عندما يقع تفجير انتحاري أو إرهابي في مناطق النفوذ الشعبي لحزب الله في لبنان، يخرج الناس، والدماء تغطيهم، ومن حولهم الدمار، ويقولون: لن نترك المقاومة!لو اكتفى ضحايا الارهاب بالصراخ ومطالبة القوى الامنية بالعمل لمنع الاعتداء عليهم، أو لو صرخوا من الخوف أو الألم، لما طالبهم أحد بشيء.

وهم عندما يعلنون تمسكهم بخيارات المقاومة، إنما يصحّحون الموقف للجميع، وجوهره: نحن هنا، ندفع ثمن خيارنا السياسي، وهو ثمن كنا نعرف أننا سندفعه يوم قررنا السير خلف المقاومة. ولأن ثقتنا بالمقاومة حقيقية، ونحن من منحها التفويض للقتال باسمنا ودفاعاً عنا، فنحن نعرف المسؤولية الملقاة على عاتقنا، ونعرف أن الثمن كبير، لكن اقتناعنا يقودنا الى حيث نردّد بأصوات عالية: كلنا فداء للمقاومة!

شعبنا يتحمّل ثمن
تفويضه المقاومة ولا يتنكر
لكن شعوب الغرب تنفي
تفويض حكوماتها ولا
تريد دفع الأثمان


ببساطة شديدة، ليس هذا هو ردّ فعل الآخرين من ضحايا الارهاب نفسه. ليس مستغرباً من الذين قتل أولادهم في باريس أو أي مكان في العالم، أن يصرخوا مطالبين بالانتقام. وهم، ربما، في حالة لا تسمح لهم بقبول النقاش حول أسباب ما يحصل عندهم. لكن، هل يعلن هؤلاء عن حجم استعدادهم لدفع ثمن مباشر أو غير مباشر لسياسات حكوماتهم في العالم؟
هنا، سيبادر كثيرون الى القول: هاجم الادارة الاميركية وليس الشعب الاميركي. انتقِد الحكم في فرنسا، ولا تحمّل الشعب الفرنسي المسؤولية. هاجم حكومات بريطانيا وإسبانيا وكندا وأوستراليا، لكن اترك شعوب هذه الدول. وحجة القائل، أن الشعوب ليست مسؤولة عن سياسات حكوماتها.
فعلياً، من يتغنّى بالديموقراطية الغربية، وأن الحكام هناك يمثلون حقيقة شعوبهم، عليه أن يقبل بالقاعدة التي تقول إن هذه الشعوب ستتحمّل، عن قصد أو عن خطأ، نتائج سياسات الحكام، اقتصادياً وسياسياً وأمنياً. ومن يرفض النقاش في الاسباب، لا يمكنه مطالبة الآخرين بالوقوف الى جانبه من دون أي نقاش. وهذا ما سيظل بارزاً في وجه هذه الشعوب، في كل استحقاق من نوع الهجمات الارهابية. ولن يكون هناك أفق لتغيير، ما لم تحاسب هذه الشعوب حكوماتها وتسألها عمّا تفعله في الجانب الآخر من العالم.
لا أحد يبرر للمجرمين أفعالهم. لكننا في بلاد المشرق هنا، حيث فتح الغرب، بأيدي جنوده وطائراته وعملائه من حكومات المنطقة، أبواب جهنم التي لم توصد حتى الآن، وأدت الى مقتل وجرح وإعاقة ملايين العرب والمسلمين، باسم الديموقراطية وحقوق الانسان، لا يمكن لنا التغاضي عمّا تفعله الحكومات الارهابية لهذه الدول. وليس تبريراً لأي جريمة يقترفها إرهابيّو إله الموت، لكن، هل فكرت شعوب الغرب وقياداته، لحظة واحدة، في حجم الآلام التي تسببت فيها حروبهم لأهل هذه المنطقة؟
التحدي الآن، لا يتصل بمن يتفوق في القتل وسفك الدماء، بل بمن يقدر على اتباع سياسات تصحح الاخطاء القائمة، وتقفل الابواب أمام المزيد من الجنون. ومن دون إحداث تغييرات جوهرية في مقاربة الغرب لمشاكل منطقتنا، والتوقف عن سرقة ثرواتنا، وعن إرسال جيوشه الارهابية، سيكون من الصعب توقع توقف آلة القتل عندهم. ومهما أجروا من تحقيقات، واتخذوا من إجراءات، فهم يعرفون في العمق أن العلاج يكون في نقطة المنشأ، وهذه النقطة ليست مجرد حجر أو بشر في بلادنا، بل هي فكرة مجنونة، لا تزال تنمو في حضن آل سعود، أبرز حلفاء هذا الغرب الارهابي. وهي فكرة تعيش مرتاحة، في حضن مركز الصهيونية القائم في كيان العدو الذي يعيش على دعم هذا الغرب الاستعماري.
كل المعلومات تتحدث عن انتقال متواصل لعشرات العناصر الذين ينوون تنفيذ هجمات إرهابية ودموية في دول الغرب، وحيث تصل أيديهم. وكل الإنذارات، سبق أن تلقّتها أجهزة الامن الغربية على اختلافها. لكن ذلك لن يغيّر في شيء، متى ظل الموقف السياسي على حاله. وهنا بيت القصيد.
اليوم، لم تعد الحرب نظرية على الارهاب. وبدل أن يكون موقف روسيا أو إيران أو حزب الله لحماية حليفهم في دمشق، فإن حربهم اليوم تثبت مرة جديدة أنها حرب الدفاع عن بلادهم، وعن مواطنيهم، وعن قيم الانسانية والحق في حياة حرة.
وإذا فكّر الغرب، حكومات أو شعوباً، في أن درء الارهاب يكون بجنون أعمى ودموي في بلادنا، وبفائض من العنصرية ضد العرب والمسلمين في بلادهم، فهم لم يتعلموا الدرس بعد. والمأساة، أن أحداً منا لا يعرف حجم الدماء التي يحتاج إليها الغربي، حاكماً أو محكوماً، حتى يفهم أنه، حتى إشعار آخر، يمثل أصل البلاء!