شهادة أولى: «الثالثة فجراً نحطّ في الخليل. نبدأ برمي القنابل الصوتية بالعشرات في شوارع المدينة والأحياء السكنية. ما من هدف محدّد سوى تخويف الناس. كنا نشاهد السكان يفيقون مذعورين على أصوات القنابل. قال لنا الضبّاط إن تلك القنابل «تساهم في هروب الإرهابيين المحتملين»... وهذا كلام فارغ! لكننا كنا نفعل ذلك كل ليلة. وكانوا يهنئوننا ويقولون لنا إنها كانت «عمليات جيّدة». لم نكن نفهم لماذا؟».
شهادة ثانية: «لم نكن نعرف أن للمسلمين خلال شهر رمضان تقليداً معيّناً يقضي بتجوال أحدهم في الشوارع يقرع على الطبل عند الرابعة فجراً لتنبيه الناس إلى وقت السحور. وكنا كلما نشاهد «مسحراتي» نصرخ به ليقف، ثم نرديه. لكن القواعد العسكرية تقول إنه في مثل هذه الحالات، كان يجب علينا أن ننذره أولاً وندعوه إلى التوقف، وإذا لم يمتثل نطلق رصاصة في الجو ثم بين الرجلين. لكن لم يتبع أحد تلك القاعدة وكنا نقتل فوراً. هكذا اغتلنا الفلسطينيين بسبب جهلنا بتقاليدهم المحليّة».
شهادة ثالثة: «نصل إلى نابلس، فيقرر المستوطنون مهاجمة بلدة مجاورة. هم مسلحون ويهجمون على منازل الفلسطينيين بالحجارة والعصي والسلاح. كانت مهمّتنا حماية المستوطنين. لذا كنا نزجّ بين السكان العرب الخائفين والمفاجئين بالهجوم وبين مستوطنين من واجبنا الحفاظ عليهم. يحاول أحدنا ردّ أحد المستوطنين فيتلقّى ضربات وتسمع طلقات نار، ويسود جوّ من الذعر والفوضى وتخرج الأمور عن سيطرتنا، وتنتهي الحادثة بجرح عدد من السكان الفلسطينيين».
هذه ليست تسريبات جديدة من «ويكيليكس» تطال الجيش الإسرائيلي. إنها اعترافات حرفية وعلنيّة لجنود إسرائيليين سابقين، تخرج للمرة الأولى إلى العلن على صفحات كتاب.
180 شهادة لجنود شاركوا في عمليات عسكرية في الضفة الغربية وغزة بين عامي 2000 و 2009 جُمعت في كتاب بعنوان «كسر الصمت»، تنشره المنظّمة الإسرائيلية غير الحكومية التي تحمل الاسم نفسه والتي تضم نحو 700 عضو بين جنود سابقين وناشطين. المنظمة التي سبق أن نشرت شهادات وأشرطة وصوراً عن عمليات تعذيب الفلسطينيين على أيدي الجنود والضباط الإسرائيليين، جمعت خلال سنوات شهادات ووثقتها قبل أن تنشرها في كتاب سينزل الى الأسواق الأوروبية خلال الشهر الجاري. الجديد هذه المرة، أن الجنود الذين أدلوا بشهاداتهم سيكشفون عن هوياتهم ويظهرون وجوههم إلى العلن.
مجلة «باري ماتش» الفرنسية نشرت بعض الشهادات التي وردت في الكتاب مرفقة بمقابلة مع مؤسس منظمة «كسر الصمت» الجندي السابق يهودا شاوول (28 عاماً). شاوول يريد من الكتاب ـــــ الحدث أن «يطلق نقاشاً جدياً في إسرائيل حول أداء الجيش الإسرائيلي». هو يرى أن «في رأس الجنود الإسرائيليين كليشيهات عديدة حول الفلسطينيين، وهذا ما يؤدي الى ارتكابهم ممارسات عمياء.» ويشرح: «لا الجيش ولا المجتمع المدني ولا السياسيون في إسرائيل يريدون رؤية الحقيقة ومواجهة الواقع» مضيفاً «لقد خلقنا وحشاً اسمه الاحتلال».
أحد أقسام الكتاب الأربعة يشرح كيف أن «الجيش يخدم مصالح المستوطنين على حساب السكان الفلسطينيين». وترد معلومات موثّقة وشهادات عن مهاجمة المستوطنين للفلسطينيين من دون أي تدخّل أو ملاحقة من الجيش الإسرائيلي، وفي بعض الأحيان عن تلقّي بعض الجنود أوامر من المستوطنين بشأن السياسات المتّبعة مع جيرانهم الفلسطينيين.
«في سن الثامنة عشرة كنت أقتل بشراً» يقول شاوول، واصفاً مشاهد ملاحقة المدنيين الفلسطينيين العزّل وتصفيتهم قبل أن يستطيعوا الوصول الى الملاجئ. يرى الجندي السابق في الجيش الاسرائيلي أن الانخراط في المؤسسة العسكرية «يفسد الشباب الإسرائيلي، والأخطر أن الإسرائيليين يثقون بما يقوله الجيش لهم». «ندرك أن الحكومة تكذب، وأنهم لا يريدون أي حلّ أو سلام. لذا كان علينا التحرك»، يحدد شاوول سبب قيامهم بهذه التحركات.
ميشا، دانا، نعوم، ميخائيل وغيرهم من الجنود والجنديات، وصفوا المهمّات التي نفذوها بحق الفلسطينيين من توقيف وتفتيش وتعذيب وتفجير منازل وقتل في الكتاب المثير للجدل. هم يُجمعون على أن الممارسات العسكرية بحق المدنيين الفلسطينيين لن تولّد سوى المزيد من العنف والكره لدى الطرفين.
«أكثر الأعمال غير الأخلاقية التي ارتكبتها أثناء خدمتي في الجيش هي تفخيخ المنازل، توقيف العشرات معصوبي الأعين ومكبلين، إخراج العائلات من بيوتهم عنوة ثم تفجير المنزل من دون أن نعرف سبب قيامنا بذلك. كنا نعذّب لمجرد التعذيب. وهذا يولّد شعوراً مقيتاً»، يقول أحد الجنود الشهود.