رحيل الرئيس التونسي زين العابدين بن علي جرى بناءً على تسوية مع الجيش. وتفيد أوساط تونسية بأن رئيس هيئة الأركان الجنرال رشيد عمار قصد قصر قرطاج ظهر يوم الجمعة الفائت، لينقل لبن علي صورة الموقف، وأبلغه أن القصر الرئاسي محاصر من جهتي الشرق (الكرم) والغرب (المرسى)، وأن هناك حشوداً كبيرة في طريقها لتنضم إلى المتظاهرين.وقال مصدر تونسي مطلع، في حديث مع «الأخبار»، إن الجنرال عمار أكد لبن علي خطورة الوضع، فمن جهة ليس في وسع القوات المسلحة أن تطلق النار على المواطنين، ومن جهة أخرى لن تسمح بمواصلة قوات وزارة الداخلية القيام بهذه المهمة. وقال إن استمرار الحال على ما هي عليه لساعات أخرى سيؤدي إلى وصول الحشود إلى داخل القصر الجمهوري، وبالتالي إن الحل الأمثل هو في أن يغادر بن علي على جناح السرعة، والجيش يضمن له المغادرة من دون مشاكل.
بن علي اضطر إلى الرضوخ، بعدما وجد نفسه مطوقاً داخل القصر، وليس معه سوى عدد قليل من الحراس. لذا، قبل التسوية، وقرر مغادرة القصر في الساعة الخامسة والنصف باتجاه القاعدة العسكرية في العوينة الواقعة في ضاحية العاصمة الشمالية، واستقل طائرة مروحية حتى مالطا، لكي يستقل الطائرة الرئاسية التي كانت قد هُرِّبت أصلاً.
وتقاطعت المعلومات الواردة من تونس مع تقرير أميركي صادر عن مجلس العلاقات العامة. وأفاد التقرير يوم أول من أمس بأن الجيش هو الذي قرر مغادرة بن علي، وبات يسيطر على زمام الأمور. وأضاف أن الجيش ليس معنياً بالحكم، لكنه سيبقى في الشارع إلى أن تستقر الأوضاع السياسية، وهو سيتعاون مع السياسيين من أجل إدارة مشتركة للموقف.
وأدى الجيش التونسي دوراً محورياً في نجاح الانتفاضة الشعبية لإطاحة حكم بن علي، وفي الوقت الذي كان يراهن فيه على وقوف هذه المؤسسة إلى جانبه في لحظات الأزمة، فإن الجيش التزم جانب الحياد، واكتفى بأداء دور حماية المرافق الحكومية والممتلكات العامة والخاصة، ولم ينخرط في عمليات القمع وإطلاق النار على المتظاهرين، التي انفردت بها أجهزة وزارة الداخلية والميليشيات الخاصة (النسور السود والشرفاء) وقوات مكافحة الشغب (بوب) التابعة رسمياً لوزارة الدفاع، لكنها تتلقى أوامرها من الرئاسة.
تحييد الجيش وإبعاده عن السياسة هو دأب بن علي، وهو يعرف هذه المؤسسة أكثر من غيره؛ لأنه تسلق من بين صفوفها سلم الوصول إلى الرئاسة. لذا، عمل في اتجاهين: الأول هو إبعاد الضباط الكبار بمجرد أن تصبح لديهم سلطات فعلية ويبنوا شعبية بين صفوف العسكريين. واتخذت هذه السياسة، في بعض الأحيان، طابع التصفية الجسدية مثلما حصل سنة 2002، حين لقي رئيس الأركان عبد العزيز سكيك مصرعه في حادث تحطم طائرة مروحية، وكان برفقته 13 ضابطاً في الجيش.
والاتجاه الثاني هو إبعاد الجيش كلياً عن العمل السياسي واللجوء إليه خلال الأزمات. وقد كان الجيش يستجيب لأوامر الحكم، مثلما حصل في كانون الثاني سنة 1984، خلال أحداث انتفاضة الخبز. في ذلك الوقت طالب الرئيس الحبيب بورقيبة الجيش بإعادة الأمن إلى البلاد، بعدما فقدت قوات وزارة الداخلية القدرة على ضبط الموقف، واحتاج الجيش إلى شهر لاستعادة زمام السيطرة على الشارع.
رئيس الدولة هو قائد الجيش دستورياً، وأنشأ بن علي هيئة أركان للجيش في سنة 2007، من رئيس أركان جيش البر الجنرال رشيد عمار، الذي يشغل في الوقت نفسه منصب رئيس أركان القوات المسلحة، ورئيس أركان القوات الجوية الجنرال محمود بن محمد وقائد القوات البحرية الجنرال طارق فوزي العربي. وفي سنة 2008 أجرى تعديلاً استُبدل خلاله قائد قوات الجو بالجنرال طيب العجيمي.
والجيش التونسي واحد من الجيوش الصغيرة، لكنه مؤسس على قدر عال من الاحتراف، وهو مبني على النموذج الفرنسي من ناحيتي التأهيل والعقيدة. فتكوينه مهني، لكن ضباطه الكبار يتبعون دورات في الشؤون السياسية والعلاقات الدولية ومواجهة الأزمات. ومن ناحية العقيدة فإنه يلتزم حماية البلاد، وعينه على الوضع الداخلي، من دون أن تكون لديه طموحات سياسية، لكن في صلب مهماته الدفاع عن الشعب، وهذا ما حكم سلوكه خلال الانتفاضة، وبعد رحيل بن علي، حيث تولى ضبط الأمن ومطاردة فلول النظام السابق.
وتضم القوات البرية 27 ألف رجل. وهي تتكون من 8 فرق مشاة ميكانيكية متمركزة في مدينة القيروان وباجة وقابس والقصرين وقفصة، وست وحدات من المظليين، وست كتائب من النخبة للحماية الرئاسية ووحدة من الشرطة العسكرية و16 كتيبة مدرعات.
والقوات الجوية تضم 4000 رجل، وهي مسلحة بأسلحة أميركية وفرنسية، وتتمركز في قاعدة العوينة في الضاحية الشمالية للعاصمة.
أما سلاح البحرية فيتكون من 4500 رجل، وتسليحه هو عبارة عن 23 زورقاً لإطلاق الصواريخ، و15 زورق دورية تابعة للحرس الوطني، و4 فرقاطات، وكاسحتي ألغام وسفينتي نقل.
هناك قوات إضافية تأتمر بأمر الرئاسة هي الـ«بوب» المكونة من 2000 عنصر، والحرس الوطني المكون من 7000 عنصر. وأسهم الجهاز الأول في صورة أساسية في أعمال القتل، وسجله التاريخي أسود، إذ تولى على الدوام عمليات القمع والتصدي للتظاهرات.