تأتي نتائج انتخابات مجلس الشعب، الثانية خلال سنوات الحرب، لتظهر بالنسبة إلى كثير من المواطنين أنّ حسابات السلطة تصبّ في مكان مختلف عن حساباتهم. فالناس المشغولون في دفن شهدائهم وتأمين لقمة عيشهم، كانوا يهجسون بأسماء أقلّ استفزازاً من بعض الناجحين «الدائمين» لتمثيلهم في مجلس الشعب، بعد كل ما قدّموه خلال أعوام الحرب الماضية. الشارع السوري استفاق من نتائج الانتخابات سريعاً. تكرار معظم الأسماء من الدورات السابقة لفت إلى غياب أي صوت جديد يعبّر مثلاً عن جماهير الشباب، التي شحنها الإعلام الرسمي طوال أيام الدعاية الانتخابية، بضرورة المشاركة كحق وواجب وطني. وعلى الرغم من اعتياد «المفاجآت السياسية»، إلا أن المبالغة في التفاؤل لم تترجم في أسماء الناجحين.
تطابق الأسماء الناجحة في الدورات المتلاحقة في اللاذقية، والتي نجحت بـ«أصوات كاسحة»، خرقه نجاح الصحافي نبيل صالح، صاحب الوعود «بمحاولة تقويم الاعوجاج الحكومي». الخرق ذاته حمله نجاح شقيقة الشهيد يحيى الشغري، نور، التي رفعت شعار أخيها على ملصقاتها الانتخابية: «وحياة ترابك يا أخي (لنمحيها)». وعلى الرغم من الأصوات المتعالية حول حدوث تزوير في صناديق الاقتراع الخاصة بمدينة حلب، إلا أن السلطة صمّت آذانها عن اعتراضات الشارع، لتأتي النتائج متوقعة أيضاً بالنسبة إلى الشارع الحلبي.
«الحزب السوري القومي الاجتماعي» فاز بستة مقاعد، ضمن قائمة «الوحدة الوطنية»، فيما امتنع قوميون عن المشاركة، بحجة أحقيّة الحزب بعدد أكبر من المقاعد. المرشح الفائز أحمد مرعي، أكد في حديث إلى «الأخبار» أن مشاركته و«الحزب» من ورائه، تأتي انطلاقاً من الإيمان والاقتناع بأن هذه الانتخابات التشريعية تساهم في تحصين مؤسسات الدولة، لتحقيق هدفين: أوّلهما مواجهة الإرهاب، وثانيهما تفعيل الحركة السياسية، بما يصبّ في مصلحة الحل السياسي. ولفت إلى أن «الحزب» عمل ضمن البرنامج المشترك لقائمة «الوحدة الوطنية» مع «البعث» وبقية الأحزاب الأُخرى.
ماريا سعادة:
تعرّضي للخيانة هو سبب خسارتي

ومن اللافت أن المجلس في دورته التشريعية القادمة «مزيّن» بأسماء عدة لفنانين، وعلى رأسهم المخرج نجدة أنزور، إضافة إلى نقيب الفنانين زهير رمضان وتوفيق إسكندر وعارف الطويل.
الانتخابات في درعا، بدورها، لم تأتِ بجديد من حيث الأسماء والتوجهات لأبناء العائلات المتوارثة للتمثيل البرلماني والحزبي، فيما بدت النتائج في دمشق مخيّبة لآمال البعض، إذ فوجئ الدمشقيون بخسارة النائبة السابقة ماريا سعادة، المتحالفة مع قائمة رجال الأعمال، على الرغم من نجاح بقية أعضاء القائمة. تساؤلات عديدة خلفتها هذه الخسارة، في ضوء استحالة شطب اسم النائبة المذكورة من قبل معظم الناخبين، وذلك وسط سيل من الشائعات التي انطلقت قبل الانتخابات وأثناءها عن انسحاب سعادة، ما اضطرها إلى تكذيب تلك الشائعات شخصياً. وجاءت تعليقات الشارع لتحمل اللوم على سعادة لتحالفها مع قائمة تتضمن مرشحين بشعارات وبرامج انتخابية «إسلامية دعوية»، لتأتي النتيجة بنجاح حلفائها «الدعاة» وخسارتها. سعادة التي وصلت إلى العاصمة الروسية بعد إعلان النتائج الانتخابية للمشاركة في مؤتمر محدد مسبقاً، لفتت في حديث إلى «الأخبار» إلى أنّ تعرّضها للخيانة هو سبب خسارتها. وأضافت: «الانتخابات ليست معياراً. أنا الآن أقوى لأنهم أثبتوا أني مستهدفة، باعتباري عملتُ وأنتجتُ خلال الدورة التشريعية السابقة». وأشارت إلى أن «أي شخص مكانها كان ليتحالف مع القائمة، بعد طلب المرشحين إليها أن تكون معهم، ما يعني أن محاربتهم لها ستكون أكبر فيما لو رفضت طلبهم».
وعلى الرغم من أن اللجنة القضائية أعلنت النتائج، مع لفت نظر المرشحين الخاسرين إلى إمكان الطعن في النتيجة خلال الأيام الثلاثة التالية لإعلان النتائج، غير أن أحداً لم يُشر إلى انتهاكات بالجملة ومخالفات مرتكبة أثناء العملية الانتخابية، تم ذكرها عبر وسائل إعلام عدة، ومن قبل السوريين أنفسهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي. نسبة المشاركة في الانتخابات حدّدها رئيس اللجنة القضائية هشام الشعار بـ57.56% على جميع الأراضي السورية الواقعة تحت سيطرة الحكومة، من دون أن يتضمن الإعلان عنها أي ملاحظة بحق السوريين اللاجئين أو الموجودين في مناطق نفوذ الفصائل المسلحة. وتأتي نسبة الإقبال على الانتخابات في محافظة طرطوس صادمة، باعتبارها لم تشهد أحداثاً ومعارك، إذ وصلت نسبة المشاركة بين الطرطوسيين إلى 52%.
خمسة ملايين ناخب من أصل ثمانية ملايين اختاروا هؤلاء الأعضاء لتمثيل الشعب، بحسب الشعار. غير أن حملة من نوع آخر انطلقت صباح أمس، من قبل شباب سوريين متطوعين بدت أكثر جدوى وحيوية. المتطوعون استيقظوا باكراً لتنظيف الساحات والشوارع من صور المرشحين وابتساماتهم المعلّبة، بهدف استعادة وجه دمشق ممّن سرق ألوانها وتمثيل سكانها. واللافت أن عدداً من المرشحين الناجحين شاركوهم في حملة إزالة الصور واللافتات، ما أخلى العاصمة، خلال ساعات، من أي مظهر انتخابي، كما لو أن الأمر كان حلماً.