بات وضع تونس بعد هرب زين العابدين بن علي أشبه بالسفينة التي غادرها الربان، لكن طاقمها ظل على متنها. فقد وشت تطورات اليوم التالي لخلع الرئيس التونسي بأن عهده لم ينته بخروجه من الحكم، بل إن النظام السابق يقاوم بعدة وسائل تجلت في الإخراج الدستوري المرتبك والعمليات المسلحة والتخريب والترهيب. ويضاف إلى ذلك بعض المواقف العربية، التي وقفت، علانية، ضد إرادة الشعب التونسي. ومن الآن فصاعداً، بات الوضع التونسي يتجاوز التونسيين، إلى حسابات دولية وإقليمية لرسم حدود تونس الجديدة، انطلاقاً من استيعاب الأخطاء في فهم قوة بن علي، وانعكاسات سقوط نظامه على مصالح الأطراف الدولية.فاتورة إزالة آثار الديكتاتورية في تونس تبدو أكثر كلفة من إسقاط الديكتاتور. ولم تدم فرحة التونسيين طويلاً، وهم يتابعون أخبار طائرة الجنرال المطرود وهي لا تجد مطاراً تحطّ فيه. فحتى الذين استخدموه لتنظيف الغسيل الوسخ طوال ربع قرن تحرّجوا من استقباله، ولم يجد إلا السعودية، التي آوت قبله مجموعة من الرؤساء الذين لفظتهم شعوبهم.
فرحة التونسيين، ومعهم الشارع العربي، تعرضت لعملية سطو منذ أن سلك بن علي طريق المطار، وظهرت مجموعة من رجالات حكمه تريد أن تحرف المسار العام لانتفاضة الياسمين، وتعيد التونسيين إلى بيت طاعة النظام، من خلال التلاعب بالدستور الذي فصّله بن علي مقاسه.