظة والنائب الأول للمحافظ، فيما أكد أنهم طالبوا بجملة من الأمور أبرزها إطلاق سراح المعتقلين والمعتقلات.
القيادي في القائمة العراقية، حامد المطلك، لـ«الأخبار» اعتبر ان ما تشهده المحافظات ذات الغالبية السنية من احتجاجات هو «حراك شعبي، يُعبّر عن رأيه بشأن النهج الحكومي القاضي بتهميش الآخر، والتجاوز على حقوق الإنسان، وهذه الاحتجاجات تمثل الانتقادات التي كانت تُتَداول بين عامة الناس قبل انطلاق هذه التظاهرات، لذا فإننا نتمنى أن تكون احتجاجات هادفة وشعاراتها وطنية». وأكد انه «لا يمكن اغفال حقيقة بأن السُنّة يشعرون بالحيف وظلم ممنهج من قبل الحكومة المركزية في بغداد، وهذا لا يعني في الوقت نفسه أن هناك تقصيراً في تقديم الخدمات للمكونات الأخرى».
وبشأن امكانية تجدد العنف الطائفي في البلاد، تحدث المطلك عن ان هناك من يتربص بالشعب العراقي من دون الإشارة الى هويتهم، مؤكداً أن المنطقة تخضع لمشروع بدأ من العراق.
في المقابل، التقت «الأخبار» بالنائب عن ائتلاف دولة القانون علي الشلاه، الذي اتّسم خطابه بنبرة غاضبة، موضحاً أن «قيادات العراقية بدل أن يعترفوا بأن عناصر حماياتهم قد مارست العديد من العمليات الإرهابية، التي طاولت حتى العوائل في محافظات الأنبار وديالى، يتبجّحون بمظلوميتهم وغبن حقوقهم».
وأضاف النائب عن ائتلاف دولة القانون بزعامة رئيس مجلس الوزراء نوري المالكي، أن «قادة العراقية يغررون بالمواطنين ويدفعونهم الى الشارع، ولذا فإن هذه التحركات لا وزن لها وسرعان ما ستخبو وتيرتها لكونها انطلقت بتحريض من أطراف معروفة». وأكد «عدم سماعه بوجود معتقلات في قضية العيساوي، وهؤلاء يثيرونها لتحشيد إحدى مكونات الشعب، فهم دعاة فتنة وتجزئة».
ودعا الشلاه، وزير المالية إلى «تقديم استقالته، حيث إنه وصف في آخر تصريح له، الحكومة التي هو أحد وزرائها بالميليشيا، ولذا فإن الحكومة لا يشرفها ان يكون العيساوي احد رجالاتها»، مُذكّراً بأنه «سبق أن اعتُقلت حماية الدكتور عادل عبد المهدي الذي يمثل احد اقطاب التحالف الوطني، وأُدينوا بالتهم الموجهة اليهم، الا اننا لم نشاهد تحشيداً كهذا الذي نتابعه اليوم».