أتعرفون يا أعزائي ما يميّز المطر في مخيمات بيروت عن باقي الأحياء والضواحي؟ ما يميّزه أن الرزقة «دوبل»، يعني «المي بتيجي من فوق ومن تحت»! تقول أُمي دائماً إن المطر «رزقة ونعمة» من الله. لكن أحياناً تصبح هذه النعمة نقمة على الكثيرين، وخاصة من فقد ابناً له غرق في إحدى بِرك المياه في شارع صبرا! عندما سكنتُ وعائلتي في الجنوب، كُنّا نعاني من بركة المياه الموجودة عند مدخل بيتنا. ولأننا غرباء عن الضيعة، كان صعباً جداً، لا بل من المستحيل، إقناع البلدية بأن «تُزفّت» الشارع لتخلّصنا من العرقلة على «الدخلة والطلعة من البيت». ليس هذا فقط، بل هناك ما هو أسوأ، هو أن البلدية كانت «تُزفّت» الطريق كله ما عدا حدود بيتنا! سئمت تلك الضيعة كثيراً، وسئمت تعاطي بلديتها السيئة معنا نحن الغرباء الذين أتينا إليها قسراً، إما بسبب التهجير أو اللجوء. ورغم أننا كُنّا نعامل كالباقين هناك، وخصوصاً في ما يتعلق بدفع رسوم البلدية والكهرباء والماء وغيرها من الفواتير، إلا أن الحال لم تتغير حتى اليوم، إلى درجة أننا ومن مثلنا، قد زفّتنا الشارع على حسابنا الخاص! كل شارع في مخيمي صبرا وشاتيلا يذكرني بمدخل بيتنا في الضيعة، وعلى درجة أسوأ. هل سمعتم أو قرأتم عن الأطفال الذين ماتوا غرقاً في بِرك المياه؟ هذه حقيقة، تخيلوا أننا ندخل عاماً جديداً ولا تزال شوارعنا رملية مليئة بالحُفر المؤهلة لأن تكون مستنقعات لمياه الشتاء، وسيرُنا اليومي فيها شبيه بعمليات الكومندوس والمغاوير. تخيلوا أننا في سنة 2011، وما زال أطفالنا يموتون في الشوارع بسبب انزلاق سيارة، هذا يحدث في شارع صبرا يا أعزائي. أما في شاتيلا، فالطرُق ضيقة جداً لا تسع دخول السيارات! يصلحون الطُرق؟ هذا صعب، ربما ما يموّلون الجمعيات به من مشاريع لبناء السلام أهم بالنسبة إليهم من تمويل مشاريع لبناء البُنى التحتية في المخيمات! أنا لا أعرف ما الذي يتطلبه تزفيت مخيم بأكمله، لكنني متأكدة أنه يساوي أقل من ربع ما يُنفق على مشاريع ورش عمل «السلام» و«تقبّل الآخر» و«التسرب المدرسي». «بعدين إذا تزفتت الشوارع وتركوا الأطفال يذهبون إلى مدارسهم «بسلام»، فستقل نسبة «التسرب» منها و«سيتقبّل» الجميع المخيم أكثر!».
يا رب، يا رزّاق يا كريم، أنعم علينا بنعمتك، أنعم علينا بمطرٍ يكفي حاجتنا دون وقوع ضحايا هذا العام! أنعم علينا بمطرٍ يأتينا من سمَاواتك دون أن يأتينا كذلك من الأرض، فنحن شعبٌ قنوع يرضى برزقة واحدة من السماء دون الحاجة إلى رزقة «دوبل» من فوق ومن تحت. أنعم علينا بهذا يا الله، يا رزاق يا كريم. قولوا آمين!