تقول إحدى برقيات «ويكيليكس»، التي حرّرها السفير الأميركي لدى السعودية جيمس بي سميث في 30 كانون الأول سنة 2009، «سمعنا أن ضغطاً مورس على الأمير خالد بن سلطان للتنحّي عن القوات البرية، لتزايد غضب الملك عبد الله من ثلاث مسائل: لماذا استغرقَ وقتاً طويلا لطرد المقاتلين الحوثيين الضعفاء؟ وكيف كان هناك الكثير من الخسائر البشرية السعودية؟ والنقطة الثالثة هي لماذا لم يثبت الجيش السعودي مقدرة أكبر بالنظر إلى المليارات التي استخدمت في التحديث على مدى العقود الماضية؟».
وتضيف البرقية «تكهن بعض ضباط الجيش أن الأمير خالد قد يكون أزبح عن منصبه على يد الملك لولا عودة والده الأمير سلطان وحمايته. في الحد الأدنى وضمن القيادة السعودية، يظهر أن سمعة الأمير خالد بوصفه قائداً عسكرياً قد تضررت، وربما يستبعد أن يكون الوريث النهائي لوالده في منصب وزير الدفاع».
وتكشف البرقية أنه «خلال الحملة طلب الجيش السعودي من الولايات المتحدة ذخائر للطوارئ، وصوراً ومساعدة استخبارية، وذلك للعمل بدقة أكبر. واستجاب الجيش الأميركي بهمة قدر الإمكان، في المقام الأول عن طريق الطيران في مخزونات الذخيرة الصغيرة والمدفعية، والغالبية العظمى من الطلب السعودي بقيت محصورة في عمليات اتصال الخدمة الإدارية المالية أو المراجعات المشتركة بين الوكالات». وتشير البرقية إلى أن «الأمير خالد وعدداً من الضباط الكبار في القوات الجوية السعودية اشتكوا من أن الولايات المتحدة لم تدعم السعودية خلال ساعة الحاجة الأشد إليها. وبما أن الخدمات العسكرية السعودية تسعى في الأسابيع المقبلة لتحويل اللوم على سوء إدارة عمليات الحوثي، يمكن توقع أن مثل هذه الانتقادات لدعم الولايات المتحدة سوف تستمر، إن لم تصبح أوضوح».
حين كتب السفير سميث برقيته تلك لم يكن قد مضى على تقديم أوراق اعتماده إلى الملك عبد الله بن عبد العزيز أكثر من أربعة أشهر، وكان لتعيينه سفيراً لدى الرياض مغزى خاص خلال اندلاع النزاع في صعدة واقترابه من الحدود السعودية، واختارته واشنطن لهذه المهمة نظراً لتكوينه الخاص، فسيرته المنشورة تقول إنه «سبق أن شغل مناصب تنفيذية عدة في شركة ريثيون (حصتها من الصفقة الأميركية السعودية 4 مليارات دولار) المتخصصة في أنظمة الدفاع، والتي تعد واحدة من أكبر 10 شركات للدفاع في العالم، وهي أكبر منتج للصواريخ الموجهة في العالم، وقد شملت مهماته في الشركة التخطيط الاستراتيجي، وتصنيع الطائرات وتنمية الأعمال التجارية الدولية».
وتضيف سيرته أنه متخرج مميز في أكاديمية القوات الجوية الأميركية، وحاز جائزة أفضل طالب حربي في تاريخ الأكاديمية. وحصل على شهادة الماجستير في التاريخ من جامعة إنديانا، فضلاً عن تخرجه المتميز في كلية الحرب البحرية، وكلية أركان القيادة الجوية والكلية الوطنية الحربية. وللسفير سميث خبرة 28 عاماً في القوات الجوية الأميركية. وخلال خدمته طياراً مقاتلاً، نفّذ سميث أكثر من 4000 طلعة جوية على طائرات أف 15، ت ـــــ 38. كذلك نفّّذ في أنحاء العالم مهمات عديدة وشارك في طلعات جوية قتالية من قاعدة الظهران الجوية في عمليات عاصفة الصحراء. وكان قائداً للسرب 94 القتالي، والمجموعة 325 للعمليات.
وتؤكد أوساط سعودية أن تعيين سميث في هذا الظرف كان الهدف منه الإعداد لمفاوضات صفقة الأسلحة، التي أعلنتها وزارة الخارجية الاميركية في العاشر من ايلول الماضي، أي قبل أسبوع من ممارسة السفير مهماته في الرياض. وتعدّ الصفقة التي من المتوقع أن تصل قيمتها إلى 60 مليار دولار، الأكبر في تاريخ الولايات المتحدة، وكذلك الأكبر التي تعقدها السعودية بعد صفقة «اليمامة»، التي اشترت بمقتضاها من الحكومة البريطانية عام 1985 أسلحة بقيمة 86 مليار دولار أميركي، وقد اشتهرت بسبب ضخامة الرشى والعمولات فيها، التي كُشف عنها عام 2007.
وتضمّ الصفقة الجديدة، بحسب صحيفة «وول ستريت جورنال» نقلاً عن مسؤولين أميركيين، بيع المملكة 84 مقاتلة من نوع أف ـــــ 14 (وفي رواية ثانية أف ـــــ 15)، وتحديث 70 طائرة أخرى، وبيع ثلاثة أنواع من المروحيات: 70 أباتشي و72 بلاك هوك و36 ليتل بيردز. كذلك تجرى مفاوضات إضافية لتعزيز أنظمة الدفاع الباليستية السعودية، إذ تشجع واشنطن الرياض على شراء أنظمة صواريخ تعرف بـ«تي إتش آي آي دي» أو أنظمة الدفاع الحرارية المرتفعة، وتحديث صواريخ الباتريوت التي تملكها للحد من خطر الصواريخ الإيرانية، غير أن المسؤولين الأميركيين أشاروا إلى أن تكلفة هذا المشروع لا تزال غير معروفة. وبالإضافة إلى ذلك، تحدثت أوساط إعلامية سعودية عن مفاوضات بين الرياض وواشنطن بشأن صفقة لتحديث قوتها البحرية بقيمة 30 مليار دولار.
واللافت بالنسبة إلى الخبراء هو أن تكلفة الصفقة الجديدة تفوق قيمة الصفقات التي عقدتها السعودية على مدى الـ8 أعوام الماضية، حيث اشترت الرياض أسلحة بقيمة 36 مليار دولار، بينما الصفقة الحالية وحدها تبلغ 60 مليار دولار. ومن ناحية أخرى فإن الطائرات الحربية المنصوص عليها في الصفقة هي قديمة نسبياً، وقد نزعت منها نظم الأسلحة بعيدة المدى، وذلك يمثّل نوعاً من الضمانات لإسرائيل. ولا يختلف الخبراء في مسألة الضمانات التي قدمتها واشنطن لتل أبيب، عدا أن السعودية لا تستطيع الدخول في حرب لا توافق عليها أميركا، وهناك تقديرات مؤكدة عن أن الأسلحة الأميركية للسعودية سوف تصبح بلا فائدة في أي مواجهة مع إسرائيل، وهو ما تؤكده التصريحات الأميركية الرسمية المتكررة التي تضمن التفوق العسكري لإسرائيل. وفي الوقت الذي ستبيع فيه الولايات المتحدة للسعودية مقاتلات اف ـــــ 15، تقدم لإسرائيل مقاتلات إف ـــــ 35 الأكثر تطوراً بكثير. ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» عن السفير الإسرائيلي في واشنطن، مايكل أورين، قوله: «نقدّر الجهود التي تبذلها الإدارة الأميركية للمحافظة على التقدم العسكري النوعي الإسرائيلي، ونتوقع أن نستمر في مناقشة قلقنا مع الإدارة الأميركية حول هذه المسائل».
وصرّح المتحدّث باسم السفارة الإسرائيلية في واشنطن، يوناتان بيلد، بأن إسرائيل حصلت على تعهد أميركي بالحفاظ على تفوقها العسكري في منطقة الشرق الأوسط. ونقلت صحيفة «هآرتس» عن بيلد قوله «من الناحية العملية حصلنا على تعهد أميركي متواصل بالحفاظ على التفوق النوعي العسكري لإسرائيل». وأضاف: «نجري اتصالات عن قرب مع الإدارة الأميركية بشأن صفقات أسلحة أخرى في الشرق الأوسط ونحن في حوار جيد ووثيق معهم».
وعن صفقة الأسلحة الأميركية ـــــ السعودية تحديداً، قال بيلد إن «هذه صفقة يمتد تنفيذها على مدار عشرة أعوام، وجزء من الصفقة يتعلق بتحسين طائرات مقاتلة تمتلكها السعودية». وأوضح «نحن بالطبع لا نحتفل بهذه الصفقة، لكن هذا جزء من التفاهمات بيننا وبين الأميركيين، وسنستمر في المداولات مع الإدارة الأميركية بهذا الخصوص». وتجدر الإشارة إلى أنه بموجب التفاهمات الأميركية ـــــ الإسرائيلية في هذا الموضوع، اتفق الجانبان أخيراً على تزويد إسرائيل عشرين طائرة مقاتلة من طراز «أف ـــــ 35» الأكثر تطوراً من نوعها في العالم.
وركّزت الصحف الإسرائيلية في الآونة الأخيرة على حقيقة أن واشنطن تعهّدت لتل أبيب أن الصفقة لن تشمل أسلحة «كاسرة للتوازن». وأشارت صحيفة «هآرتس» إلى أن الصفقة يجري إنضاجها منذ أشهر طويلة، بل إن إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما ترى فيها نوعاً من الالتزام بتعهدات سابقة لإدارة الرئيس السابق جورج بوش بتعزيز القوة العسكرية السعودية في مواجهة إيران. وشددت «هآرتس» على أن ما يزعج الإسرائيليين في التسلح السعودي هو الطائرات المتطورة والرادارات البعيدة المدى وكذلك الدفاعات الجوية. وأضافت أن الرادارات والدفاعات الجوية ليست مشمولة في الصفقة الأخيرة، وأن الصفقة الإسرائيلية لشراء طائرات «أف ـــــ 35» تكفل استمرار التفوق النوعي الإسرائيلي، حيث إن طائرات «أف ـــــ 15» التي تشتريها السعودية، أقل حداثة من الطائرات التي ستشتريها إسرائيل.
عموماً، توفر الصفقة 75 فرصة عمل للشركات الأميركية، وتساعد أوباما في علاقته بالكونغرس الجمهوري خلال المرحلة المقبلة، ذلك أن الجمهوريين على صلات وثيقة بعالم شركات السلاح، وهم من أنصار برنامج عسكرة منطقة الخليج، تحسباً لمواجهة عسكرية مع إيران. ونقلت صحيفة «واشنطن بوست» عن أنتوني كورديسمان الباحث في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، قوله إن الصفقة ستعزز من قوة الطيران السعودي، وتمثّل رسالة إلى إيران مفادها عدم قدرتها على تهديد السعودية أو جيرانها.