لا تكفي المعلومات الاستخبارية الجديدة الموجودة لدى إسرائيل، حول قدرات واستعدادات «كتائب القسام»، الجناح العسكري لحركة «حماس» في قطاع غزة، كي تثير القلق وتدفع المسؤولين في تل أبيب إلى رفع الصوت عالياً، والتلويح بـ«خطة عسكرية» غير مسبوقة، للحسم وللانتصار؛ تعاظم «حماس» عسكرياً ليس جديداً، وهو مسعى قائم ومستمر منذ الحرب الأخيرة على غزة، ولا يستدعي التهديد بالحرب، بل «احتلالا كاملاً للقطاع».
من هنا يأتي التساؤل عن الدوافع والأسباب، خصوصاً أن استعراض القدرات الإسرائيلية والتهديد بالحرب وبالحسم، تضمّنا الإشارة إلى أحد العوامل التي تدفع غزة إلى التصعيد، وهو اليأس من القدرة على فك الحصار. والمتغير الأحدث والمرتقب، لدى الطرفين، قد يكون مرتبطاً بالمحادثات القائمة بين تل أبيب وأنقرة، حول المصالحة بينهما، والشرط الموضوع تركياً بفك الحصار عن غزة.
هل وصلت الأمور إلى الحد الذي تخلى فيه الأتراك عن هذا الشرط، أو بالحد الأدنى قبلوا الإبقاء على الحصار عملياً، وإنهاءه شكلاً؟ سؤال يستأهل التأمل، خصوصاً أن الأنباء الأخيرة الواردة من تل أبيب تشير إلى إمكانية استئناف العلاقات بين تركيا وإسرائيل، حتى من دون التوصل إلى اتفاق، وهو اقتراح قيل في إسرائيل إن الجانب التركي قدمه، من دون ممانعة إسرائيلية، بطبيعة الحال.
وكانت وسائل الإعلام العبرية قد ذكرت أمس، نقلاً عن مصدر رفيع في قيادة المنطقة الجنوبية في الجيش الإسرائيلي، أن إسرائيل تراقب عن كثب مضاعفة «حماس» قوات النخبة لديها وحيازة وتطوير وسائل قتالية جديدة، من بينها زيادة قدرة الصواريخ على حمل مئات من الكيلوغرامات من المادة المتفجرة، إضافة إلى حيازة طائرات من دون طيار، وزيادة عديد القوات الخاصة لديها.
ولفت المصدر إلى أن الجيش الإسرائيلي يدرك هذه المحاولات، ولهذه الغاية أعدّ «خطة قتال شاملة لخوض معركة محتملة في غزة، في حال حدوث تصعيد للأوضاع الأمنية في الجنوب، تهدف إلى ضرب حماس عسكرياً، وأيضاً حسم المعركة». وأضاف أن الخطة «تعتمد على عناصر من بينها حشد القوات بسرعة وقصف مكثف على أهداف العدو، وتعزيز الحماية للمستوطنات الإسرائيلية القريبة من القطاع»، مشيراً إلى أن الخطة تشمل عمليات دفاعية، من بينها تفعيل خطة إخلاء المستوطنات المحاذية للحدود مع غزة.
المصدر نفسه تحدث عن أن الخطة وضعت بعد تنسيق الجهود مع «شعبة الاستخبارات العسكرية» في الجيش الإسرائيلي، إضافة إلى سلاحي الجو والبحرية، لافتاً إلى أن الجيش الإسرائيلي نفذ في الأشهر الأخيرة تدريبات ومناورات تتماشى مع مقومات الخطة الجديدة.
مقابل ذلك، يشير المصدر نفسه إلى أن المعلومات الاستخبارية تبين أن الجناح العسكري لـ«حماس» يعمل تحت قيادة بارزة وقوية استطاعت تحويل القيادة السياسية إلى ما يشبه أئمة مساجد لا أكثر، بل إن «الجناح العسكري لا يخشى توجيه الانتقادات إلى القيادة السياسية في الخارج». والجيش، كما يقول المصدر، يلاحظ تعاظم قدرة «حماس» العسكرية وحركة التدريبات التي تجريها لعناصر النخبة، وهي القوة المعنية بتنفيذ عمليات نوعية، متابعاً: «قامت حماس بتعزيز وبزيادة هذه القوات التي بلغ عديدها اليوم خمسة آلاف مقاتل، من بين 20 ألفاً منضوين في الذراع العسكرية للحركة».
التقدير الاستخباري في إسرائيل يرى أن «حماس» تستثمر في تطوير وسائل قتالية وتدريبات خاصة للكوماندوس البحري، وقد أقدمت على مضاعفة عديد هذه القوة مرات عدة، إضافة إلى تطوير طائرات من دون طيار، بتمويل من إيران. ووفق المصدر، تعاني الحركة نقصاً في المواد الخام نتيجة «الجهود المبذولة من الجيش المصري لإغلاق الأنفاق على الحدود مع سيناء، الأمر الذي منع الحركة من تهريب الصواريخ والقذائف، ودفعها إلى الاستثمار في التصنيع، وتحديداً في إنتاج صواريخ متوسطة وبعيدة المدى، منها ما هو قادر على حمل 200 كيلوغرام من المواد المتفجرة».
وأضاف الضابط الإسرائيلي أن «حماس تعمل على تشكيل خلايا لمهاجمة إسرائيل في حال نشوب الحرب معها، سواء من الساحة اللبنانية أو سوريا أو من شبه جزيرة سيناء المصرية، بمساعدة عناصر من داعش»، لافتاً إلى وجود عوامل قد تدفع إلى الحرب، منها: «سوء فهم لأحد من الطرفين بسبب عملية محددة أو تصريح محدد، وتطور التصعيد بعد أحداث تجري في الضفة الغربية، إضافة إلى الشعور باليأس من الحصار والعمل على التخلص منه عبر التصعيد».
وذكر الضابط أن إسرائيل «قلقة من الشرخ العميق الآخذ بالترسخ أكثر فأكثر بين الجناح العسكري لحماس بقيادة محمد ضيف، والجناح السياسي بقيادة إسماعيل هنية ومحمود الزهار، اللذين لا يريدان مواجهة مع إسرائيل»، قائلاً: «يعمل ضيف على تجنيد مزيد من العناصر تمهيداً لجولة جديدة من القتال في حال تقرر ذلك، وهو مهتم بأن تبدأ المعركة بشكل مغاير عن المعارك السابقة، مع إنجاز وعمل عسكري كبير».
أما عن «عرض العضلات»، فأشار إلى «الخطة العسكرية» غير المسبوقة الهادفة إلى الحسم، لافتاً إلى أن كل وحدة عسكرية إسرائيلية «تعلم مسبقاً ما يجب أن تفعله، وستقتل أكبر عدد من عناصر الحركة مع ضرب أكبر عدد ممكن من البنى التحتية للتنظيم، الأمر الكفيل بإنهاء المعركة مع وضع تكون فيه حماس قد عادت سنوات إلى الخلف». وواصل: «الخطة الإسرائيلية تتركز على سلاح الجو بالدرجة الأولى، وذلك بالهجوم وليس الدفاع، مع قوة نارية هائلة وأكثر نجاعة من ذي قبل»، كما تتضمن الخطة خيارات أخرى، «تبدأ بتوجيه ضربات موجعة رادعة، وصولاً إلى احتلال كامل لكل قطاع غزة».
ورغم استعراض القوة والحسم والتأكيد على الانتصار، فإن الضابط أكد في المقابل وجود خطة إخلاء للمستوطنات القريبة من الحدود مع غزة، مبيّناً أن ذلك سيأتي «بالتنسيق مع المجالس المحلية في الجنوب»، وبناءً على خطة أعدّت مسبقاً وجرى التدرب عليها. كذلك لفت إلى وجود «مستويات إخلاء»، تبدأ بالمستوطنات الثلاث الأقرب إلى الحدود فور بدء العمليات القتالية، وهي «كيرم شالوم» و«ناحال عوز» و«نتيف هعسراه»، ثم التي يُقدّر أن تتلقى ضربات أكثر من غيرها، وفي النهاية إخلاء 21 مستوطنة ضمن شعاع أربعة كيلومترات من الحدود.