تظاهرات «جمعة الأرض هي العرض»، التي خرجت أمس في مصر، شهدت تحركات تشبه إلى حد كبير خريطة التظاهرات التي خرجت للمرة الأولى يوم 25 كانون الثاني (يناير) 2011، فقد كان المشهد المختلف هو عجز المتظاهرين عن الوصول إلى ميدان التحرير للاعتصام، بسبب قوات الأمن التي فرقتهم مع نهاية اليوم باستخدام قنابل الغاز المسيل للدموع، فضلا على أن البنايات المحيطة به اعتلاها قناصة ملثمون، فيما حمل جنود «الأمن المركزي» بنادق خرطوش.
اللافت أن منطقة المطرية وعين شمس في العاصمة، التي تشهد أعنف تظاهرات لـ«جماعة الإخوان المسلمين»، المصنفة إرهابية، لم تشهد أي تظاهرات، على عكس المتوقع. برغم ذلك، لم تخل من حضور أمني مكثف واستنفار بسيارات مواجهة الشغب، بعدما توقعت تعاملا خشنا مع «الإخوان»، في المنطقة التي شهدت سقوط مئات الضحايا بعد عزل محمد مرسي، وهو ما يؤكد أن الجماعة لم تتحرك ميدانياً في الشارع برغم إعلان مشاركتها رسمياً، فضلا على أنه لم تظهر شارات رابعة أمس.
أما وزارة الداخلية، التي عززت وجودها بنحو مئتي ألف ضابط وعسكري في القاهرة والإسكندرية، فرفعت حالة الاستنفار الأمني إلى الدرجة القصوى وألغت الإجازات للضباط في جميع مديريات الأمن، كما شهدت غرفة العمليات حضور كبار القيادات منذ الساعات الأولى للصباح، مع منع كاميرات البث من نقل ما يحدث.
القاهرة الكبرى، التي تضم محافظات القاهرة والجيزة والقليوبية، شهدت، أيضا، استنفارا على مداخل الطرق ومخارجها، فضلا عن تفتيش حقائب المسافرين إضافة إلى استفسارات رجال الأمن عن أسباب مجيء المواطنين والوجهة التي سيذهبون إليها. كذلك عادت مدرعات الجيش للظهور بكثافة في العاصمة.
ووفق الرصد الميداني، فإن المسيرة الأضخم خرجت من «ميدان مصطفى محمود» في المهندسين، حيث شارك نحو خمسة آلاف شخص يحيطهم استنفار أمني، انتهى بتدخل «قوات فض الشغب» التي فرقتهم، فلجأوا إلى «نقابة الصحافيين» وسط العاصمة، بعد تحديدها كمكان للتجمع، حيث اعتقل منهم خمسون شخصاً.
يشار إلى أن مسيرة أخرى خرجت من منطقة السيدة زينب، ذات الطابع الشعبي، وتوجهت إلى مقر النقابة من الشوارع الخلفية لميدان التحرير، وذلك لتجنب الاحتكاك بقوات الأمن، ما زاد الحشود هناك إلى نحو عشرة آلاف شخص استمروا في الهتاف حتى المساء، وكان مجملها المطالبة بإلغاء الاتفاقية الأخيرة بين السعودية ومصر، وصولا إلى المطالبة بإسقاط النظام.
كذلك انضمت إلى تظاهرة «نقابة الصحافيين» مسيرة خرجت من مسجد الفتح في رمسيس، شارك فيها المئات من الشباب والعاملين في المنطقة. وكان ملاحظا تجنب المتظاهرين محاولة استفزاز السيدات اللاتي حضرن قبل اكتمال الاحتشاد في المنطقة ورفعن لافتات مؤيدة للرئيس عبد الفتاح السيسي، حيث غادرن سريعاً مع تزايد أعداد الموجودين الذين وصل بعضهم إلى مقر النقابة مستخدمين محطة مترو الأنفاق القريبة، التي لا تبعد سوى عشرات الأمتار عن مقر الاحتجاج.
وبقيت قوات الأمن تطوّق هذه المنطقة لأكثر من خمس ساعات، ونقلت تعزيزات أمنية مكثفة من «ميدان التحرير» من أجل التعامل مع المتظاهرين في حال تصعّد الموقف، لكن بعض الضباط نجحوا في إقناع قيادات التظاهرة بإنهائها حرصاً على سلامتهم مع توفير ممرات آمنة للمغادرة عبر طرق محددة، وخاصة بعد تمكن الأمن من إحاطة المنطقة بمئات الجنود وعشرات السيارات، فضلا عن تمركز القناصة على أعلى سيارات مكافحة الشغب، التي وضع على بعضها شعار «تحيا مصر»، وهو شعار يردده السيسي في مناسباته المختلفة.
بالمشهد العام، استعادت شوارع القاهرة أجواء «25 يناير» من كرّ وفرّ بين الأمن والمتظاهرين بسبب قنابل الغاز الكثيفة الملقاة في وجه الذين رفضوا فضّ التظاهرة، كما اختبأ المتظاهرون في مداخل العقارات، وفتح أصحاب المحلات أبوابهم لحمايتهم من تأثير القنابل التي حالت دون وصول المتظاهرين إلى المكان الأهم، «ميدان التحرير».