تونس | رفض ٤٤ نائباً وتحفّظ ٢٢ آخرون على التصديق على ميزانية رئاسة الجمهورية التي لم تحز موافقة المجلس الوطني التأسيسي، إذ أثار هذا الرفض جدلاً سياسياً جعل كتلة حزب الرئيس محمد المنصف المرزوقي «المؤتمر من أجل الجمهورية» تتّهم كتلة حركة النهضة بعقاب الرئيس بسبب مواقفه من الحكومة ومناداته بحكومة مُصغّرة بعيدة عن المحاصصة الحزبية. وسجلت الميزانية المخصصة لرئاسة الجمهورية لسنة ٢٠١٣ زيادة بحوالى ١٠ في المئة عن ميزانية السنة الجارية، وهي ميزانية تضاهي تقريباً ما كان مُخصّصاً لرئاسة الجمهورية زمن الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي، التي اعتبرها المرزوقي نفسه، قبل دخوله قصر قرطاج، نموذجاً للفساد والاستبداد. لكن مصالح الرئاسة أعادت الميزانية نفسها والأبواب نفسها تقريباً، بما فيها الباب المُخصّص للعناية بالكلاب والاستقبال والحفلات والفريق الأمني الذي يُعد بنحو ثلاثة آلاف منتسب من الأمن الرئاسي وحماية الشخصيات الرسمية. وقد وصلت ميزانية الرئاسة الى ما يُقدّر بـ٤٠ مليون يورو، فاعتبرتها القوى السياسية ميزانية ضخمة بالنسبة إلى رئيس بلا صلاحيات.
ورأت كتلة حزب «المؤتمر من أجل الجمهورية»، الذي يرأسه الرئيس شرفياً، أن عدم التصديق على الميزانية «عقوبة» للرئيس بسبب انتقاده الدائم للأداء الحكومي. وقالت النائبة عن الحزب سامية عبو، إن حركة النهضة تريد أن تحرم الرئيس من كل شيء، وأن يكون دوره دوراً لا يتعدى التشريفات البروتوكولية.
أما مدير الديوان الرئاسي عماد الدائمي، فرأى أن عدداً من النواب لم يفهموا أبواب الميزانية التي سيُخصّص ٦٠ في المئة منها للأجور، في حين رأى المتحدث الرسمي باسم الرئاسة عدنان منصر، أن الاتفاقيات التي عقدها الاتحاد العام التونسي للشغل مع نقابات العاملين في رئاسة الجمهورية من موظفين وأمنيين تضمنت مجموعة من اتفاقيات الزيادة في الأجور، وهذا سر الترفيع في الميزانية. كذلك فإن التدخلات الإنسانية لرئاسة الجمهورية تقتضي أن تكون لها الإمكانيات لمساعدة الفقراء والمحتاجين والجهات المُهمّشة وتخصص الرئاسة لهذا الباب حوالى مليار دينار تونسي (٥٠٠ ألف يورو).
هذه التبريرات التي ساقها مستشارو الرئيس ومساعدوه رفضتها المعارضة وكتلة حركة النهضة حليفة الرئيس. ونفت الحركة عن طريق بعض نوابها أن يكون عدم تصويت أعضائها للميزانية شكلاً من أشكال العقاب، بل رأت أن صلاحيات الرئيس المحدودة لا تبرر الميزانية الضخمة المخصصة له والتي لا تختلف في شيء عن ميزانية ٢٠١٠. كذلك، عبّر بعض نواب المجلس عن مخاوفهم من أن يستعمل الرئيس هذه الميزانية أو جزءاً منها لحملة انتخابية مبكرة عن طريق المساعدات الاجتماعية وزيارة الجهات.
وتساءل عدد من نواب المعارضة عن دواعي احتفاظ المرزوقي بطاقم أمني يُعدّ ٣ آلاف منتسب، وهو عدد كبير للحماية الأمنية، كما تساءلوا عن الفريق الإداري الكبير من موظفين ومن مستشارين في بلاد تعاني من أزمة مالية خانقة.
هذه الأزمة أعادت الى أذهان التونسيين خطاب المرزوقي الذي كان يدعو دائماً الى التقشف ويندد بالإمكانيات الكبيرة المالية والأمنية الممنوحة للرئيس المخلوع، لكن التونسيين فوجئوا بأن الرئيس الذي حملته الثورة الى قصر قرطاج أعاد في أول ميزانية يشرف عليها آليات بن علي نفسها.