مع خروج تونس من تحت عباءة «التجمع الدستوري الديموقراطي»، المهيمن على الحياة السياسية منذ الاستقلال 1956، تُطرح العديد من علامات الاستفهام بشأن المشهد السياسي في البلاد، ولا سيما أنّ الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي قضى على معظم الأطر التنظيمية للأحزاب القائمة، ودجّن معظمها. أحزاب لم تخرج خروجاً فعلياً إلى العلن إلّا في الأيام الأخيرة، حين لحقت بالهبّة الجماهيرية التي أطاحت حكم بن علي.
مشهد سياسي يحمل الكثير من الغموض، ولا سيما أنه ينقسم عمليّاً إلى ثلاث فئات، تتصدر أُولاها «الأحزاب المرخص لها»، والثانية «الأحزاب غير المرخّص لها»، وثالثتها الهيئات والنقابات.


الأحزاب المرخّصة

بحسب التقسيمات السياسية التي كان معمولاً بها في عهد زين العابدين بن علي، هناك ثمانية أحزاب مرخّص لها في البلاد، يأتي في مقدمتها «الحزب الديموقراطي التقدمي»، الذي يعدّ من أهم الأحزاب المعارضة.
والحزب، الذي تأسس عام 1983 ورُخّص له في 1988، شارك في معظم الانتخابات التشريعية منذ عام 1989، غير أنه كان الحزب المعارض الوحيد الذي لم يفز بأيّ مقعد، رغم القانون الذي يمنح 20 في المئة من مقاعد مجلس النواب للمعارضة، وهو ما فُسّر على أنه غضب من الحزب الحاكم على «الحزب الديموقراطي»، ولا سيما أنه كان من المعارضين للتعديلات الدستورية التي تمنح بن علي حصانة قضائية، وتمكّنه من تمديد ولايته.
وتعدّ الأمينة العامة الحالية للحزب ميّة الجريبي والأمين العام السابق، المؤسس، أحمد نجيب الشابي، من أهم شخصيّات الحزب، وتونس، في المرحلة الحاليّة.
ـــــ «حركة التجديد»، وهي التسمية التي اتخذها الحزب الشيوعي التونسي منذ 1993، في محاولة منه للانفتاح على قوى وشخصيات غير شيوعية بعد انهيار الاتحاد السوفياتي. وحصلت الحركة، التي يترأسها منذ عام 2007 أحمد إبراهيم، على ثلاثة مقاعد في الانتخابات الأخيرة عام 2004، كما تقدّمت بمرشح للانتخابات الرئاسية عام 2009 هو أحمد إبراهيم، الذي حصل على نسبة 1.5 بالمئة من الأصوات.
ـــــ «حركة الديموقراطيين الاشتراكيين»، تأسست عام 1978 لإقرار نظام اشتراكي. وعلى هذا الأساس اتخذت في مرحلة من المراحل موقفاً مسانداً للسلطة في مواجهتها لـ«حركة النهضة»، قبل أن تختلف مع السلطة عام 1995، حين اعتُقل أمينها العام السيد محمد مواعدة، غير أنها ما لبثت أن عادت إلى التماهي مع السلطة، عبر مساندتها لزين العابدين بن علي في كل الانتخابات الرئاسية.
ـــــ حزب الوحدة الشعبية، الذي أُسس عام 1981 وفق توجهات قومية واشتراكية، وعلى غرار معظم أحزاب «المعارضة الشكلية»، انخرط حزب الوحدة منذ التسعينيات في مساندة السلطة، ما سمح له بالحصول على نسبة من مقاعد المعارضة في البرلمان، لكن هذا لم يمنع الحزب من طرح مرشحيه للرئاسة، إذ ترشّح الأمين العام للحزب محمد بوشيحة في انتخابات 2009، وحصل على 5 بالمئة من أصوات الناخبين. وإلى هذه الأحزاب، هناك أيضاً الاتحاد الديموقراطي الوحدوي، والتكتل الديموقراطي من أجل العمل والحريات، وحزب الخضر.


الأحزاب غير المرخّص لها

الفئة الأخرى من الخريطة السياسية التونسية تتكون من الأحزاب غير المرخص لها، التي يأتي في مقدمتها حزبان أساسيان هما «حركة النهضة الإسلامية» وحزب العمال الشيوعي.
ـــــ حركة النهضة، هي الحركة التاريخية التي تمثّل التيار الإسلامي في تونس، وقد حظيت الحركة بشهرتها من أمينها العام راشد الغنوشي، المنفيّ إلى لندن، بعدما عاش مرحلة من المراحل مهادنة مع نظام بن علي. وترجع بدايات الحركة إلى أواخر الستينات، ولقي نشاطها في البداية ترحيباً من الحزب الحاكم، على اعتبارها سنداً في مواجهة اليسار المعارض، إلّا أن الانقلاب ضدها كان في الثمانينيات، بعد إعلان الحركة بصفة رسميّة تحت اسم «حركة الاتجاه الإسلامي»، من دون أن تحصل على اعتراف رسمي. وهو ما أطلق حملة اعتقالات في صفوفها بذريعة «الانضمام إلى تنظيم غير مرخص له». وشهدت الصدامات مع النظام أوجها سنة 1987 مع الحكم على الغنوشي بالأشغال الشاقة مدى الحياة، واتهام الحركة بالتورط في «تفجيرات إرهابية».
شهدت المرحلة الأولى من حكم بن علي فترة مهادنة بين الحركة والنظام، بعدما أطلق معظم أعضائها، وشاركت في الانتخابات التشريعية عام 1989 تحت لوائح مستقلة، غيّرت اسمها إلى «حركة النهضة» للتقيد بقانون الأحزاب، إلّا أن طلبها جوبه بالرفض. نقطة التحول في العلاقة كانت مع مغادرة راشد الغنوشي إلى الجزائر، والصدام مع السلطة أثناء أزمة حرب الخليج 1991، حين أعلن النظام «إبطال مؤامرة لقلب نظام الحكم»، وعلى أساسها زجّ بأفرادها في السجون.
ومع عودة الغنوشي المرتقبة، يتوقّع أن يكون للحركة دور في المرحلة المقبلة، وسط مخاوف من طفرة إسلامية توصل الحركة إلى الحكم.
ـــــ حزب العمال الشيوعي التونسي، يعدّ من أكبر وأقدم الأحزاب الماركسية اللينينية النشطة في تونس. أُسس في 1986. يعدّ قائده حمة الهمامي من أهم الشخصيات المعارضة في البلاد، وكان الوحيد الذي رفض توقيع وثيقة الميثاق الوطني، التي قدمتها الحكومة على أنها الحل لتنظيم الحياة السياسية في البلاد بعد إطاحة الحبيب بورقيبة.
ويُرتقب أن يكون قطباً أساسياً أيضاً في المرحلة السياسية المقبلة، وخصوصاً في مواجهة حركة النهضة الإسلامية، ولا سيما أنّ جولات اشتباك سياسي كانت قد وقعت بين الطرفين في الماضي.
وإلى هذين الحزبين، هناك المؤتمر من أجل الجمهورية، الذي يتزعمه منصف المرزوقي، وحزب العمل الوطني الديموقراطي، التروتسكي النزعة.

النقابات

وإلى الأحزاب، تأتي النقابات والهيئات، التي يحتل صدارتها الاتحاد العام التونسي للشغل، المؤسَّس عام 1946. وقد كانت للاتحاد في مراحل سابقة جولات صدام مع السلطة، ولا سيما أيام رئيسه الحبيب عاشور، الذي زجّ به بن علي في السجن.
غير أن سياسة الاتحاد اتخذت منحى مختلفاً في بداية الألفية، بعد مرحلة من الاعتقالات لكوادره، فأيد سنة 2004 ترشيح الرئيس زين العابدين بن علي للانتخابات الرئاسية، وإضافةً إلى الاتحاد هناك أيضاً: الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان، الاتحاد العام لطلبة تونس، المجلس الوطني للحريات، وجمعية مناهضة التعذيب.