بين الوضع القائم في تونس وجارتها الجزائر، هناك بعض التشابهات (غياب معارضة حقيقية، غياب النقابات، بطالة، انسداد أفق الهجرة إلى أوروبا...)، ومع ذلك هناك اختلاف في بعض الميادين، وإن كانت النتائج متشابهة الآن. شبيبة يائسة في الشارع، تخرب الممتلكات العامة وممتلكات الشعب.
والناس أصبحوا على اقتناع بأنه في ظل غياب الدولة شبه الكامل ورفضها الإنصات إلى مطالب الشعب، فإن التظاهرات تبقى هي الوسيلة الوحيدة.
الكثيرون يتعجبون، في الداخل الجزائري وفي الخارج، من صمت الرئيس عبد العزيز بوتفليقة. فالرئيس لم يقل شيئاً بعد مضي أربعة أيام من أعمال الشغب والنهب والسلب، ورغم احتراق العاصمة ومدن كبرى كوهران وعنّابة، وسقوط خمسة مواطنين قتلى، قرب العاصمة، وجرح المئات، بينهم 400 شرطي. ما الذي يجب أن يحدث حتى يخرج الحاكم العربي من خلوته ويُطلّ على شعبه ومواطنيه؟ أدنى حادث في الدول الغربية يجعل رئيس الدولة يطل ويصرّح ويواسي ويعزي.
المواطن الجزائري، إزاء تزايد عائدات النفط (وهو ما يعني بلغة الأرقام أكثر من مُجمل الناتج المحلي في المغرب وتونس مجتمعين)، أصبح محلّلاً اقتصادياً، يحصي العائدات ويحلل كيفية استثمارها. لكنه، مع طول انتظار، وفي ظل ازدياد الأوضاع سوءاً، ووسط ارتفاع هائل لأسعار المواد الأولية، أصبح متيقناً أن شيئاً ما لا يسير على ما يرام في هرم الدولة، وفي تسيير شؤون العباد. وحتى المراقب الأجنبي، الذي قد يكون متسامحاً، أحياناً، مع النظامين المغربي والتونسي، لا يجد كثيراً من الأعذار للنظام الجزائري. فأين توظيف هذه الأرباح؟
لم تكن الزيادات العنيفة (أحياناً وصلت إلى مئة في المئة) في أسعار المواد الأولية (السكر والزيت) هي وحدها التي حركت هذه الحركات الاحتجاجية العنيفة، ولا تقليد الحركة الاحتجاجية المتواصلة في تونس، بل هو تراكُم هائل لغياب الدولة. وهذا الغياب يتخذ صُوراً وأشكالاً عديدة، منها مشكلة السكن، الذي ينتظر منذ عقود معجزات حقيقية، بالإضافة إلى مشكلة البطالة التي تصل إلى 15 في المئة (بل وأكثر بكثير)، كذلك فإن الفقر، في هذا البلد النفطي، يمس 20 في المئة من السكان.
والدليل على أن هذه الاحتجاجات ليست غريبة ولا مفاجئة، عودتها، من حين لآخر، مذكرة المسؤولين بوعودهم، ولعل آخرَها حدث يوم 26 كانون الأول 2010.
لكن الصور التي تتناقلها وسائل الإعلام الأجنبية، أو التي تصل من مصادر شخصية وإلكترونية حالياً، تثبت أن هذه الشبيبة الضائعة وصل بها اليأس إلى درجة تجعلها تحرق كل شيء يقع بين أيديها، من مدارس ومتاجر ومتاحف. وتحدثت كاتبة جزائرية من باريس لـ«الأخبار»، عن صور من الهستيريا في التخريب: «لو تراهم لقلت إنهم مغول! يخربون كل شيء. لكأنه حقد ورغبة في تحطيم كل شيء! إنهم يحطمون كلّ شيء سواء كان للدولة أو للمواطنين».
ولعل منظر الحرائق تلتهم أماكن توزيع السيارات ووسائل النقل العمومية، وأيضاً المتاجر الراقية وحوانيت الهاتف الخلوي، تثبت أن رغبة هؤلاء ليست دفع الحكومة الجزائرية إلى التراجع عن الزيادات، وهو ما فعلته الحكومة في اجتماع عاجل، بل إرغام الحكومة على مقاربة شاملة للمشاكل المستعصية والمزمنة، وإلا فإنه لا شيء يضمن عدم عودة الشباب إلى الشارع.
(الأخبار)