ديمودي!
عزيزتي إيمان
كنت أشاهد برنامج «من سيربح المليون» مع أصدقائي، وإذ بالمذيع، جورج قرداحي، يسأل المتباري: ما هو الحلم الذي يودّ تحقيقه في هذه اللحظة؟ بالطبع كان حلم المتسابق أن يربح المليون، إلا أنّ السؤال أعجب أحد الأصدقاء الجالسين معنا فإذ به يسأل: «وماذا عنك؟ ما هو الحلم الذي تودّين تحقيقه إذا ما طرح عليك السؤال ذاته؟». لم أكن محتاجة إلى أي تفكير بالجواب، أجبته بكل عفوية «أن أذهب الى فلسطين». لكني أحسست بأنه تلقّى إجابتي كالصدمة! فقال لي بكل برودة أعصاب «احلمي بشي تاني، هادا يللي طلع معك!».
نعم هذا اللي طلع معي، وما به حلمي؟ هل أصبح «ديمودي؟» (أي موضة قديمة)! حتى الحلم يجب أن تكون له مواصفات؟ ألا يحق للحلم أن يكون طليقاً كطائر؟ أم قدره أن يبقى، كقدر اللاجئين الفلسطينيين المأسورين داخل مخيّمات اللجوء على امتداد الوطن العربي، مسجوناً داخل جدران وجداننا؟ وإذ بأغنية أبو عرب الشهيرة تطلع على بالي فأدندن «هدي يا بحر هدّي طولنا بغيبتنا»، ففلسطين قطعة من الجسد وبنا وبأحلامنا تبقى قوية.
رنا رباح – قدامى عين الحلوة

■ ■ ■

حلمه هو

حلمه هو كان زيارة بيروت ولو ليوم واحد، للأسف لا أستطيع يا صديقتي ذكر اسمه لأن الاستخبارات الإسرائيلية هي الأخرى، تقرأ جريدتنا. وبعد التحقيق مع زميلة أخرى في الجريدة، أصبحتُ حذرة جداً عند ذكر أي من أصدقائي الذين يعيشون في أراضي الـ48 في أي من المقالات. بالعودة إليه، هو يستطيع السفر إلى أي بلد في أوروبا أو أميركا، هو يستطيع أيضاً أن يصيّف في شرم الشيخ أو بترا، لكنه لا يستطيع زيارة بيروت التي حلم دوماً أن يراها، وأن يجول في شوارعها بعيداً عن الأغاني والصور، والسبب هو الجنسية الإسرائيلية!
هو عربي أكثر من أي عربي ولو كان يعيش في «دولة إسرائيل». لا تستغربي يا رنا، فأنا أعرفه جيداً حتى لو أننا لم نلتق، لكن الله يخليلنا «المسنجر» و«الهوتميل» و«السكايب»، التي جعلتنا نُحسّ أن المسافات فعلاً قد أختُصرت، وأن الحدود قد أزيلت، وأن السلام باليد قد لا يبقى مستحيلاً ما دمنا حفظنا ملامح بعضنا من خلف الشاشة! سؤال صديقكِ ذاك لك كان سؤالاً استفزازياً، أما سؤاله لي أنا، فكان أحجية لم أستطع أن أحلّها حتى الآن، سؤاله لي كان «أيهما أفضل برأيكِ، أن تعيشي في أرضك تحت حكم الدولة الإسرائيلية بجواز إسرائيلي، أم أن ترفضي الجنسية الإسرائيلية وتعيشي خارج أرضك لاجئة؟». صدقيني يا رنا، أنا لا أعرف حتى الآن بماذا أجيب، حتى لو حاولت المقارنة. في إسرائيل، العرب يعيشون مواطنين من الدرجة العاشرة، حقوقهم مسلوبة، «نوابهم» بالكنسيت، أشبه بالديكور، لا يحلّون ولا يربطون، واللاجئون هنا أيضاً يأتون في الدرجة العاشرة، حقوقهم أيضاً مسلوبة برغم مئات المؤسسات الأهلية التي تُطالب بحقوقهم المدنية، وحاله هو تماماً كحال ستي أم ناصر التي تعيش في لبنان، ستي لديها أعمام في فلسطين لم ترهم ولا مرة، وهو لديه أعمام في غزة لم يرهم ولا مرة أيضاً. أتعرفين، ممنوعٌ عليّ المُقارنة، أمعقول أن أقارن حالة عيش عرب إسرائيل باللاجئين؟ غريبٌ في بلاده هو، يعيش في أرضه لكن ليس في وطنه، هو يكذب على نفسه ربما أن حياته هناك أفضل، أما هنا بالنسبة إلى اللاجئين، فكلنا عرب، علينا أيضاً أن نعيش مع أكذوبة «الأخوة عروبة» التي تستقبل بها بلداننا الأخ بأحضان واسعة وقلب رحب، علينا أن نصدّق أن اللاجئين ضيوف شرف وأنهم راضون بالعيش في المخيم. فأيهما أكثر ذُلاًّ يا رنا، عيشتنا ولّا عيشته؟ من الآخر، كل فلسطيني عايش عيشة ذُل، بس النسب متفاوتة!
أما هو فكان لديه إجابة عن كل شيء، سألته مرة «لماذا لا تترك مدينتك وتنتقل للعيش في رام الله؟ على الأقل هناك ستحصل على الجنسية الفلسطينية، ويمكنك بالواسطة أن تأتي إلى بيروت كما يفعل الكثيرون!»، أيمكنك أن تتيخلي أنه رفض الفكرة!
أذكر تماماً ما قاله لي «أجدادي لم يتركوا المدينة رغم المجزرة البشعة التي تعرضت لها سنة 1948، أتريدنني أن أتركها أنا الآن؟! مستحيل أن أترك مدينتي لو بدهم ياخدوني على الجنّة!». أنا أعرفه جيداً يا رنا، والدليل أنني لو سألته السؤال نفسه الذي سألني هو إياه، عن العيش في إسرائيل أو العيش لاجئاً، فأنا أعرف أنه سيختار العيش في إسرائيل لأنه يؤمن أن تحت تلك التسمية القذرة، تقع أرضه المقدسة.
إيمان بشير – قدامى القاسمية