القاهرة ــ الأخباروجدت مصر في اعتماد القوة الناعمة، المبنية على المساعدات الاقتصادية، ضالّتها، التي تمكّنها من التعامل مع احتمالات انفصال جنوب السودان عبر الاستفتاء المقرر الأحد المقبل، وحماية نفسها من آثاره السلبية وعدم خسارة حكومة الخرطوم في الوقت نفسه.
وعلى هذا الأساس، فإن مصر تتجاهل إجابة عن أسئلة رسميّة عن الشمال أو الجنوب. وترى أن «جنوبها»، أي السودان، أصبح أبعد من ذراعها التاريخية.
في استقطاب الوحدة والانفصال، اختارت القاهرة موقعاً عملياً. لم تقفز إلى منصات الدفاع عن عروبة أو وحدة، أو مشاريع بين الوحدة والانفصال، مثل الكونفدرالية التي اقترحتها القاهرة أخيراً، على لسان وزير خارجيتها أحمد أبو الغيط، وعلى بعد أيام قليلة من منح الجنوب حق تقرير المصير.
مصر لم تؤدّ دوراً مع استمرار الوحدة ولا مع تشجيع الانفصال، اختارت اللعب في ما بعد الاستفتاء، أمسكت بالخيوط كلها، لم تخسر الرئيس السوداني عمر البشير وشماله، ومدت شبكاتها قليلاً إلى الجنوب، افتتحت قنصلية في جوبا، ومكتباً لحكومة «جنوب السودان» في القاهرة.
واعتمدت على بناء شبكة تربط الدولة «المتوقعة» بالقاهرة، التي تبني المدارس وتمد الطرق وتنشئ شبكة كهرباء، في إطار «علاقة قوية» كما وصفها روبن بنجامين، ممثل حكومة جنوب السودان في القاهرة، مشيراً إلى أن «معظم الدبلوماسيين تخرجوا فى الجامعات المصرية، وأن 8 وزراء فى الجنوب من أبناء الجامعات في مصر».
القاهرة موجودة في «جنوبها» الجديد، وتضمن ألا تُمسّ حصتها من مياه النيل (٥٥ مليون متر مكعب)، وهو ما قالته مصادر مسؤولة في حكومة الجنوب، بينما الشمال المستسلم للوضع الجديد يبحث في القاهرة عن «جدار» يستند إليه، وسند إقليمي في مواجهة ارتباك ما بعد الانفصال.
ولهذا، كان الغضب الشمالي صامتاً من الاستثمارات المصرية في الجنوب، إضافة إلى منحه ٣٠٠ مليون دولار من قبل القاهرة غير قابلة للرد، مخصصة لمشاريع التنمية الاقتصادية والاجتماعية والصحية والإنسانية.
القوة المصرية ناعمة تصنع حضورها، معتمدة على علاقة وثيقة مع قادة الحركة الشعبية لتحرير السودان، منذ أيام جون قرنق، الذي لاقى تأييداً من القاهرة باعتباره ساعياً إلى دولة علمانية في الشمال والجنوب، ضد توجهات البشير لتأكيد هوية مرتبطة بالإخوان المسلمين.
البشير تخلص من حليفه الأيديولوجي حسن الترابي، لكنه لم يتخلص من الصبغة الإسلامية التي رافقت حكومة الإنقاذ، وهو ما ساهم في توتر العلاقة مع الخرطوم في أكثر من مناسبة. وبناءً على ذلك، فإن نظام حسني مبارك لم يقبل بدعم الرئيس السوداني، عمر البشير، بعدما تخلص من فكرة تصدير النظام الإسلامي إلى القاهرة.
قرنق فتح خط الاتصال مع مصر في مرحلة رفضها لخيار الانفصال، الذي كان يرى هو خطورته في تحويل الجنوب إلى دولة ممزقة. القاهرة لم تسحب قوتها الناعمة بعد وفاة قرنق الغامضة، وتولى رئيس حكومة الجنوب سيلفا كير ميارديت القيادة باتجاه الانفصال.
واقعيتها سارت باتجاه دعم شبكة، ربما، تحميها من آثار الانفصال، التي يبدو أقساها في خلخلة آنية الدول المحيطة، وتوسيع مدى أمنها القومي
ليبدو الجنوب بوابتها على النيل وشرفتها على أعالي افريقيا، ويبقى خطر آخر هو استقبال آلاف اللاجئين هرباً مما بعد الدولتين.